دعم «القوى السياسية» الورقي والصوتي
بقلم: أحمد الصراف

النشرة الدولية –

صدر بيان من «قوى سياسية» تعلق مضمونه بحثّ السلطات على استمرار منع إقامة الحفلات، وأن طلبهم نابع من «موقف إنساني بحت».

منطقيا، لا يمكن أن نطلب من شخص أو مجموعة أن يحزنوا بقرار، ويفرحوا بقرار، دون عذر رسمي مقبول، ودون تحديد وقت. فمآسي الشعب الفلسطيني مستمرة منذ 75 عاما، ويتعرضون للإبادة الجماعية منذ يومها، وبالتالي فإن مطالبة موقعي البيان، باستمرار التضامن معهم، ورقيا، إلى حين انتهاء المجازر، أمر غير منطقي. فالتضامن الحقيقي هو في الأفعال.

معاناة الفلسطينيين، والعرب تاليا، مستمرة منذ عقود طويلة، وتوقيع بيان، يحمل أسماء مثل «الثقافية النسائية» و«المنبر الديموقراطي»، مع جمعيات الإخوان المسلمين، لن يخفف من معاناة وحجم مأساة وآلام المعذبين الغزاويين، المحرومين من الأمان والدواء والغذاء، ولا تفيدهم بيانات تضامنية لا تساوي قيمة الورق الذي كتبت عليه!

لقد قمت شخصيا، أنا المعارض لوقف الحفلات، بأفعال ومبادرات حقيقية مساندة لأهالي غزة، فما الذي قام به مؤيدو استمرار وقف الحفلات؟ وما الذي استفاده ضحايا العدوان الصهيوني من بيانهم؟

لقد طالبوا، من منطلق إنساني، الوقوف مع محنة الشعب في غزة، بوقف الحفلات، لكنهم تناسوا أن هذه المحنة أو الكارثة التي يتعرض لها شعب غزة ليست الكارثة الأكبر ولا الأكثر بطشا وقسوة في تاريخ الأمة، بل سبقتها، وستأتي بعدها، كوارث ومآس ومصائب كبيرة، فهذا كما يبدو قدرنا، فقد عانت الدول العربية طويلا من بطش الأتراك وخبث البريطانيين ودهاء الفرنسيين، وسفالة الصهاينة، هذا غير سلسلة الانقلابات العسكرية الدموية التي زاد عدد ضحاياها وخسائرها المادية والاجتماعية، كل ما نال الأمة من جميع أعدائها على مدى ألف عام، فهل مطلوب منا أن نستمر في اللطم والحزن والبكاء.. إلى الأبد؟

إذا كان هذا مطلب الجماعة، ولا أعتقد أن غالبيتهم مقتنعون به، فستكون ليالينا طويلة وتعيسة، وسنعيش في كمد وهمّ مستمرين، وبحكم المنطق، فإن النفس البشرية لا تتحمل طويلا مثل هذه الضغوط، واستمرار فرضها بالقوة سينتج عنه خلق أمة منافقة، وكاذبة، تفعل بالسر ما لا تستطيع القيام به بالعلن، وسينقلب الهدف من التضامن مع المصاب، إلى ضده!

إن المحنة التي يمر بها الشعب الفلسطيني سبق أن مررنا بها، وكنا لاجئين لسبعة أشهر طوال، استباح فيها «الشقيق وابن العم» كل عزيز لدينا، وكنا بالفعل في مأساة حقيقية، ومع هذا لا أتذكر يوما، وهذا ما حدث غالبا مع غيري، أن تساءلت عن سبب عدم قيام «قوى سياسية» بإصدار بيانات مؤيدة لحقنا، بل كان كل همي أن يتحرر وطني، باحثا عمن يقلل من معاناتي، أما طريقة معيشته واحتفالاته فلم تكن تعنيني. وبالتالي لا أعتقد أن هناك «فلسطينيا عاقلا» يريد منا أن نوقف احتفالاتنا، وأن نعيش في حزن، ونصدر البيانات، بل هو يريد وقوفنا الفعال والإيجابي معه، وليس الورقي، ولا الصوتي.

زر الذهاب إلى الأعلى