حروب العرب في العقد الأخير تسرق المعرفة وتنشر الجهل كي نصبح كتلة بشرية فائضة
بقلم: رومان حداد

النشرة الدولية –

الرأي الأردنية –

تعرضت منطقتنا خلال ما يزيد على عقد من الزمان لعدة حروب وثورات داخلية، تم التركيز فيها على خسائر الأرواح، واستمتع كثيرون بعملية الإحصاء، وبات رقم الضحايا يزداد يومياً، فمن الحرب السورية إلى الحرب اليمنية إلى الحرب الصهيونية الغاشمة على غزة، ويبدو أن الإعلام وجد ضالته في الانتشار عبر التركبز على القتلى والجرحى والدمار العمراني، وعمل الإعلام بتغطيته هذه إلى إخفاء ما هو أعظم.

خلال هذه الحروب تم منع ملايين الأطفال من التعلم والالتحاق بالمدارس، وخلق ظروف اقتصادية دفعت بالأطفال للشارع بحثاً عن عمل ولقمة عيش يساندون بها أسرهم، وبالتالي تم تجهيل المنطقة بصورة ممنهجة، بحيث سيصحو الوطن العربي على فئة شباب غير متعلمة ذات كتلة مؤثرة اجتماعياً وسياسياً.

تركز الأخبار في اليمن عن فقر غذائي، حيث يعاني ما يقارب 6 ملايين طفل يمني من الجوع، و500 ألف منهم يعانون من سوء التغذية الحاد، وذلك وفق أحدث التقارير الأممية حول الجوع في اليمن، وبالتأكيد فإن من يعاني من هذه الأزمة في التغذية لا يمكن له أن يتحصل على تعليم جيد، ولن يكون التعليم على سلم الأولويات الخاصة بالعائلة التي تعاني من الجوع.

ولا تختلف الحالة السورية عن اليمن كثيراً، فبعد أن خرجت مناطق عن سيطرة النظام، عانى الأطفال من القدرة على الحصول على تعليم منتظم، وهو ما أدى بمئات الآلاف من الأطفال إلى عدم الالتحاق بالمدارس، وهو ما خلق جيلاً من الأميين.

وفي ظل الوضع الاقتصادي السوري الحالي، حيث يقبع ما يقارب 90% من السوريين تحت خط الفقر، فإن البحث عن سبل الحياة الصعبة تمنع ما يقارب 2 مليون طفل سوري من الالتحاق بالتعليم، وفق أحدث دراسة قدمها مركز المراقبة اليورو متوسطي.

ما يحدث اليوم من حرب صهيونية غاشمة في غزة سرق من أطفال غزة فرصتهم للحصول على التعليم في العام الدراسي الحالي، وستحرم أعداداً كبيرة منهم، تقارب 500 ألف طفل، من التعليم في العام الدراسي القادم، في حال توقفت الحرب قبل بدايته، بسبب تدمير المدارس وزيادة المعاناة الاقتصادية والحياتية لسكان غزة.

تجهيل جيل كامل من الأطفال العرب معركة غير ظاهرة للعيان، ولكنها المعركة ذات الآثار الأعمق في تركيبة المجتمعات العربية، لأنها تهدد مستقبل هذه الشعوب، وتضمن خسائر طويلة المدى في آليات التطور المجتمعي، في زمن تتسارع فيه التطورات، وتساعد هذه المجزرة التعليمية والمعرفية بتهميش العرب على المستويين الإقليمي والعالمي.

ويجب أن لا تخدعنا إنجازات فردية هنا أو هناك، فالصعود والارتقاء عمل جماعي لا يمكن أن يحدث دون حواضن اجتماعية، وسيتحول المجتمع في هذه الدول إلى حواضن للتخلف الاجتماعي والمعرفي، وهو ما يمنع عملية إفراز النخب السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، وسنرى انعكاساته على شكل الأسرة وعلى دور المرأة وعلى القدرة على تحقيق تقدم في مجلات علمية ومعرفية، والأخطر أنها ستكون هذه المجتمعات طاردة، بمعنى أن كل من يحاول الهروب من هذه المجتمعات سيبحث عن هجرة مشروعة أو غير مشروعة، مما يفرغ هذه الدول من العقول التي يمكن أن تستفيد منها.

أزمة هذه الدول والمناطق المحيطة بالأردن لن تكون بمعزل عنا، بل ستخلق أجواء ومناخات فكرية واجتماعية سلبية، بصورة تضع ثقلاً إضافياً على الأردن، وتحاصره بصورة قد تمنع من حدوث التطور المأمول به وطنياً، وهو ما يستوجب التفكير بآليات مختلفة وغير تقليدية لتحصين الأردن من حالة اللامعرفة والجهل التي قد تحكم دائرتها من حولنا.

 

تجهيل الشعوب العربية هي الحرب الأكثر تدميراً التي تخاض ضدنا، فهي تدفعنا للخروج من باب التاريخ، والتحول إلى كتل بشرية ديمغرافية فائضة في جغرافياً مقلقة، إنها الحرب على العقل والمعرفة عبر عملية تجهيل مستمرة، فهل لنا القدرة على التفكير بحلول أم أننا سنستسلم لنرى نهايتنا كحضارة ونقيم مأتمنا بأنفسنا؟

 

زر الذهاب إلى الأعلى