رفح ورفحاء
بقلم: سعد بن طفلة العجمي
النشرة الدولية –
لعل اسم رفح هو الأكثر ترديداً هذه الأيام في وسائل الإعلام بكل اللغات. حصار وتهديد باقتحامها من قبل القوات الإسرائيلية التي دمرت غزة وعاثت فيها قتلاً وفساداً.
تجمع في رفح أكثر من مليون نازح فلسطيني، بعضهم ينزح للمرة الثالثة، كانوا يظنونها بمنأى نسبي من القصف والقتل والدمار، لكن نتنياهو يتوعد باقتحامها غير آبه بالمناشدات الدولية، ولا حتى “بالتنبيهات” الأميركية بتجنب الإضرار بالمدنيين. حجة نتنياهو أن القيادات الفلسطينية تتحصن تحت رفح بأنفاقها.
“من رفح لصفدي، خريطة لبلدي
رسمتها في كبدي، تركتها لولدي
فهللت أمجادنا، بلادنا بلادنا”.
كانت هذه القصيدة للشاعر الفلسطيني هارون رشيد هي أول معرفتي، أو هي أول مرة أسمع بمدينة رفح، كنت أردد النشيدة صغيراً مع زملائي الفلسطينيين بالمرحلة الابتدائية. لم أكن أعرف شاعرها ولا موقع رفح. نظرت إلى الخريطة. تقع في أقصى الجنوب الغربي لفلسطين، بينما تقع صفد في أقصى شمالها الشرقي.
اختلف اللغويون والمؤرخون حول أصل تسمية مدينة رفح. ولعل الخلاف سببه قدم المدينة، فالمؤرخون يعودون بتاريخها إلى أكثر من 5 آلاف سنة، قيل بأن اسمها من الفرعونية “رفيهو” وتعني الرفاه، وقيل بأنه من الآشورية “رفاءو”، وقيل بأن العرب قلبوا الهمزة حاءً، وهو قلب صوتي غريب، فالهمزة تقلب عيناً بما يسمى العنعنة باللغة، مثل كلمة “سعال” بدلاً من “سؤال” ومعتمر بدلاً من مؤتمر وهكذا، لكن قلب الهمزة حاءً غير شائع في علم الأصوات. ولا أجد سبباً لقبول أن تسميتها جاءت من الرفأ الترفيح – أي تمني الرفاه والسعادة والبنين لشخص ما!
لم أجد كلغوي ما يقنعني بأصل التسمية ومعناها من القواميس والمصادر التي راجعتها، ولعل البحث باليونانية القديمة يقدم بعضاً من سر تسميتها، فقد سموها “رافيا”، وقد تكون رافيا من العربية – أو الساميات القديمة – أو حتى المصرية-الفرعونية بمعنى الرفيعة، وهي الأرض المرتفعة، لكن رفح ليست مرتفعة عن مستوى سطح البحر! وهو ما يزيد البحث غموضاً.
تعاقب على السيطرة عليها المصريون والآشوريون والرومان واليونانيون والصليبيون والعثمانيون، وهي اليوم مقسمة بين مصر وقطاع غزة بعد انسحاب إسرائيل من سيناء عام 1982.
بالبحث عن أصل التسمية، توجهت إلى أصل اسم المدينة الشمالية بالسعودية – رفحاء، وهي مدينة حديثة نسبياً نشأت بخمسينيات القرن الماضي على خط البترول – التابلاين – الذي كان ممتداً من القيصومة – بالجنوب الشرقي لحفر الباطن – وحتى ميناء مدينة صيدا بجنوب لبنان. كانت نقطة تجميع نفطية كبرت بفرص العمل حتى أصبحت اليوم مدينة بمحافظة رفحاء، اشتهرت بمخيم رفحاء الذي آوى آلافاً من الجنود العراقيين ومن المعارضين الهاربين بعد هزيمة صدام حسين وطرده من الكويت عام 1991. يقال إنها سميت رفحاء نسبة إلى تلة سكنتها امرأة اسمها رفحاء!! وهذا تفسير للتسمية لا يقل غموضاً عن أصل تسمية رفح بفلسطين.
المؤكد أن الغموض في شأن ما قد يحدث لمدينة رفح العريقة خلال الساعات المقبلة، لا يقل عن الغموض بأصل تسمية المدينة ومعناها، ولعل هذا الغموض في شأن اسمها انعكاس لغموض الموقف الدولي تجاه مصيرها. مليون إنسان يلتحفون العراء على أرضها في أجواء باردة وطقس مطير. مئات الآلاف من الأطفال والمشردين والأرامل والثكالى تلوذ بهذه المدينة. العالم كله يرفض تهجير سكان القطاع عبر رفح، إلا نتنياهو وحكومة حربه، فهم يتوعدون ويهددون باجتياح المدينة وتهجير سكانها “لمناطق آمنة”.