1967 و 1979 … حدثان صنعا أكبر تغييرين استراتيجيين
رفيق خوري

ما كشفه الامتحان هو أن "إزالة إسرائيل" مجرد شعار أو هدف في خدمة الاستراتيجية الإيرانية

النشرة الدولية –

زحام الأحداث في الشرق الأوسط لا مثيل له في أية منطقة. والتعبير الشائع عن منطقة رمال سياسية متحركة لا يختصر المشهد. جبل لبنان وحده تعاقبت عليه أحداث منذ القرن التاسع عشر تدخلت فيها وأسهمت في تسوياتها سبع دول أوروبية كبرى أيام السلطنة العثمانية كذلك شهدت دولة “لبنان الكبير” في القرن العشرين انتداب فرنسا ومزاحمة بريطانيا لها ودوراً سوفياتياً في تكريس الاستقلال ودوراً أميركياً في كل أحداثه ما بعد الاستقلال. فلسطين شغلت العالم ولا تزال منذ” وعد بلفور” في عام 1917 إلى اليوم، مروراً بقيام إسرائيل. ولم تهدأ الأحداث الكبيرة في مصر، وسوريا، والعراق، والجزائر، وبقية البلدان في المنطقة. وكل حدث قاد إلى سلسلة أحداث، بحيث يصعب الخيار بينها في الأهمية. لكن من الممكن تمثيلاً لا حصراً، اختيار حدثين في النصف الثاني من القرن العشرين أدى كل منهما إلى تغيير استراتيجي كبير في اتجاهين متعاكسين، ولا تزال مفاعيلهما مؤثرة في القرن الحادي والعشرين: هزيمة الجيوش العربية أمام إسرائيل في حرب يونيو (حزيران) عام 1967. وقيام الجمهورية الإسلامية في إيران في عام 1979. الحدث الأول كان الحد الفاصل بين مرحلتين في الصراع العربي- الإسرائيلي. والثاني أعاد الاعتبار، في الخطاب، إلى المرحلة الأولى.

ذلك أن الجيوش العربية دخلت حرب فلسطين في عام 1948 لتحقيق هدف معلن هو منع قيام إسرائيل. والسياسة الرسمية العربية في حرب عام 1967 كان عنوانها تحرير فلسطين. لكن الهزيمة القاسية التي خسرت فيها مصر سيناء، وقطاع غزة الذي كان تحت إدارتها، وخسرت سوريا الجولان، وخسر الأردن الضفة الغربية التي كانت تحت إدارته بما فيها القدس الشرقية، أدت إلى تغيير الاستراتيجية العربية في القمم، من تحرير فلسطين إلى إزالة آثار العدوان. حرب أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973 التي سماها المعارضون “حرب تحريك لا حرب تحرير” كانت عملياً لاستعادة الأرض المحتلة في عام 1967. ومبادرة السلام العربية في قمة بيروت العربية في عام 2002 كانت لإزالة آثار العدوان واعتبرت أن “السلام خيار استراتيجي” بحسب معادلة “الأرض مقابل السلام”، بصرف النظر عن “لاءات الخرطوم” بعد الهزيمة التي تبخرت في الهواء. وهذا ما قاد الرئيس أنور السادات إلى القدس ثم كامب ديفيد ومعاهدة السلام مع إسرائيل. وما قاد الملك حسين إلى معاهدة “وادي عربة” مع إسرائيل. وما قاد منظمة التحرير الفلسطينية إلى “اتفاق أوسلو”. وما قاد سوريا ومعها لبنان إلى مفاوضات مع إسرائيل برعاية أميركية من دون التوصل إلى اتفاق. والموقف العربي الرسمي من حرب غزة أكد هذا الاتجاه.

أما الجمهورية الإسلامية في إيران، فإنها رفعت شعار التحرير من البحر إلى النهر الذي استمرت في رفعه منظمات فلسطينية راديكالية. وهي أسست ميليشيات مذهبية مسلحة في لبنان والعراق وسوريا ودعمت الحوثيين في اليمن و”حماس” و”الجهاد الإسلامي” في فلسطين ضمن شعار العمل على “إزالة إسرائيل”. وبقيت توحي يومياً أن تحرير فلسطين هو “أمر اليوم” في استراتيجية المرشد الأعلى، والكل، من “الحرس الثوري” إلى الميليشيات التابعة له في انتظار إشارة المرشد. لكن حرب غزة بدت الامتحان العملي للاستراتيجية الإيرانية، بعدما تصور قادة “حماس” أن عملية “طوفان الأقصى” هي بداية حرب شاملة تديرها إيران عبر “محور المقاومة” في وحدة الساحات. وما كشفه الامتحان هو أن “إزالة إسرائيل” مجرد شعار أو حتى هدف في خدمة الاستراتيجية الإيرانية التي لا أولوية لديها تتقدم على حماية النظام والعمل للمشروع الإقليمي الإيراني. فقضية فلسطين ورقة تفتح أمام طهران الأبواب لدخول العالم العربي. والملالي دهاة وليسوا انتحاريين. وهم يعرفون، كما رأوا بالعين المجردة خلال حرب غزة، أن أميركا وروسيا والصين وأوروبا تريد تسوية من أجل دولة فلسطينية لا أكثر ولا أقل، وتقف ضد أي تحرك عملي لإزالة إسرائيل. وطهران تعلن بلسان وزير خارجيتها أنها مثل حكومة نتنياهو ضد “حل الدولتين” وتستمر في شعار التحرير من البحر إلى النهر.

ولا عزاء لأهل الضحايا في فلسطين ولبنان.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى