الخلية.. والأمل المفقود
بقلم: أحمد الصراف
النشرة الدولية –
نصحت لهم نصحي بمنعرج المقال تلو المقال
فلم يستبينوا النصح لا بالأمس ولا ضحى الغد
(دريد… الصراف)
* * *
أعلنت «الداخلية» عن إحالة مقيمين ومواطنين إلى جهات التحقيق، بتهمة التخطيط للقيام بأعمال تخريب وإرهاب وقتل.
الموضوع لدى الجهات المعنية، ولا تعنيني كثيراً النتيجة التي سينتهي لها التحقيق، فالأمر لم يكن مفاجئاً لكل من كرر تحذيره للمعنيين، وفي عشرات المناسبات والمقالات، من خطورة انحدار المجتمع، والدولة بالتالي، نحو التشدد الديني، والابتعاد المستمر عن الدولة المدنية، التي عرفناها منذ وعينا على الحياة!
إن الفكر التفكيري والطائفي، السلفي والإخواني، وبالتبعية الشيعي، يتجذر كل يوم، ويكسب مساحة أكبر من عقول الشبيبة، وينفث سمومه الإرهابية والطائفية والعنصرية في مختلف التجمعات الدينية، دون اكتراث بما يواجهه الوطن من تحديات، داخلية وخارجية، وما يعانيه من مشاكل لا قدرة لأية حكومة عليها، خاصة إن كانت مهوسة بنظرية أن الأمن لا يتحقق إلا في الانغلاق، واستخدام المسدس والرشاش، وليس بالفكر، وبالقضاء على مصادر الإرهاب وإغلاق مدارسه، وتجفيف منابعه، وهذه مهمة أهم وأكثر صعوبة من استخدام البطش والقوة الأمنية.
* * *
منذ سنوات تقارب السبعين وجمعيات خيرية محسوبة على أحزاب دينية لها ولاءات خارجية، تستنزف موارد الدولة وتحولها للخارج، ليستفيد منها من يأتي تالياً لنشر خرابه بيننا، وعلى حسابنا.
ومنذ نصف قرن ووزارة الأوقاف تزداد قوة ونفوذاً، وقدرة على التدخل في ثقافة المجتمع وفي ما يجب أن نقرأ ونسمع، وفي مناهج المدارس، الخاصة قبل العامة، وفي تحديد ما يعنيه الفن وما يجب أن نقرأ من أدب، وفي نوعية مناهج التعليم، وفي منعها تدريس الفلسفة والمنطق والتفكير النقدي، ومع تزايد حجمها، تكبر موازناتها، وتتزايد مشاكلها ومخالفاتها، لكن لا جهة قادرة على لجم تجبرها، فهيئة تابعة لها لم تنجح طوال 13 عاماً في طباعة نسخة قرآن واحدة، ومع هذا تردد أربعة رؤساء وزارء عن الأخذ بتوصية إعادة دمجها بالوزارة.
كما تتنافس مختلف الجهات في عقد مسابقات الحفظ، وليس في ذلك ما يخالف، لكن جهات عدة تستغل هذه المناسبات لتخريب عقول الناشئة، وتجنيد الصغار ليكونوا من أتباعهم مستقبلاً. كما أن هناك ما لا يقل عن عشر جمعيات تأسست لتحفيظ القرآن، تحصل غالبيتها على تبرعات كبيرة، يرتادها آلاف الناشئة، لا يعلم أحد ما يتم تلقين الملتحقين بها من أفكار.
كما ضجت جهات متنفذة عدة بالشكوى عندما حاول وزير أوقاف سابق وقف التسيب في دور تحفيظ القرآن، وعددها يقارب المئتين، وإجبار آلاف العاملين فيها على العمل بدوام كامل، بدلاً من العمل لساعة أو ساعتين، أو حتى عدم الحضور. لكن قرار الوزير بالحزم ارتخى بعد بضع ساعات، وعاد التسيب لسابق وضعه، وهذا دليل آخر على قوة مراكز التشدد، والتخلف.
كما نجد أن كل قرارات الدولة المتعلقة بالعمالة تتضمن استثناءات، لفئة الأئمة والمؤذنين حصة الأسد، وأُضيف لهم مؤخراً محفظو القرآن!!
حاجة الإنسان للدين حاجة مهمة، ولن تتوقف، ولكن إن لم تتم مراقبة هذه الحاجة من سوء الاستغلال فستشكل مع الوقت خطراً على المجتمع.
لقد تخلفنا كثيراً عن محيطنا، الذي تقدم بعد نبذ التطرف والتشدد، وترحيبه بالانفتاح، ولا سبيل أمامنا للتقدم بغير الليبرالية، في السياسة والدراسة، فأين من يتفهم هذه الأمور، والوزارة الجديدة ملغومة بكل هذا العدد من المستفيدين من كل ما تعرضنا له بالنقد في هذا المقال؟
ملاحظة: تعلم أجهزة الأمن أسماء عشرات المتطرفين، من دعاة و«أساتذة» جامعة، ومدرسي شريعة، ونواب سابقين، ونشطاء سياسيين، وجمع من المنفلتين، وتعلم حقيقة خطورتهم، لكن جهات ما لا تريد منهم الاقتراب منهم. كما عاد صاحب العصا، المعفَى عنه، للمقبرة ليعيث فيها خراباً.