إسرائيل ومرض «الالتهام الذاتي »!!
بقلم: رجا طلب

النشرة الدولية –

«الالتهام الذاتي» هو مصطلح يستخدمه اطباء التغذية والمقصود فيه هو التخلص من الخلايا الميتة او المتعبة من اجل اعادة انتاج خلايا جديدة اكثر حيوية وذلك من خلال اسلوب الصيام المتقطع والذي يستمر لمدة 16 ساعة يمكن من خلالها شرب الماء فقط وعند تناول الطعام يشترط ان يكون هذا الطعام بروتين بالدرجة الاولى و بشقيه حيواني او نباتي مع الخضراوات وبعض الفواكه قليلة السكر ومن الضروري استبعاد النشويات.

حسب اطباء التغذية فان مثل هذا البروتوكول يساعد الجسم على التعافي من الكثير من امراض العصر كالضغط والسكر وارتفاع الكوليسترول وغيرها ويجدد الحيوية والشباب للجسم والعقل.

لقد اشرت الى هذه المقدمة ذات الطبيعة الطبية للدخول لموضوع الوضع الصحي لدولة الاحتلال والتي اخذت تظهر عليها اعراض الاعتلال والمرض البنيوي بصورة واضحة بعد 75 سنة من قيامها وهو وقت مبكر جدا في اعمار الدول والامم لكن «اسرائيل» وبحكم عوامل كثيرة ومن اهمها انها دولة مصطنعة كُونت وتكونت بارادة استعمارية بريطانية وعلى عجل، فكانت» اسرائيل » في حالة اشبه ما تكون «بالمسخ» تحمل في ثناياها تناقضات حادة على الصعيد الاستراتيجي وخاصة ما يتعلق بمستقبل هذا الكيان ودوره وطبيعة هويته سواء السياسية او الديمغرافية او الدينية.

حسب ابن خلدون فان الدول كالانسان كما اشار في مقدمته الشهيرة تبدأ كطفل وتنتهي كشيخ كهل تشيخ وتموت وفي حال موتها تكون قد فقدت اهم عنصر في ادامة حيويتها الا وهو «الحكم الرشيد» ونبذ الحكم المطلق ومحاصرته، ودولة الاحتلال ربما لو كان ابن خلدون على قيد الحياة لتوقف كثيرا عند ظروف صناعتها وتحليلها ولكان قد اصدر الاحكام قياسا عليها بشأن الدول التى يصنعها المستعمر وبخاصة التي تقام بفعل القوة البحتة وبدون توفر طبيعي لمكون العنصر البشري اي السكان والارض والتاريخ.

خلال عام تقريبا واقصد منذ بداية العام الماضي عام 2023 وعلى وقع ازمة نتنياهو وقضايا الفساد التي تلاحقه دخل مجتمع الاحتلال في معركة غير مسبوقة تاريخيا الا وهي ما اطلق عليها نتنياهو وبخبث «الاصلاحات القضائية» والمقصود فيها وللتذكير تقليص صلاحيات المحكمة العليا في مسألة النظر بقرارات الحكومة ومدى معقوليتها ومدى انسجامها مع المصلحة العليا لدولة الاحتلال من عدمها وذلك بهدف تحصين نفسه ضد قضايا الفساد التى تطارده، ومن هنا بدأت الازمة البنيوية داخل جسم الكيان وتسببت رغبة نتنياهو هذه بانقسام علنى مجتمعي داخل الكيان لم يسبق له مثيل، ورغم ان شكل هذا الانقسام كان قانونيا الا ان جوهره كان بنيويا اي بين المجتمع العلماني والمجتمع المتدين او «الحريدي»، وتأسست هنا حالة «الالتهام الذاتي» لدولة الاحتلال، فكانت 7 اكتوبر بالنسبة لنتنياهو بمثابة «بركة ونعمة ربانية» سقطت عليه من السماء في ظل عدم استكمال مشروع التعديلات القانونية واستشعار صعوبة انجاز تلك التعديلات التى تحصن رئيس الوزراء سواء اكان مازال بالخدمة او بعد خروجه منها، ووفرت 7 اكتوبر الظرف المثالي لنتنياهو ليبدو «بطلا» امام المجتمع الاسرائيلي وليقوم بالرد على 7 اكتوبر بشعار القضاء التام على حماس رغم انه كان احد اهم المدافعين عن نظرية صناعة «ازدواجية التمثيل الفلسطيني» وصناعة سلطة في الضفة واخرى في غزة، وتسهيل دخول الاموال الى حماس علنا وباشراف من الاجهزة الامنية الاسرائيلية منذ عام 2018 والبالغة 15 مليون دولار شهريا تصل نقدا الى قيادة حماس.

تسبب صمود المقاومة في غزة على مدى نصف عام مزيدا من التشظي السياسي داخل المجتمع الاسرائيلي وتحديدا فيما يخص القضايا الحيوية التالية:

اولا: قضية الاسرى والتى تعد تحديا جوهريا لنتنياهو ولحكومته التى لا تعتبر هذه القضية مهمة بل لا تعيرها اي اهمية و تستخدمها لغايات ادامة الحرب.

ثانيا: استمرار هجرة سكان غلاف غزة وابتعادهم عن سكناهم وكذلك سكان مستوطنات شمالي «اسرائيل» ورفضهم العودة بسبب حالة الحرب في الشمال وفي غزة والبالغ عددهم قرابة ربع مليون نسمة تقريبا وهما مجتمعان منتجان، في الجنوب انتاج زراعي وفي الشمال تجاري وتقني.

ثالثا: وبسبب الحرب وطول وقتها وحاجة جيش الاحتلال لمزيد من الجنود تفجر » لغم » بنيوي اخر هو تجنيد المتدنيين الذين يرفضون ذلك ويهددون بترك »البلاد».

رابعا: بدء التناقض ولاول مرة بين واشنطن وتل ابيب بهذه الحدية بسبب الحرب على غزة ومآلات ذلك وهو مؤشر على تفجر الصراع بين الصهيونية العلمانية التى تدعمها واشنطن وبين » اسرائيل » الحريدية.

اعتقد ان دولة الاحتلال دخلت مرحلة «السرطان» او «الالتهام الذاتي» ولربما سيكون لي مقالات اخرى بهذا الشان لاهمية الموضوع.

 

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى