حلف المتطرّفين لا يصنع دولة فلسطينيّة
بقلم: خيرالله خيرالله
النشرة الدولية –
هناك حاجة إلى تغيير كبير في المنطقة الممتدة من الخليج العربي إلى المحيط الأطلسي إذا كان مطلوباً بلوغ استقرار نسبي في طولها وعرضها. في غياب هذا التغيير الذي يبدأ بحكومة إسرائيلية جديدة كلّياً، يبقى الشرق الأوسط والخليج وحتّى شمال أفريقيا في أسر حلف المتطرفين من كلّ حدب وصوب.
يصعب حدوث مثل هذا التغيير الكبير الذي تبحث عنه المنطقة منذ زمن طويل، في ظلّ وجود حكومة على رأسها بنيامين نتنياهو الذي قال له الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك في أحد الأيام من عام 1998: “أنا لا أصدّق أي كلمة تقولها. كل ما تفعله يستهدف استفزاز الفلسطينيين”. أكّد ذلك آفي بازنر الذي كان سفيراً لإسرائيل في باريس. أكّده بازنر الذي كان حاضراً في الاجتماع بين شيراك و”بيبي” بالصوت والصورة في لقاء تلفزيوني كشف فيه أن “بيبي” الذي احمرّ وجهه حنقاً، لم يعد يعرف ما يقوله عندما وجّه له جاك شيراك هذا الكلام.
ما دام الحلف بين المتطرفين قائماً، لا يصلح الكلام عن قيام دولة فلسطينيّة يتحدّث عنها الرئيس جو بايدن في سياق البحث عن حلول دائمة في مرحلة ما بعد حرب غزّة التي تشهد وحشية ليس بعدها وحشية تمارسها إسرائيل. يؤكد ذلك وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان الذي صرح قبل أسابيع قليلة بأن الأمر الوحيد الذي يجمع بين إيران وإسرائيل يتمثّل في “رفض خيار الدولتين”.
ليست حرب غزّة وما يرافقها من حروب، بلغت البحر الأحمر، سوى تعبير عن النشاط الذي يبذله حلف المتطرفين بغية تكريس حال اللاإستقرار في غياب من يسعى فعلاً إلى كسر حلقة العنف التي ذهب ضحيتها الفلسطينيون قبل غيرهم. ذهب هؤلاء ضحيّة غياب القيادة الواعية في رام الله، من جهة، وأوهام اليمين الإسرائيلي، في مقدّمها وهم تصفية قضية فلسطين، من جهة أخرى.
الأهمّ من ذلك كلّه أنّ كلّ كلام أميركي عن “خيار الدولتين” يبقى من النوع الذي لا قيمة له ما دامت حرب غزّة مستمرّة وما دام نتنياهو على رأس حكومة ترفض أي بحث في قيام دولة فلسطينيّة. هناك عالم يعيش في ظلّ عجز أميركي عن ممارسة أي دور قيادي في الشرق الأوسط والخليج وحتّى في شمال أفريقيا ومنطقة الساحل التي تعتبر من بين أخطر المناطق في العالم.
من يكسر حلقة العنف التي يخشى أن تشعل الشرق الأوسط كلّه، وهو أمر يحذّر منه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش؟ الجواب أن الحاجة أكثر من أي وقت إلى دور قيادي أميركي يضع إسرائيل أمام مسؤوليتها. كذلك ثمّة حاجة أكثر من أي وقت إلى مبادرة عربيّة تضمن قيام دولة فلسطينية مسالمة. ليس معروفاً هل في استطاعة مثل هذه المبادرة رؤية النور يوماً في ظلّ التعقيدات التي تعانيها المنطقة كلّها؟
في الواقع، هناك حاجة إلى مصالحة عربيّة مع الواقع المتمثل في أنّ حرب غزّة أزالت غزة من الوجود. هناك مليون وتسعمئة ألف فلسطيني خارج بيوتهم في غزّة. الكلام عن رفض توطين فلسطينيي غزّة خارج غزّة يظلّ كلاماً جميلاً فقط في غياب مبادرة عربيّة تأخذ في الاعتبار ما شهده القطاع منذ آب – أغسطس 2005 تاريخ الانسحاب الإسرائيلي الكامل من القطاع. لم يكن الانسحاب الإسرائيلي، بالطريقة التي تم بها، عملاً بريئاً. لكنّ المفارقة أنّ السلطة الوطنيّة الفلسطينيّة لم تقدم على أي خطوة في اتجاه وضع يدها على غزّة وتحويلها إلى نواة لدولة فلسطينية قادرة على العيش بسلام مع جيرانها في المنطقة. على العكس من ذلك، تحولت غزّة، خصوصاً بعد سيطرة “حماس” عليها، إلى أرض تطلق منها الصواريخ بهدف واحد وحيد هو تبرير مقولات اليمين الإسرائيلي، وهي مقولات من نوع أنّه “لا شريك فلسطينياً يمكن التفاوض معه”.
كي لا يبقى الكلام عن الدولة الفلسطينية مجرّد كلام جميل لا قيمة له، تبدو الحاجة اليوم، أكثر من أي وقت، إلى موقف عربي لا يكتفي بالبحث عن الجذور التي أدت إلى “طوفان الأقصى” في السابع من تشرين الأوّل الماضي، علماً أنّ البحث عن هذه الجذور ضروري. الحاجة أكثر من أي وقت إلى فهم مدى جدّية الإدارة الأميركيّة في السعي من أجل إقامة دولة فلسطينيّة في ظلّ رفض “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران لمثل هذا الطرح وتحريكها كلّ أدواتها في المنطقة من أجل إفشاله. أكثر من ذلك، هناك أسئلة محرجة لا يمكن الهرب منها. بين هذه الأسئلة: كيف يمكن قيام دولة فلسطينية في ظلّ إدارة أميركيّة حائرة ورفض إسرائيلي لهذا الطرح واستثمار إيراني، لا حدود له في حرب غزّة، وبؤس الفلسطينيين واللبنانيين والعراقيين والسوريين واليمنيين؟ إنّه استثمار في حلف المتطرفين الذي لا يبدأ كسره إلّا يوم يرحل بنيامين نتنياهو عن رئاسة الحكومة الإسرائيلية إلى غير رجعة.