الجولة الأميرية في الدول الخليجية: الأبعاد والدلالات والرمزية والمؤشرات
بقلم: سعد بن طفلة العجمي
تعد رسالة تذكير وعرفان واستذكار للقادة الكبار ووفاء للتضحيات التي قدمتها دول المنطقة للكويت
النشرة الدولية –
أنهى أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح اليوم الثلاثاء جولة خليجية هي الأولى له خارج الكويت منذ تسلمه مقاليد الحكم في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وكانت خاتمة المسك في أبو ظبي اليوم عاصمة الإمارات.
وكان الأمير استهل جولته من السعودية، عمود الخيمة الخليجية، تلتها سلطنة عمان حيث افتتح والسلطان هيثم بن طارق مصفاة الدقم على بحر العرب، ثم زار مملكة البحرين ودولة قطر قبل أن يختتم جولته بالإمارات.
استهل أمير الكويت جولته في فبراير (شباط) الماضي المجيد الذي استقلت فيه الكويت عام 1961 عن الانتداب البريطاني، واتخذ الـ25 من كل عام يوماً للاحتفال بالعيد الوطني الكويتي، ثم تحررت من الاحتلال العراقي البغيض في الـ26 من فبراير عام 1991.
يأتي اتجاه وتوقيت الجولة الأميرية بدلالات رمزية استراتيجية وجيوسياسية للكويت ولدول مجلس التعاون الخليجي، فتوقيت الجولة خلال الاحتفالات الوطنية الكويتية بحد ذاته تعبير عن الشكر والعرفان للدور الخليجي العربي في مساندة الكويت ضد العدوان العراقي قبل أكثر من ثلاثة عقود، وهو تأكيد للبعد الأمني الاستراتيجي الخليجي للكويت وأمنها، كما أنه مشاركة احتفالية من أمير الكويت بأعياد الكويت عند من كانت لهم اليد الطولى والتضحيات الجسام من أجل حريتها وتحريرها.
يدرك أمير الكويت بتجربته الطويلة في أروقة السياسة أن اتجاه بوصلة الكويت الاستراتيجية الأولى هي صوب الدول الخليجية، حيث يعزز هذا الاتجاه العمق الخليجي- الأمني للكويت ولشقيقاتها في دول المنطقة.
ويدرك في الوقت نفسه أن الدول الخليجية، شعوباً وحكومات، تحتفل مع الكويت بأعيادها كما لو كانت أعيادها الوطنية، فهم كانوا شركاء أساسيين في تحريرها، وغوثاً مُضَرياً أثناء محنة شعبها، عندما احتضنوا الكويت كجزء منهم، ووقفوا معها وقوفاً مع النفس، كما كان وقفة مع الحق الكويتي المنتهك أيام محنتها السوداء. وكانت شوارع الكويت طوال احتفالات فبراير تزدان بلوحات السيارات الخليجية المختلفة، وتتلون أسواقها ومقاهيها ومعالمها وحدائقها بالعمامة العمانية، والكندورة الإماراتية، ودندوشة العقال القطري والزي السعودي المميز والبحريني المقارب للزي الكويتي.
يستشعر أمير الكويت بمتابعته للمشهد الإقليمي المتقلب، أن كل شيء جائز في شرقنا الأوسط العتيد العنيد الذي يصعب على التحليل ويتوه في فهمه الدليل. ويكفي أن نذكر أن الجارة إيران تفتعل المشكلات تلو المشكلات مع جيرانها الخليجيين، وآخرها وليس نهايتها ادعاءاتها ومطالباتها بالمشاركة في حقل الدرة الكويتي- السعودي، وتنصل جهات عراقية برلمانية وقضائية من “اتفاقية خور عبدالله” المنظمة للملاحة بين البلدين.
تسابقت العواصم الخليجية على إظهار أعلى درجات الاحتفاء بالضيف الكويتي الكبير، عروض جوية واستعراضات وعراضات واحتفالات شعبية ورسمية في كل العواصم الخليجية من دون استثناء، وهو سباق حفاوة يشكل صورة الالتفاف الخليجي على رمزية الكويت، وإجماع الخليج على محورية الكويت في التضامن والتكاتف الخليجيين.
كانت الكويت أقوى اختبارات الوحدة الخليجية عام 1990، وكانت أشد المحن التي مرت بها مؤسسة مجلس التعاون الخليجي منذ إنشائه، ولا تزال وجهة للتضامن الخليجي، ومرجعاً لحل الاختلافات، ولا أقول الخلافات إمعاناً في التفاؤل بالمستقبل الخليجي المقبل وغرقاً في حلم تحقيق الوحدة الكونفيدرالية الخليجية.
لا يعتبر أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح وجهاً جديداً على أروقة السياسة الخليجية ولا على صفوفها الأمامية، وكل قادة دول الخليج تعرفه تمام المعرفة، ولم تكُن جولته الخليجية جولة تعارف ومجاملة دبلوماسية، بل جاءت الجولة الأميرية تعزيزاً لما هو معزز، وتأكيداً لما هو مؤكد من أهمية التضامن الخليجي، وتجديد عهد من قبل أمير الكويت لأشقائه في دول الخليج، ورسالة عرفان تتكرر بمناسبة ومن دون مناسبة للدور الخليجي وأهميته بالنسبة إلى الكويت، وأهميته لكل دولة خليجية على حدة.
للجولة الخليجية لأمير الكويت دلالات ورمزية لا تخفى على المتابع، ورسالة تذكير وعرفان واستذكار للقادة الكبار، ووفاء للتضحيات التي قدمتها دول الخليج، شعوباً وحكومات، من أجل الكويت التي ستبقى رمزاً خليجياً للتضامن وأملاً للوحدة الخليجية التي ولدت نواتها بمبادرة كويتية بإنشاء مجلس التعاون الخليجي عام 1981.