مجلس خبراء قيادة أكثر إطاعة
بقلم: حسن فحص
في تراث الحوزة الدينية هناك آليات متعارف عليها
النشرة الدولية –
أثار عزوف إبراهيم رئيسي عن الترشح لانتخابات مجلس خبراء القيادة عن العاصمة طهران واختيار محافظة خراسان الجنوبية كدائرة انتخابية، كثيراً من ردود الفعل، بخاصة أن هذا الترشح جاء في المرحلة الأولى وقبل أن يتدخل مجلس صيانة الدستور في دراسة أهلية المرشحين التي تسمح له بإبقاء بعضهم واستبعاد البعض الآخر.
واختيار رئيسي لدائرته التاريخية والابتعاد من رمزية العاصمة في قياس شعبيته، من المحتمل أن يكون السبب فيه الابتعاد من دخول منافسة مع سلفه في الرئاسة حسن روحاني الذي اختار طهران كما جرت العادة لتكون ساحته في السباق الانتخابي. وعلى رغم استبعاد روحاني من السباق، فإن خيار رئيسي أثار كثيراً من التساؤلات وعلامات الاستفهام، بخاصة بعد قرار صيانة الدستور استبعاد جميع المرشحين المنافسين لرئيسي في دائرته، بحيث بات بحكم “مرشح التزكية” باعتباره المرشح الوحيد الذي حصل على تأييد صيانة الدستور.
ولكن من مفارقات قانون الانتخاب الخاص بمجلس خبراء القيادة أن مجلس الصيانة باستطاعته تغيير دائرة أي مرشح ونقله إلى دائرة أخرى، وهذا القانون يلغي أي انتخابات في أي دائرة تخرج عن مبدأ المنافسة، أي لا يكون فيها عدد المرشحين ضعف عدد المقاعد المخصصة لها.
إذا ما كان من المستبعد أن يقوم مجلس صيانة الدستور بإلغاء الانتخابات في دائرة خراسان الجنوبية التي ترشّح عنها رئيسي، فإن المتوقع أن يعمد هذا المجلس إلى نقل أحد المرشحين ليكون مرشحاً ثانياً عن هذه الدائرة، على ألا يكون مصدر خطر على وصول رئيسي وفوزه في هذه المنافسة.
ومن المحتمل أن يكون خيار مجلس الصيانة نقل دائرة ترشح رئيسي من خراسان الجنوبية إلى العاصمة طهران، خصوصاً أنه عمل على اتخاذ كل التدابير والقرارات التي تمنع تكرار ما حصل قبل ثمانية أعوام، عندما استطاعت لائحة روحاني – رفنسجاني المشتركة تحقيق نتيجة حاسمة أحرجت وأربكت كثيراً النظام وقيادته، لا سيما أن النتائج أطاحت أسماء أساسية ورئيسة من رجالات النظام في المؤسسة الدينية.
إلا أن ما يمكن التوقف عنده والذي يشكل تحولاً في أعراف المؤسسة والحوزة الدينية أن الأسس التي اعتمدها مجلس صيانة الدستور في قبول أو رفض مشاركة رجال الدين، يمكن اعتبارها مصادرة لدور الحوزة الدينية وآلياتها المعتمدة أو المتعارف عليها في تحديد الدرجة العلمية والفقهية لطلبة العلوم الدينية.
ففي تراث الحوزة الدينية، هناك آليات متعارف عليها، يمكن القول إنها باتت قوانين تضبط عملية تحديد الدرجة العلمية لأي من طلبتها، كأن يقوم أستاذ “درس الخارج” الذي يكون على الأرجح من المراجع المعترف بهم وبعلميتهم، أو من هو مؤهل للمرجعية، بالإفصاح أو التلميح إلى أن فلاناً من الطلبة وصل إلى درجة الاجتهاد العلمي من بين أقرانه، وذلك بناء على اعتبارات عدة منها قدرته على توظيف المدارك العلمية في عملية استنباط الأحكام، أو بناء على “تقريراته” وتعليقاته وشروحاته على دروس أستاذه في بحث الخارج، إضافة إلى شياع قدرته العلمية بين أقرانه وأساتذته.
إعلان مجلس صيانة الدستور بوضوح على لسان المتحدث باسمه هادي طحان نظيف أن المباني التي يعتمدها أعضاء هذا المجلس في تحديد أهلية أي مرشح، هي المباني والمحددات نفسها التي تعتمد لمرشحي رئاسة الجمهورية والبرلمان، ويضاف إليها محدد ومبنى أساسي يعتبر من صلب مهمة أعضاء مجلس خبراء القيادة، هو أهليته العملية أو تحليه بدرجة “الاجتهاد” في العلوم الفقهية والدينية، على اعتبار أن هذه الدرجة تُعدّ مؤهلاً للمرجعية، لذا قد تضعه احتمالاً ممكناً أمام الأعضاء لاختياره خليفة للمرشد الذي يشترط عليه أن يكون مجتهداً معترفاً له، بعد أن أسقط شرط المرجعية بعد وفاة المؤسس واختيار المرشد الحالي.
صلاحية تحديد امتلاك درجة “الاجتهاد” تعني أن هذا المجلس “صيانة الدستور” الذي يتألف من ستة رجال دين مجتهدين يختارهم المرشد مباشرة، إلى جانب ستة من القضاة يختارهم البرلمان بناء على ترشيح رئيس السلطة القضائية الذي يختاره المرشد بدوره، هذه الصلاحية تعني أنه لا يعترف بما هو متعارف عليه في الحوزة الدينية في شروط الاجتهاد وامتلاكها، وبذلك سلب المؤسسة الأم “الحوزة” إحدى أهم ركائزها أو خصائصها العملية، ويصبح الملاك العلمي الذي يعتمد عليه هذا المجلس يمر عبر الامتحان الكتابي والشفاهي الذي يجريه أعضاء هذا المجلس لكل مرشح لعضوية مجلس خبراء القيادة.
ربما تكون هذه الآلية المتبعة، واتبعت في السابق، في هذه المرحلة، تحمل كثيراً من الدلالات والمؤشرات لم تكن مطروحة في المرات السابقة، بخاصة أنها تتزامن وتقترن مع إمكان عالٍ لأن يكون مجلس خبراء القيادة أمام استحقاق حقيقي لاختيار المرشد المقبل أو خليفة المرشد الحالي، لذا فإن منظومة السلطة والدولة العميقة ومصالح النظام تقتضي وتفرض على القائمين على القرار أن يمارسوا أعلى درجات الحذر في اختيار الأعضاء ومن يسمح له بالترشح ومن يجب استبعاده، والسعي الجدي إلى المجيء بمجلس أكثر إطاعة، يدين أعضاؤه للنظام في تكريس درجتهم العلمية واجتهادهم ولا يعترضون على أي خيار يهبط عليهم من خارج قناعاتهم ويقبلون به.
وإذا ما كانت مشاركة رئيسي ستكون من دون منافس، قد أثارت كثيراً من علامات الاستفهام لجهة أنه سيكون في مواجهة، فإن رئيس الجمهورية الذي يرى نفسه أحد المرشحين الأساسيين لتولي خلافة المرشد، سيعيد تجربة الانتخابات الرئاسية التي أوصلته إلى السلطة التنفيذية بأقل عدد أصوات في تاريخ الانتخابات الرئاسية منذ انتصار الثورة. ونسبة المشاركة لن تكون مقتصرة فقط على أصوات رئيسي، هذه المرة، بل ستتحول إلى ظاهرة عامة في الانتخابات البرلمانية ومجلس صيانة الدستور بعد المجزرة التي ارتكبت بحق مرشحي القوى الإصلاحية والمعتدلة وحتى المنتقدة من داخل التيار المحافظ، وبذلك تعيد طرح شرعية النظام الشعبية ونتائج الانتخابات والعملية الديمقراطية في دائرة التشكيك في ظل توقع حقيقي بعزوف شعبي واسع عن المشاركة، مما يضعف البعد الجمهوري للدولة في ظل إضعاف بعدها الجماهيري لمصلحة تغليب بعد “الإسلامية” التي تشكل الهدف المطلوب لمنظومة السلطة والحكم.