معركة صامتة بين لبنان و”المفوّضية”… وترقّب لمؤتمر بروكسل
النشرة الدولية –
نداء الوطن – غادة حلاوي –
يخوض لبنان معركة صامتة في مواجهة المفوّضية العليا لشؤون اللاجئين في بيروت. وهي معركة تتّسم بالحدّية، خاصة أنّ المفوّضية تجاهر بخطواتها لإبقاء النازحين على الأراضي اللبنانية مستخدمة وسائل الترهيب والترغيب. وإزاء هذا التعامل الفوقي كان من الطبيعي أن يكون ردّ وزارة الخارجية اللبنانية بالشكل الذي كان عليه، وأنّ يتوجّه عبدالله بو حبيب إلى ممثّلها في لبنان بلغة التهديد لسحب رسالته التي وجّهها إلى وزارة الداخلية مباشرة، ويمهله حتى آخر الشهر لتسليم «الداتا» المتعلقة بالنازحين أو إجراء المقتضى.
لغاية اليوم لا تزال المفوّضية تمارس خداعاً تجاه لبنان فتقول إنّها سلّمت «الداتا» إلى الجهات الأمنية المعنية ليتبيّن أنّها ليست «الداتا» المطلوبة، ثم تتوجّه إلى وزارة الداخلية برسالة بمثابة تهديد للبنان وتشترط عليها آلية تعامل مع النازحين فتطلب تحسين شروط عملهم وترفض إقفال محالهم التجارية، وتطلب من قوى الأمن وقف تفكيك مخيمات النازحين وترحيل المخالفين منهم. إزاء هذا التعامل لم يتردّد بو حبيب بإبلاغ ممثل المفوّضية المقيم في لبنان ايفو فرايسن بأنه غير مرغوب فيه إذا لم يسحب رسالته إلى الداخلية، والتي كان وجّهها خارج الأطر الديبلوماسية المنصوص عليها، وتضمّنت مخالفات في الشكل والمضمون وانتهاكاً لسيادة لبنان ودولته.
وبناءً على هذا الإجراء الصارم من وزير الخارجية يفترض أن يلتزم ممثل المفوّضية بتسليم لبنان «الداتا» التي ستكشف عن أعداد النازحين المسجّلين وأسمائهم، ومن لا ينطبق عليه القانون يمكن ترحيله، ويقدّر عدد هذه الشريحة الأخيرة بما يقارب 700 ألف نازح سوري مقيم بصورة غير شرعية يمكن للبنان ترحيلهم. ويفترض إلى جانب هؤلاء وجود ما يقارب 500 ألف من اليد العاملة ممّن حازوا إقامات للعمل في لبنان ويلتزمون شروط الإقامة القانونية، ويمكن ترحيل المخالفين من بينهم، وهذا أمر طبيعي ومشروع تمارسه كل دول العالم. وبناءً على تلك المعلومات سيتبيّن حكماً عدد النازحين الهاربين من النظام السوري. وتلك الأرقام التي لا تقدّمها مفوّضية اللاجئين يقال إنّها وصلت إلى مليون ونصف المليون نازح سوري ما يعني وجود مليونين و500 ألف نازح سوري في لبنان ما بين شرعي وغير شرعي وهارب من النظام.
المواجهة مع مفوّضية اللاجئين تُنبئ بصدام كبير، خاصة أنّها متّهمة بالعمل ضد مصلحة لبنان وتسعى بطريقة أو بأخرى لإبقاء النازحين السوريين على الأراضي اللبنانية وانصهارهم في المجتمع اللبناني. كانت لافتة دعوة «التيار الوطني الحر» لمعالجة هذا الموضوع من خلال التعاون مع البلديات ما دامت الجهات الحكومية عاجزة لسبب أو لآخر عن مواجهة الواقع الراهن وتمدّده. وثمة عمل دؤوب لاتخاذ البلديات القرارات اللازمة وترحيل السوريين غير الشرعيين أي كل من لا تنطبق عليه شروط النازح ولا يملك إقامة عمل.
وعلى المستوى الخارجي يتأهّب لبنان للمشاركة في مؤتمر بروكسل الثامن المنعقد من أجل مناقشة قضية النازحين السوريين. ثمانية مؤتمرات لم تتمّ دعوة الدولة المعنية أي سوريا لإشراكها في النقاشات واقتراحات الحلول للعودة. والأسوأ أنّه من بين البنود المطروحة للنقاش تلك التي تعكس إصرار الاتحاد الأوروبي على اعتبار أن لا حل في سوريا إلا من خلال القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن والذي يتحدث عن أنّ الحل في سوريا لعودة النازحين يكمن في تشكيل حكومة انتقالية فيها تقوم بحوار سياسي يؤدي الى دستور جديد وانتخابات. ما يعني أنّ الغرب الذي لم يستطع إخراج الرئيس السوري بشار الأسد من المعادلة السياسية، يرفض إعادة النازحين كي لا يعترف بوجوده، ما يجعل لبنان راضخاً لمعادلة صعبة. أي أن تستمرّ إقامة النازحين إلى أن ينكسر الأسد الذي يرفض من ناحيته إعادة النازحين إلا بعد رفع «قانون قيصر» وإعادة الإعمار.
هي إذاً معادلة في غاية الصعوبة تعني أنّ ترحيل النازحين من لبنان مرهون أوروبياً برحيل الأسد وبرفع قانون قيصر وإعادة الإعمار. وطالما أنّ الغرب يرفض الاعتراف بالأسد ولا يشركه في نقاش ملف النزوح فيعني أنّه يتواطأ مع النظام السوري على أن لا عودة للنازحين إلى سوريا، وأنّه على لبنان تحمّل تبعات وجودهم، وأنّ الدعم المالي للبنان سيكون مشروطاً بتحسين شروط إقامتهم، خصوصاً أنّ المفوّضية تطلب بكل جرأة السماح للنازحين بالمشاركة في المجتمع اللبناني أي أن يكون النازح شريكاً في الرأي. فماذا لو كان المقصود إشراكهم في البلديات مثلاً؟ أو تمثيلهم في مجالسها؟
إلى هذا الحدّ يمكن اعتبار المسألة خطراً وجودياً على لبنان الذي إن تماهى مع مطالب مفوّضية اللاجئين ورضخ لشروطها فلن يبقى في المستقبل. خرج الموضوع عن إطاره الإنساني إلى تحدي المجتمع الدولي الذي يتعامل مع لبنان بلغة الفرض مستغلاً أزمته الإقتصادية مطبقاً مبدأ مساعدة لبنان كشرط لإبقاء النازحين، وإلّا فلا مشاريع ولا مساعدات. وزير الخارجية الذي سيشارك في مؤتمر بروكسل لن يكون تعامله أقل حدّة من أسلوب مخاطبته ممثل المفوّضية، وهو يحمل تفصيلاً عن واقع حال النازحين والأزمة الناتجة من وجودهم في كل أبعادها محاولاً «القوطبة» على ما سيصدر من توصيات لتخفيف العواقب، وإلا كان لبنان أمام مواجهة مفتوحة وعلنية.