عندما تدير مدن خليجية ظهرها للبحر
بقلم: حمزة عليان

النشرة الدولية

الجريدة –

مشروع «المدينة العربية بين العراقة والاستدامة» يحتاج الى ورش عمل خاصة من كليات الهندسة في الجامعات الخليجية والعربية لما تمثله من قيم، وما تتعرض إليه من مخاطر في ضوء الحديث عن مدن أدارت ظهرها للبحر والبيئة التي تنتمي إليها وراحت تتباهى بالأبراج وناطحات السحاب.

حمزة عليان

 

خصصت «مؤسسة الفكر العربي» ومقرها في بيروت كتابها السنوي «للمدينة العربية» وتلك خطوة مقدرة نظرا لما تمثله هذه المدن من هوية معمارية وتراثية، فهذه المؤسسة والقائمون عليها لم ينكسروا أمام الأهوال التي أصابت العاصمة اللبنانية ولا التراجع الذي أضعف النشر وعالم الطباعة والكتاب، بل بقيت المؤسسة وأكملت رسالتها التنويرية، وهو ما يعني الثبات على بقاء هذه النافذة مفتوحة تضج منها الحياة الفكرية بكل المناحي والمجالات.

 

أول المطالعات كيف أصبحت القدس نموذجاً للمدينة العربية المهددة بفقدان هويتها، سواء من جراء المحو المتعمد الذي يمارسه المحتل الغاصب، أو بفعل الدمار الذي تسببت به حرب خارجية أو الناجم عن اقتتال داخلي، لكنها تبقى مثالاً للمدينة المقاومة المصممة على صون ذاكرتها.

 

وهذا بخلاف «مراكش» و«القيروان» كنموذجين لمدن عربية أدرجت على قائمة التراث العالمي، عدا عن مدينة «باليرمو» التي أسسها العرب في إيطاليا إبان فتوحاتهم وما زالت ألوانها وعادات أهلها وتراثها المعماري شاهدة على ثقافة أصلية.

 

ما يستدعي الانتباه بحث الدكتور سعد البازغي بعنوان «مدن وروايات من الجزيرة العربية والخليج»، وفي هذا المضمار نتحدث عن نشأة المدن هنا التي لا يتجاوزعمرها مئة عام، فالرواية تتوازى مع المدينة من حيث حداثة التطور في بيئة أدبية لم تعرف الشكل بمواصفاته الأوروبية.

 

يرسم البازغي صورة واقعية، كيف استمرت العشائر والقبائل والأسر الممتدة وقاومت هذه المجتمعات فردانية الغرب ونزعته العلمانية، وإن تبنت بعض أنظمة الدول الاقتصاد الرأسمالي والكثير من القوانين الأوروبية.

 

كان بارعا في توصيفه حين يقول إن التحديث والتنمية لم تخف البنى المتوالية للقهر الاجتماعي والوجوه القاتمة الأخرى التي سعت الواجهات العمرانية الحديثة إلى تجاوزها، مثلا خماسية عبدالرحمن منيف رصد تاريخي لتطور الحياة في بعض أنحاء الجزيرة العربية بما في ذلك مدنها التي انتقلت من طور الواحات أو البلدات إلى طور المدن.

 

يستشهد في المملكة العربية السعودية التي شهدت على مدى 60 عاما اتساعا للمدن غير مسبوق على مستوى الخليج من حيث العدد والحجم نتيجة لعمق التجربة التاريخية، أما الكويت فكانت حاضرة في أعمال معظم الروائيين الكويتيين أمثال: إسماعيل فهد إسماعيل، وطالب الرفاعي، وليلى العثمان، وبثينة العيسى، وحمد الحمد وغيرهم، في حين أن الرياض تحضر في ثلاث روايات صدرت على مدى العقدين الأخيرين لثلاثة من الكتاب السعوديين هم: أميمة الخميس وعبدالله بن بخيت وبدرية البشر.

 

الحداثة التي لحقت بالمدن الخليجية كانت هاجسا وراء قلق الهوية لدى قاطنيها، تخيل معي الرواية السعودية «غراميات شارع الأعشى» لبدرية البشر، التي تتخذ من أحد شوارع المدينة رمزا لهويتها وشارع الأعشى ليس شارعا للمهمشين أو المسحوقين بل تتمظهر فيه سمة من سمات المدينة السعودية الخليجية، وهي التشدد الديني ذو الصبغة الإسلامية، بوصفه ظاهرة تنامت في ظروف تاريخية محددة، نرى كما يكتب البازغي آثارها المدمرة على النسيج الاجتماعي.

 

رحلة المدن الخليجية في مخيلة الروايات تستحق القراءة والغوص في مضامينها بوصف تلك الأماكن جزءا من الأوطان، ترصد التحولات الاجتماعية ومتغيرات التاريخ والبنى السياسية والاقتصادية ذات الصلة.

 

مشروع «المدينة العربية بين العراقة والاستدامة» يحتاج الى ورش عمل خاصة من كليات الهندسة في الجامعات الخليجية والعربية لما تمثله من قيم، وما تتعرض إليه من مخاطر في ضوء الحديث عن مدن أدارت ظهرها للبحر والبيئة التي تنتمي إليها وراحت تتباهى بالأبراج وناطحات السحاب.

Back to top button