هل من تسوية شاملة في الشرق الأوسط رغم الحرب؟
لم تمنع الأجواء المشتعلة إيران من الإعلان عن مقترح أميركي لحل أزمة المنطقة برمتها وليس حلولاً جزئية فقط
النشرة الدولية –
اندبندنت عربية –
على خطين متوازيين تسير ملفات مستقبل المنطقة، فما إن تنقشع الغيوم ويتراءى أن هناك أجواء سلام وهدنة حتى تعود لتتشابك الخيوط وتتلبد السماء من جديد منذرة بحرب وتصعيد مقبلين.
في هذا الإطار، جاءت عملية “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي لتعيد خلط الأوراق الدولية وتهدد استقرار المنطقة، بل إن الأمور قد تتجه نحو حرب إقليمية على رغم كل محاولات التطمين، ووضع التصعيدات والهجوم المتبادل بين “محور الممانعة” من جهة والدول الغربية والولايات المتحدة وإسرائيل من جهة أخرى ضمن ما يعرف بقواعد الاشتباك وعدم تخطي الخطوط الحمراء.
ومع أن الحرب في غزة ما زالت مستعرة بين حركة “حماس” والجيش الإسرائيلي، إذ أعلنت وزارة الصحة ارتفاع حصيلة قتلى الحرب الإسرائيلية على القطاع إلى 23708 في اليوم الـ98 للمعارك، كذلك وعلى خلفية التضامن مع حرب “حماس” داخل القطاع شهدت وتشهد الحدود الجنوبية للبنان ضربات متبادلة بين “حزب الله” والقوات الإسرائيلية بصورة مستمرة منذ الثامن من أكتوبر.
إيران تتحدث عن “رسالة”
هذا كله يأتي في وقت تتصاعد المخاوف والتحذيرات من خروج الأمور عن السيطرة، بخاصة بعد الضربات التي وجهتها جماعة “الحوثي” في اليمن ضد أهداف وقواعد أميركية، والتعرض لأمن الممرات الدولية في البحر الأحمر، مما دفع مجلس الأمن الدولي للدعوة إلى وقف “فوري” لهجمات الحوثيين على السفن في باب المندب، مطالباً أيضاً كل الدول باحترام حظر الأسلحة المفروض على الجماعة المتمردة المدعومة من إيران.
ولم يحل ذلك دون إعلان إيران على لسان سفيرها لدى النظام السوري حسين أكبري أن الولايات المتحدة بعثت برسالة إلى طهران عبر وفد خليجي من أجل حل المشكلة في المنطقة برمتها وليس فقط لتسوية جزئية للصراع في مقابل منع اتساع رقعة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
وفي حديث خاص إلى موقع “العهد” الإخباري المملوك لـ”حزب الله”، قال أكبري إن واشنطن أرسلت لإيران وفوداً من أجل عدم توسيع رقعة الصراع، مضيفاً أنه “قبل 10 أيام تلقينا رسالة من أحد البلدان الخليجية التي أرسلت وفدها إلى إيران حاملاً رسالة من جانب الأميركيين بغية حل المشكلة في المنطقة برمتها وليس فقط لتسوية جزئية”.
وعن الرد الإيراني على “العرض” أوضح أكبري أن “لحلفاء إيران حق تقرير مصيرهم ومصير شعوبهم وأن قرار حلفائنا السياسي مستقل ولا نقرر بدلاً منهم”.
وحدة الساحات أم فصلها؟
منذ اندلاع الحرب في غزة، صدرت عن النظام الإيراني والميليشيات التابعة له مواقف تتناقض مع ما حاولوا هم بأنفسهم إرساءه مراراً، ألا وهو مبدأ “وحدة الساحات”، وكانت طهران تنصلت من عملية “طوفان الأقصى” على لسان المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي الذي أعلن صراحة في الـ10 من أكتوبر أن “أنصار النظام الصهيوني وآخرين نشروا إشاعات في اليومين أو الثلاثة الماضية بأن إيران الإسلامية تقف وراء هذه العملية. إنهم على خطأ”.
أيضاً وخلال كلمته في الذكرى الرابعة لمقتل قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس في الثالث من يناير (كانون الثاني) الجاري، أعلن الأمين العام لـ “حزب الله” حسن نصرالله أن “عملية طوفان الأقصى جاءت بقرار فلسطيني خالص، وهجوم جماعة أنصار الله (الحوثي) في البحر الأحمر أيضاً جاء بقرار يمني بحت ولم تصدر أية أوامر إيرانية بذلك”، و”أن محور المقاومة ليس على شاكلة غيره من المحاور التي تديرها جهة ودولة واحدة، فهو محور يلتقي على مفاهيم ورؤية استراتيجية، فالأعداء محددون والأصدقاء محددون والأهداف واضحة والموقف من الرؤية الأميركية والمشروع الأميركي واضح”.
وأكد أن “كل دولة أو حركة في محور المقاومة تتصرف بقرارها، وهي التي تفتح الجبهة أو تغلقها، وهي التي تحارب وتقاتل، وهي التي تتخذ مواقفها انسجاماً مع المصلحة الوطنية للدولة التي تنشط فيها”، علماً أنه كان سابقاً أعلن أن الجنوب يعتبر “جبهة مساندة”.
لكن السفير أكبري تحدث عن مقترح أميركي للبحث في تسوية حول المنطقة بأكملها، فهل هذا منطقي ويتماشى مع تجزئة الساحات؟ وهل يعقل أنه في خضم هذه الحرب أن تكون هناك بوادر لتسوية إقليمية؟
يقول الصحافي والكاتب السياسي علي حمادة لـ”اندبندنت عربية”، “معلوم منذ زمن بعيد أن قنوات الاتصال والتواصل بين الإيرانيين والأميركيين لم ولن تنقطع، لا سيما خلال إدارة الرئيس جو بايدن الذي يصر على عدم قطع العلاقات مع الإيرانيين”.
ويشير إلى أنه “ليست هناك بوادر لتسوية حول المنطقة بأكملها، هذا كلام غير صحيح، لأن هناك عدداً من الملفات غير مترابطة بطبيعة الحال، مثلاً ملف البرنامج النووي ليس على صلة بموضوع غزة، أما في ما يتعلق بالحرب داخل القطاع، فإن الحرب مستمرة ويعلم الإيرانيون ذلك لأن الأميركيين لا يريدون ولا يؤيدون في الوقت الحاضر وقفاً فورياً لإطلاق النار قبل أن تتقدم العملية البرية الإسرائيلية داخل القطاع، من هنا تأتي تجزئة الملفات”.
ويوضح أن “هناك سعياً أميركياً جدّياً بالنسبة إلى الملف اللبناني من أجل إنجاز تسوية دائمة على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية، كمسألة ترسيم الحدود البرية، وربما النقاط الـ13 على الخط الأزرق، وإيجاد صيغة خلاقة لتهدئة الأمور في ما يتعلق بمزارع شبعا، لكن لم يحِن الوقت بعد”.
ويضيف حمادة أن “هناك أيضاً ملفات أخرى تتعلق بالعراق حول تقاسم النفوذ. فصحيح أنه على خلفية حرب غزة ارتفع التوتر، لكن ليس كما يتصور بعضهم أن الولايات المتحدة ستخرج من العراق وسوريا لأنها ما زالت قوية جداً في العراق، وأقوى مما يقال ويشاع، ولديها نقاط ارتكاز داخل النظام وتركيبة الحكم، وفي الإطارين الاقتصادي والعسكري، مما يصعب على الإيرانيين أن يحسموا الأمر باتجاه إخراجهم من هناك”.
فك ارتباط
في هذا الإطار تأتي زيارة المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين وما سرب بعدها من طروحات قيل إنه أتى بها ليعرضها على المسؤولين اللبنانيين الذين التقاهم، والقاسم المشترك بين تلك التسريبات جميعها هو المحاولة الأميركية للعمل على مبدأ تجزئة الساحات والملفات.
ونقلت صحيفة “الشرق الأوسط” عن مصادر سياسية قولها إن “هوكشتاين قارب الوضع المشتعل في الجنوب من زاوية السؤال عن إمكان تحقيق فك ارتباط بين الحرب الدائرة في غزة وتلك المشتعلة على امتداد جبهة جنوب لبنان، مؤكداً استعداد تل أبيب، بضغط من واشنطن، للتوصل إلى تسوية مع لبنان تقضي بالفصل بينهما، وإن كان الجانب اللبناني فضل التريث للتشاور مع حزب الله الممسك بورقة الجنوب، مشترطاً وقف العدوان على غزة لاحتواء التصعيد هناك”.
وتابعت الصحيفة نقلاً عن المصادر عينها أن “الوسيط الأميركي ركز على ضرورة العمل على تهدئة الوضع في الجنوب، ولو مرحلياً، في ظل الحاجة إلى مزيد من الوقت للتوصل إلى اتفاق لفتح الباب أمام التوافق على الحل النهائي (لأننا بحاجة إلى التهدئة في الوقت الحاضر لمنع تدحرج الوضع الأمني نحو الأسوأ، وصولاً إلى توسيع الحرب على الجبهة الشمالية)”.
ويقول الباحث والكاتب السياسي حسن الدر لـ”اندبندنت عربية”، “أتت زيارة الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين بعد ثلاثة أشهر على بدء حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة. فهناك قتلت كل معالم الحياة ودمرت كل مقومات العيش ولم تستطِع إسرائيل تحقيق هدف عسكري واحد من أهدافها المعلنة، وهي استعادة الأسرى والقضاء على حركة حماس وتغيير الواقع السياسي في القطاع”.
ويستطرد، “لأن إسرائيل فوق القانون الدولي وفوق الحساب، حتى تاريخ دعوى جنوب أفريقيا عليها، فقد هدد قادة حربها لبنان بصورة علنية ومتكررة بمعركة لا تبقي ولا تذر، وكان آخر التهديدات ما قاله وزير الحرب يوآف غالانت ’سنقوم بنسخ ما حصل في غزة ولصقه في بيروت‘”.
ويتابع الدر أن “هذا الجنون الإسرائيلي شكل قلقاً للولايات المتحدة التي تحرص منذ السابع من أكتوبر على منع توسيع الحرب في المنطقة لأسباب عدة، ولذلك وصل هوكشتاين إلى بيروت بعدما دخلت إسرائيل عملياً في المرحلة الثالثة من الحرب على غزة”.
وينقل الدر عن مصدر موثوق أن “المبعوث الأميركي لم يحمل حلاً متكاملاً ولا رؤية واضحة بقدر ما أثار أفكاراً للنقاش ووضعها في إطار تكوين فكرة كاملة عن رؤية كل طرف على حدة، ليبدأ لاحقاً بوضع تصور يعرضه على الطرفين”.
من الدفاع إلى الرد
لكن، ماذا عن التصعيد في المنطقة من البحر الأحمر وحتى الحدود العراقية – السورية؟، على ذلك، يرد الكاتب علي حمادة قائلاً “على رغم كل التصعيد الحاصل فإن هناك ضوابط له، وبدا ذلك بصورة واضحة من الضربة الأميركية – البريطانية على اليمن، وهي رسالة قوية من غير أن تكون قاتلة ومفجعة بالنسبة إلى الطرف الآخر، لكنها جاءت لتفيد بأن المجتمع الدولي والغربي قرر الانتقال من مرحلة الدفاع إلى مرحلة الرد، بمعنى أن هذا ما سيحصل رداً على أية هجمات حوثية مقبلة”، وحول إذا ما كانت هناك حرب أم تسوية؟، يقول حمادة، “نحن على الحافة بين الاثنتين”.
وبالنظر إلى بيروت في خضم هذا الجو المشتعل، يلفت حسن الدر إلى أن “الثابت لدى لبنان ثلاث نقاط، لا لبحث أي حل قبل وقف الحرب على غزة، وتطبيق القرارات الدولية بدءاً من هدنة 1949 وحتى القرار 1701 عام 2006، وأيضاً عدم فصل مزارع شبعا أو أية نقطة عن البحث باعتبار الحدود محددة رسمياً منذ عام 1923”.
ويضيف الدر أنه “كان نقل عن الرئيس نبيه بري أن هوكشتاين ربط بين الحل في غزة والحل في لبنان، وهذا يوحي بأن الأميركيين يعملون على تسوية شاملة في المنطقة، ومن هنا نفهم ما صرح به السفير الإيراني لدى دمشق عن مقترح أرسلته واشنطن إلى طهران عبر دولة خليجية (قيل إنها قطر) تدعو إلى تسوية إقليمية شاملة”.
ويردف أنه بناء على تلك المعطيات، “تبدو أجواء بيروت أكثر طمأنينة عما سبق، فاللهجة الإسرائيلية خفتت ودخل التفاوض على خط السباق مع الحرب، فأيهما يصل أولاً؟ في القراءة الواقعية لا بد من تسوية، أما في معايير الجنون الإسرائيلي ويأس نتنياهو، فلا يمكن استبعاد خيار الحرب على الإطلاق”.