خليفة خامنئي قُتل: إغتيال أم خلل فني؟
النشرة الدولية –
نداء الوطن – غادة حلاوي –
شكّل مقتل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان حدثاً هزّ العالم بأسره. سقطت المروحية التي تقلّه، في منطقة وعرة قرب الحدود مع أذربيجان، في محافظة أذربيجان الشرقية شمال غرب إيران، بسبب سوء الأحوال الجوية والضباب الكثيف، فقضى نحبه ومن كان برفقته في حادث غير مسبوق، ملابساته غامضة، أثار الكثير من علامات الاستغراب وكان مثار تحليلات… ليس حدثاً عابراً أو بسيطاً، خصوصاً أنّه كان يُنظر إلى رئيسي على أنّه خليفة «قائد الثورة» ومن المهيئين لهذا المركز، وهذا ما يفتح الباب على التكهنات.
ومنذ إعلان فقدان مروحية رئيسي تصرفت إيران بصمت وحذر. واتخذت اجراءات إستثنائية على مستويات الدولة كلها، وسبق ذلك قيام المرشد الأعلى للثورة بتوجيه رسالة طمأنة إلى الإيرانيين أنّ أمور البلاد لن تتعطل على سبيل التمهيد لإعلان وفاة الرئيس. حاذرت إيران استباق التحقيقات، ولم تعلق على الحادث، بينما كانت التقارير الديبلوماسية ترجّح فرضية حصول عملية عدوانية نفّذها «الموساد» الإسرائيلي، وطرحت تساؤلات عن قائد الطائرة، استنفرت الولايات المتحدة فقطع رئيسها إجازته، انشغل الروس بتحليل المشهد وسارع العرب إلى إعلان التضامن. كل ذلك بينما التزمت إيران الحداد خمسة أيام واتخذت تدابير فورية، فعيّنت النائب الأول للرئيس الإيراني محمد مخبر (68 عاماً)، وفقاً للدستور الإيراني، رئيساً موقتاً للبلاد ونائب وزير الخارجية الايراني علي باقري كني وزيراً للخارجية.
كانت لافتة أيضاً استعانة إيران بإمكانات تركيا وروسيا من أجل المساعدة في الكشف عن موقع الحادث وأسبابه. طلب المساعدة مردّه إلى رغبة ايران في وجود شهود على الرواية الحقيقية، التي وإن كانت تيقّنت بأنّ الحادث ناتج من خلل فني، لكنها ضمناً أبقت الاحتمالات الأخرى في الحسبان. إعلان استهداف مقصود يفرض عليها الردّ ما يعزّز احتمالات الحرب. ليست ايران في وارد الحرب وهي التي سعت في عهد رئيسي الى تصفير مشاكلها، لكنها شرعت في التحقيق، فالحادث الفني له أيضاً أسبابه، ومن يتسبب به. هادئة بدت ايران لتمتص الصدمة.
برحيل رئيسي انتهت مرحلة من الانفتاح الايراني على العالمين العربي والغربي ترجمها حسين أميرعبد اللهيان بزياراته المتكررة للدول العربية وكان شريكاً في المفاوضات التي شهدتها عُمان بين إيران والولايات المتحدة، وعلى تنسيق مع الوفد المفاوض. منذ رشّحه رئيسي عقب فوزه في الانتخابات الرئاسية عام 2021 لمنصب وزير الخارجية، حظي عبد اللهيان بثقة البرلمان المحافظ. تميّز بحنكة ديبلوماسية وسّعت شبكة علاقاته العربية والخليجية، وقال عنه أحد المشرّعين الإيرانيين إنه «قاسم سليماني آخر في مجال الديبلوماسية». القريب من المرشد الأعلى السيد علي خامنئي عُرف أيضاً بقربه من حركات المقاومة الفلسطينية و»حزب الله» في لبنان.
يتحدث عارفوه عن عشقه لبنان الذي زاره مراراً خلال وجوده على رأس الديبلوماسية وقبلها، وتربطه علاقات صداقة وطيدة بعدد من السياسيين اللبنانيين خارج «حزب الله»، ومحبّ لشخصية الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصر الله. كان يزوره في كل مرة يريد أن ينقل أجواء مفاوضات إيران مع دول عربية أو تطورات الملف النووي مع الولايات المتحدة. وحديثاً كان دوره بارزاً بعد عملية الطوفان ولقاءاته المتواصلة مع قادة المقاومة الفلسطينية و»حزب الله» وهو الذي أعلن في إحدى زياراته لبنان أنّ طهران تلقت عرضاً أميركياً هو عبارة عن تسوية شاملة في المنطقة وضمناً لبنان، فكان جوابه أن لا حديث عن تسوية ما لم توقف اسرائيل حربها على غزة.
فور إعلان وفاة الرئيس رئيسي ووزير الخارجية تحولت الحكومة الايرانية إلى حكومة موقتة وشكلت لجنة رئاسية، وفقاً للدستور، يترأسها نائب رئيس الجمهورية على أن يتم التحضير لإنتخابات خلال مهلة 50 يوماً، وإلى أن يجري ذلك تمّ تعيين علي باقري كني للخارجية، وهو كان من ضمن الفريق المساعد للوزير الراحل عبد اللهيان وأدّى أدواراً مهمة، ويعرف عنه نشاطه الديبلوماسي، لكن السؤال: هل يُعيّن رئيساً للديبلوماسية في عهد الرئيس الجديد فيكون وزير خارجية بالأصالة؟ تقديرات المحللين ترجّح ذلك، خاصة أنّه كان يشغل منصب نائب وزير الخارجية للشؤون السياسية منذ عام 2021. ويتابع الملفات ذاتها وتربطه علاقات وطيدة بقوى المقاومة الفلسطينية وسيكون ملف لبنان من ضمن الملفات التي يتابعها. وليس مستبعداً تشكيل فريق ديبلوماسي جديد للمرحلة المقبلة أكثر تماسكاً ودراية، خصوصاً في ضوء الانتقادات التي كانت توجّه بين الحين والآخر الى مواقف عبد اللهيان التي قيل في حينه إنّها كانت موضع استغراب بعض المسؤولين حيال طوفان الأقصى.
وفي تقييم لحقبة رئيسي وعبد اللهيان يتوقف المحللون عند محطة بارزة، وهي التي شهدت توجيه ضربة إيرانية لإسرائيل، وفي عهده دخلت إيران مرحلة سياسية جديدة. إيران بلا رئيسي ولا عبد اللهيان. حقبة جديدة تفتح في دولة لا يستوقفها الحزن إلا من بابه الإنساني، ولها باع طويل في الديبلوماسية والمُشاغلة، فكيف وقد تلقت ضربتها في ظرف مفصلي! منذ الساعات الأولى سارعت إلى تلقف ما حصل بهدوء، وطوقت الفراغ في السلطة، وتقول مصادر مطلعة على سياستها الخارجية إنّ متابعة الملفات ستبقى على حالها، وإنّ وزير خارجيتها سيتابع ملفات سلفه بالروحية نفسها فتكون له جولاته في المنطقة، خصوصاً أنّ موضوع غزة لا يزال هو الأساس ومنطلق المتابعات.