وليد جنبلاط… هل نجح في أن يكون “بيضة قبان” السياسة في لبنان؟
النشرة الدولية –
إندبندنت عربية –
“بيضة القباّن” هو مصطلح شائع في السياسة اللبنانية للدلالة على تموضع شخص أو حزب ما في موقع وسطي وبموقعه هذا يضمن التوازن بين أفرقاء أو قوى داخلية. وفي معنى المصطلح بالأساس، “بيضة القبّان” هي كتلة معدنية تتوسط كفتي القبان أو الميزان فتتحكم بدقته.
وما بين تموضعات السياسة ودقة الميزان، يحظى الوزير السابق وليد جنبلاط بلقب “بيضة قبّان” السياسة في لبنان.
بينما كانت بورصة أسماء المرشحين لرئاسة الجمهورية في لبنان قبل أسابيع ضبابية ولا اتفاق على شخصية محددة، قرر الوزير السابق ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي السابق وليد جنبلاط أن يرشح قائد الجيش العماد جوزاف عون، الذي أصبح رئيساً للجمهورية في التاسع من يناير (كانون الثاني) الجاري.
جاء هذا الترشيح في بيان صادر عن كتلة “اللقاء الديمقراطي” (كتلة الحزب التقدمي في مجلس النواب اللبناني) وبحضوره شخصياً، وجاء في البيان “تشدد الكتلة على أهمية انتخاب رئيس للجمهورية خلال جلسة التاسع من يناير المقبل”، معلنة دعمها انتخاب العماد جوزاف عون. وعلق جنبلاط بعد الإعلان قائلاً، “اخترنا دعم ترشيح قائد الجيش للرئاسة لأنه يمثل مؤسسة مهمة، وقام بعمل ممتاز من أجل استقرار لبنان، وهو مهم جداً في هذه المرحلة للاستقرار والأمن في البلد”. وتابع خلال لقاء مع مجلس العلاقات العربية – الأميركية، “أفضل انتخاب رئيس للجمهورية خلال عهد جو بايدن، وهذا لا يعني أنني أوافق على سياسته، وقد رأينا ما حصل في غزة، لكن يجب عدم انتظار الإدارة الأميركية الجديدة، وقد رأينا نماذج ممن ستضم”، مضيفاً “أتمنى انتخاب رئيس في جلسة التاسع من يناير، وأعتقد أن جوزاف عون هو مرشح مدعوم من قبل الإدارتين القديمة والجديدة”.
إعلان زعيم المختارة، ترشيح عون، جاء في وقت حساس تمر به المنطقة بعد تدحرج الانهيارات بدءاً من “حزب الله” في الداخل اللبناني، وسقوط نظام بشار الأسد في سوريا، وانكفاء المحور الإيراني في المنطقة.
جنبلاط والعسكر
وقلب جنبلاط الموازين السياسية كعادته دائماً، محدثاً مفاجأة أربكت الجميع وخلطت الأوراق الرئاسية حينها. وأثارت خطوته جدلاً واسعاً، لأن تحركه جاء مباشرة بعد عودته من لقاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في باريس، وقبل أيام قليلة من زيارته إلى دمشق للقاء قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع، ومن ثم سفره إلى تركيا. التوقيت الذي اختاره جنبلاط لإعلان دعمه الرئيس عون طرح تساؤلات عديدة، حول رسائل جنبلاط عبر هذه الخطوة؟ وهل جاءت عبر التنسيق مع “صديقه اللدود” (لقب رئيس مجلس النواب اللبناني) نبيه بري؟
لجنبلاط خبرة طويلة في محطات انتخاب رئيس الجمهورية، إذ لعب أدواراً بارزة في هذا الملف عبر تاريخ رحلته المديدة في عالم السياسة اللبناني والإقليمي، وكانت المفارقة أنه رشح قائد الجيش، وهو كثيراً ما عد أنه ضد أو لا يحبذ وصول العسكر إلى كرسي الرئاسة، ومع هذا كان داعماً لترشيح العماد ميشال عون عام 2016، لكنه اتخذ موقفاً متشدداً ومعارضاً لترشيح العماد إميل لحود عام 1998، حتى أن كتلته قاطعت جلسة الانتخاب آنذاك. وذهب أبعد من ذلك لاحقاً، عندما هاجم خطاب القسم للرئيس لحود خلال جلسة مناقشة البيان الوزاري لحكومة الرئيس السابق رفيق الحريري عام 2000، واصفاً إياه بـ”خطاب العرش”. ولهذا تعددت التفسيرات لموقفه من الرئيس جوزاف عون، وعد البعض أن ذلك أثار حفيظة بعض القيادات المسيحية، في حين ذهب البعض الآخر للقول، إن “أنتينات” جنبلاط عكست قراراً دولياً، لكن الواقع يقول إن مواقف جنبلاط من انتخاب قادة الجيش لرئاسة الجمهورية تتغير وفقاً للظروف السياسية المحيطة بكل استحقاق.
استقالته من رئاسة الحزب الاشتراكي
في يونيو (حزيران) 2023 أعلن جنبلاط استقالته من رئاسة الحزب التقدمي الاشتراكي، بعد 46 عاماً تولى فيها القيادة خلفاً لوالده الزعيم الراحل “المعلم” كمال جنبلاط الذي اغتيل عام 1977. استقالة جنبلاط حينها لم تعلم بها حتى الحلقة الضيقة القريبة جداً منه، ولم تكن على علم بتوقيت تنحيه عن رئاسة الحزب، وكان انسحب في إطلالة إعلامية له مع قناة “أل بي سي آي” اللبنانية، بهدوء وبواقعيته المعهودة.
وعد حينها أنه لا يريد بعد الآن أن يكون “وسيطاً” كي لا يتهم بأنه “وصي”، مسلماً الدفة، ولا “مشكلة لديه”، أن يأخذ جبران باسيل (رئيس التيار الوطني الحر) مكانه، “لكن المهم أن يتم الاتفاق على رئيس”. هو حاول، ولم تنجح المحاولة، ولمح إلى أن تسوية إقليمية – دولية يجري العمل عليها. ومعلوم أن أكثر ما يقلق جنبلاط هي التسويات التي لا يكون شريكاً بها أو في الأقل مطلعاً عليها.
“ادفنوا أمواتكم وانهضوا”
في ذلك الوقت قال مقربون منه إلى “اندبندنت عربية”، إن استقالته كانت قيد التحضير منذ عام 2017 عندما ألبس الكوفية لـ”وريثه” تيمور، وتلا ذلك تنحيه عن خوض الانتخابات النيابية 2022، وأضاف هؤلاء أن المؤتمر العام للحزب الذي عقد في 25 يونيو 2023، كان يحضر له منذ 2020، ولكن بسبب انتشار وباء “كوفيد-19” تأجل، ومن ثم أرجئ، مرة جديدة، بسبب التحضير للانتخابات النيابية 2022، وأتت استقالة جنبلاط خطوة إضافية وفي سياقها الطبيعي، لتسلم تيمور مقاليد الزعامة الجنبلاطية. وكان جنبلاط، خلال إحياء ذكرى اغتيال والده كمال جنبلاط، في 16 مارس (آذار) 2017، مرتدياً كوفية فلسطين، توجه إلى نجله تيمور قائلاً “يا تيمور سر رافع الرأس، واحمل تراث جدك الكبير كمال جنبلاط، وأشهر عالياً كوفية فلسطين العربية المحتلة، كوفية لبنان التقدمية، كوفية الأحرار والثوار، كوفية المقاومين لإسرائيل أياً كانوا، كوفية المصالحة والحوار، كوفية التواضع والكرم، كوفية دار المختارة”، ناصحاً نجله تيمور “عند قدوم الساعة، ادفنوا أمواتكم وانهضوا، وسيروا قدماً، فالحياة انتصار للأقوياء في نفوسهم، لا للضعفاء”.
التقلبات والبراغماتية منذ “اتفاق الطائف” 1989 حتى “ثورة الأرز” 2005
ويعد الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط، أحد أبرز الشخصيات السياسية اللبنانية التي اتسمت مواقفها بالتقلب “الحاد” والبراغماتية الشديدة. وعلى مر العقود كانت تحركاته السياسية مثار جدل واسع، وقد أثرت بصورة مباشرة على التوازنات السياسية، بل كانت أحياناً سبباً في توتر العلاقات بين الأطراف اللبنانية، وصولاً إلى مواجهات داخلية. لكن جنبلاط ليس مجرد زعيم سياسي عادي في لبنان، بل هو مدرسة قائمة بذاتها في العمل السياسي وقراءة التحولات الإقليمية والدولية، كما يقول المقربون، ويمثل ظاهرة استثنائية في الحياة السياسية مستنداً إلى إرث والده كمال جنبلاط، ومطوراً رؤية خاصة تجمع بين الواقعية السياسية والمرونة التكتيكية.
السياسي الذي يتقن فن المناورة، ويجيد التكيف مع المتغيرات السياسية الكبرى، جمع بين الحزم في الدفاع عن قناعاته والقدرة على تقديم التنازلات عندما يتطلب الأمر. استطاع عبر مسيرته أن يلعب أدواراً محورية في محطات مفصلية من تاريخ لبنان الحديث، بدءاً من الحرب الأهلية اللبنانية، مروراً بالمصالحة الوطنية في الجبل (بعد انتهاء الحرب الأهلية)، وصولاً إلى “ثورة الأرز” (جاءت رداً على اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري) وما بعدها. فهمه العميق لموازين القوى الإقليمية والدولية، مكنه من الحفاظ على موقعه وسط توازنات سياسية معقدة في لبنان، ومواقفه التي تتسم أحياناً بالجرأة، وأحياناً أخرى بالغموض، ساعدته على البقاء في مركز اللعبة السياسية اللبنانية المعقدة، حتى بات يحمل لقب بـ”بيضة القبّان”.
كثيراً ما اتسمت مواقف الزعيم الدرزي بالإثارة والمفاجآت الدراماتيكية، وهي صادمة للحلفاء والخصوم على حد سواء، يصل في إطلاق تلك المواقف إلى حدود اللارجعة، لكنه يمتلك الجرأة الأدبية ليعترف بأخطائه وليبررها. هذا الأسلوب يراه البعض مرونة وحنكة سياسية، بينما يصفه آخرون بالتقلب وافتقاد الثبات. ووصف بـ”الزئبقي”، ويتحول بتغريدة واحدة من زعيم درزي إلى زعيم وطني إلى قائد ثورة، ومن ثم بتغريدة أخرى يعود زعيماً لقصر المختارة ومحيطه الدرزي، متقوقعاً من جديد “همي هو الجبل، الوحدة، التعايش، منع التوتر، واستقرار لبنان”.
“اتفاق الطائف” 1989
شارك جنبلاط في “مؤتمر الطائف” في السعودية الذي أنهى حرباً لبنانية داخلية استمرت نحو 15 عاماً. وانضم إلى الحكومة اللبنانية وشغل مناصب وزارية متعددة، منها وزير الأشغال العامة والنقل ووزير السياحة. ورغم اتهامه الاستخبارات السورية باغتيال والده، تحالف جنبلاط مع النظام السوري خلال فترة الوصاية السورية على لبنان. إلا أنه بدأ يبتعد تدريجاً عن دمشق بعد وفاة الرئيس حافظ الأسد عام 2000، منتقداً التدخل السوري في الشؤون اللبنانية. وفي عام 2001 لعب دوراً محورياً في تحقيق المصالحة الوطنية في الجبل، مستضيفاً البطريرك الماروني الراحل بطرس صفير في خطوة عدت تاريخية لتعزيز العيش المشترك بين الدروز والمسيحيين.
اغتيال رفيق الحريري و”ثورة الأرز”
كان جنبلاط، بعد اغتيال رفيق الحريري، والانتفاضة التي لفت البلاد وطالبت بانسحاب القوات السورية من لبنان، من أبرز قادة تلك الانتفاضة التي عرفت بـ”ثورة الأرز”، وأسهم في تشكيل تحالف “14 آذار” المناهض للوجود السوري، الذي دعا إلى تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1559، مما اضطر سوريا إلى إعلان انسحابها الكامل من لبنان في 30 أبريل (نيسان) 2005.
وفي ذكرى اغتيال رفيق الحريري، في 15 فبراير (شباط) 2006، وقف وليد جنبلاط في وسط بيروت أو ما كان يعرف حينها (وبعد انتفاضة 14 آذار) بـ”ساحة الحرية”، وتوجه إلى رئيس النظام السوري قائلاً، “جئنا لنقول لك يا حاكم دمشق، يا طاغية الشام ولرفاقك وحلفائك، نحن لسنا قلة عابرة، نحن لسنا أكثرية وهمية، أنت قلة عابرة مجرمة، حاقدة، وهم قداسة وهمية، ولا قداسة ولا قدسية إلا الوطن، الوطن لبنان…”، وتابع “وجئنا لنقول إنه إذا كان النسيان مستحيلاً فإن التسامح مستحيل، ومستحيل ومستحيل…”، مضيفاً “يا بيروت بدنا الثار… من لحود (في إشارة إلى إميل رئيس جمهورية لبنان آنذاك) ومن بشار…”، وأحدث خطابه يومها زلزالاً حقيقياً على الصعيدين الإعلامي والسياسي والمواقف الدولية.
الانسحاب التكتيكي من “14 آذار” و”علاقة مميزة مع سوريا”
جنبلاط نفسه انسحب من تحالف “14 آذار” عام 2009، متجهاً نحو موقع وسطي، ساعياً للحفاظ على التوازن في الساحة السياسية اللبنانية. وذلك بعد الانتخابات النيابية من ذلك العام، وفي الثامن من أغسطس (آب) تحديداً، فجر “الزعيم الدرزي” قنبلة أعادت خلط أوراق التحالفات السياسية، بإعلانه أن تحالف “الحزب التقدمي الاشتراكي” مع فريق “14 آذار”، “كان بحكم الضرورة الموضوعية التي حكمت البلاد آنذاك، وهذا لا يمكن أن يستمر”، وبالكلمة نفسها شدد على ضرورة إقامة “علاقات مميزة مع سوريا ومن خلالها مع العالم العربي”، معتبراً أن “عهد الوصاية السورية ولى والجيش السوري انسحب، فكفانا بكاء على الأطلال”.
وتابع حينها “ذهبنا إلى اللامعقول عندما التقينا المحافظين الجدد موضوعياً في واشنطن من أجل حماية ما يسمى ثورة السيادة والحرية والاستقلال”. ورأى أن هذا الالتقاء “جاء في غير طبيعته وفي غير سياقه التاريخي، وفي غير التموضع التاريخي للحزب التقدمي الاشتراكي أن نلتقي مع الذين عمموا الفوضى في منطقة الشرق، والذين دمروا العراق وفلسطين”، مضيفاً “لست هنا لأبرر، كان همنا الأساس هو موضوع المحكمة”. وعد لاحقاً أن قادة “14 آذار” لم يتمكنوا من وضع برنامج سياسي، وأن المجتمع الدولي عبارة عن مصالح كبرى.
“غزوة بيروت” و”حماسة جنبلاط”
قيل حينها إن جنبلاط استشعر بأن هناك ما يحاك من خلف ظهره، وإن اتفاقاً يجري بين سعد الحريري (رئيس الحكومة السابق) والأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله، وذهب آخرون للقول إن انعطافة جنبلاط أتت بعد الأحداث المذهبية التي ضربت بيروت والجبل (أي مكان إقامة ومسقط رأس جنبلاط)، التي عرفت بأحداث السابع من مايو (أيار) عام 2008، حيث اجتاح حينها “حزب الله” العاصمة بيروت وبعض مناطق الجبل عسكرياً، وحسم الوضع ميدانياً بالسيطرة على أحياء في العاصمة، وحاصر السراي الحكومية واحتل مقار “تيار المستقبل” (التابعة للحريري)، كما حرق أحد مباني تلفزيون “المستقبل”. وعلى وقع الرصاص ومحاصرة منزل سعد الحريري، سافر المسؤولون اللبنانيون إلى قطر، ليوقعوا “اتفاق الدوحة”، الذي عد هزيمة لفريق “14 آذار” و”تيار المستقبل”.
وتعد تلك الأحداث الأكثر خطورة وعنفاً منذ انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية عام 1990، لكن جنبلاط عاد واعترف أنه هو من افتعل تلك الأحداث في أكتوبر (تشرين الأول) 2020. وقال “أنا أخطأت كثيراً والسابع من مايو أحد أخطائي، أنا افتعلت السابع من مايو، أخطأت بالحسابات وهناك من حمسني على ذلك، وحينها توجه لي حسن نصرالله بكلام قاس وتم إنقاذنا باتفاق الدوحة، وحزب الله لا يزال قوياً”، جاء ذلك بعد تفجير مرفأ بيروت، الرابع من أغسطس من العام نفسه، وبعد أن تعرقلت مساعي رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري بتكليف حكومة، وأوضح حينها أنه لن يسمي الحريري لرئاسة الحكومة المقبلة لأن اسمه “قد يثير الشارع”. ورأى أن من الممكن أن يكون الحريري “نظم صفقة لتقاسم الجبن مع النائب جبران باسيل والثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل)”.
يذكر أن جنبلاط دعم ترشيح نجيب ميقاتي لرئاسة الحكومة، عام 2011 مما أثار جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية.
جنبلاط و”لحظة التخلي”
وبالعودة إلى مارس 2010، وفي ما يشبه الاعتذار من رئيس النظام السوري السابق بشار الأسد قال جنبلاط، “لقد صدر مني في لحظة غضب كلام غير لائق وغير منطقي في حق الرئيس بشار الأسد في لحظة من التوتر الداخلي الهائل في لبنان والانقسام الهائل”، مضيفاً “كانت لحظة تخل، خرجت منها من العام إلى الخاص، لكن من أجل عودة تحصين العلاقة اللبنانية – السورية بين الشعبين وبين الدولتين وبين الدروز العرب في لبنان وسوريا، هل يمكن له تجاوز تلك اللحظة وفتح صفحة جديدة؟ لست أدري”، قيل حينها إن جنبلاط المسكون بهواجس القلق على “طائفته” ووحدة الجبل، قد يكون مدفوعاً بتلك المواقف. وتوج جنبلاط انقلابه على كل حقبة 2005 وما نتج منها من انتفاضة “14 مارس” أو “ثورة الأرز”، بزيارة إلى دمشق، في مارس 2010، والتقى حينها رئيس النظام السوري، ومن ثم بعد أقل من شهر عاد إلى دمشق في زيارة ثانية، مكرراً الزيارة للمرة الثالثة، في أكتوبر من العام نفسه.
شاهد من على ضفته سقوط النظام السوري
جنبلاط نفسه عاد وعد في يونيو عام 2015، وعبر تغريدات نشرها على حسابه الرسمي بموقع “إكس”، أن النظام السوري قد “انتهى” بعد سيطرة المعارضة حينها على مقر “اللواء 52” في درعا (جنوب البلاد). وطالب الطائفة الدرزية في جنوب سوريا بالمصالحة مع المعارضة التي يزداد تقدمها في المنطقة، وغرد أن “النظام انتهى بعد سقوط اللواء 52 وسقوط مناطق شاسعة أخرى في شمال سوريا وغيرها من المناطق”. وأضاف أن “الشعب السوري ينتصر اليوم ويسقط النظام”، مذكراً بمواقفه في دعم “الثورة السورية” منذ انطلاقتها عام 2011 حين “كانت أولى رسائل التضامن مع الشعب السوري أثناء تصديه السلمي لطغيان النظام”. وبالفعل كان جنبلاط، أوائل اشتعال “الثورة السورية” أعرب عن دعمه لها، ضد نظام بشار الأسد، واصفاً النظام بـ”الوحشي”، ومنتقداً التدخل العسكري لـ”حزب الله” في الحرب السورية إلى جانب النظام. وفي مارس 2023، أعلن أنه باق على الضفة إلى أن يتحقق طموح الشعب السوري في الحرية والكرامة والعيش الكريم، معلناً حينها أن العلاقة بين المختارة والشام، لن تعود كما كانت في السابق. وبعد استعادة النظام السوري مقعد سوريا في الجامعة العربية، السابع من مايو 2023، الذي كان شاغراً منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2011، علق جنبلاط قائلاً، “الإنشاء العربي جميل، عاد النظام السوري، لكن أريد أن أعرف أين هو هذا الحضن العربي”. وعد أن “الخطأ الكبير هو في عودة سوريا إلى الجامعة العربية من دون تنفيذ الإصلاحات والضمانات الأساسية للشعب السوري”، واصفاً الاتفاق السعودي – الإيراني بـ”الحدث الكبير”. وكان قد أشار في ذكرى “14 آذار” 2023، إلى أن النظام السوري دخل على دم كمال جنبلاط وخرج على دم رفيق الحريري وشهداء “14 آذار”، “وهذا ما قصدت به في العدالة الإلهية”.
عود على بدء ودمشق مجدداً
جنبلاط نفسه، رافض الأسد في حين ومؤيده في حين أخر، حط في دمشق ودخل إلى “قصر الشعب” السوري، معقل الرئيس السوري السابق حافظ الأسد، الذي كان متهماً باغتيال والده الزعيم كمال جنبلاط، وذلك بعد أسبوعين فقط من فرار بشار إلى موسكو، وبعد 14 عاماً على آخر زيارة له لسوريا، في سياق تهنئة القيادة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع، على “انتصارهم في مسيرة الحرية”. ومرة جديدة عاد جنبلاط وأطلق موقفاً مثيراً للجدل، ومن “قصر الشعب” حيث عد أن “مزارع شبعا تتبع للقرار 242 وإذا حصل ترسيم بين الدولتين اللبنانية والسورية على أساس أن شبعا لبنانية نقبل بذلك، لكن مزارع شبعا سورية”، ما عده كثيرون “قنبلة” جديدة ألقاها زعيم المختارة.
وليس بعيداً بالزمن، وفيما كان “الثنائي الشيعي” قبل نحو 10 أيام متيقناً من أن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي سيعود إلى السراي الحكومي مكلفاً تشكيل الحكومة الجديدة، بأصوات نواب “حزب الله” وحركة “أمل” ومعهما حلفاء ونواب الحزب “التقدمي الاشتراكي”، ألقيت أخر قنابل جنبلاط، الذي قرر وبعد غموض دام ساعات طويلة، أن يسير بنواف سلام لتشكيل الحكومة الجديدة. خيار شكل مفاجأة للجميع، من سياسيين ومواطنين، لكن لسان حال جزء من الشعب كان “إنه وليد جنبلاط”.