انطباعات حول نتائج انتخابات الكويت
بقلم: سعد بن طفلة العجمي
الشيعة و"الإخوان" والسلف والمدنيون وحزب المناكفة
النشرة الدولية –
يسجل للحكومة الكويتية حسن التنظيم وشفافية الاقتراع والسرعة النسبية لظهور النتائج وأتمتة معظم النتائج والأرقام على الهواء مباشرة عبر التلفزيون الرسمي ووسائل الإعلام المختلفة. وتصدت الأجهزة الأمنية لمحاولات شراء الأصوات التي كادت تنعدم في هذه الانتخابات، فسقط معظم من اشتهروا بها. كما منعت الانتخابات الفرعية التي تقوم على أسس قبلية أو طائفية أو فئوية
قبل الدخول في قراءة نتائج الانتخابات البرلمانية الكويتية التي جرت، الخميس، لا بد من التوقف أمام السلوك الحضاري للناخب والناخبة الكويتية، فعلى مدى أكثر من 60 عاماً اصطف الناخبون الكويتيون لانتخاب 22 برلماناً مارسوا خلالها الانتخابات بكل مسؤولية وروح وطنية، فعلى رغم الشحن الذي يسبق الانتخابات في كل دول العالم، ومن بينها الكويت، وعلى رغم الحملات الانتخابية التي لا تخلو من الاعتداءات اللفظية والاتهامات السياسية واللغة الخطابية الخشنة، فإن الناخبين الكويتيين يقفون يوم الانتخابات كي يمارسوا حقهم على مدى عقود دون تسجيل حوادث عنف تذكر كما قد يحدث في أعرق الديمقراطيات، وهذا دليل واضح على تأصل روح تقبل الخلاف السياسي بالمجتمع الكويتي.
وعلى رغم أن انتخابات الأمس هي الرابعة خلال أربع سنوات، وعلى رغم أنها جاءت في شهر الصيام، فإن نسبة المشاركة لم تقل عن سابقاتها الثلاث، فقد تجاوزت المشاركة نسبة الـ62 في المئة، وهي نسبة قريبة لنسب الانتخابات التي سبقتها على مدى السنوات الأربع الماضية.
ويسجل للحكومة الكويتية حسن التنظيم وشفافية الاقتراع والسرعة النسبية لظهور النتائج وأتمتة معظم النتائج والأرقام على الهواء مباشرة عبر التلفزيون الرسمي ووسائل الإعلام المختلفة. وتصدت الأجهزة الأمنية لمحاولات شراء الأصوات التي كادت تنعدم في هذه الانتخابات، فسقط معظم من اشتهروا بها. كما منعت الانتخابات الفرعية التي تقوم على أسس قبلية أو طائفية أو فئوية فتعمق الانقسامات والاحتقانات داخل المجتمع الكويتي. وسمحت الحكومة – إمعاناً بثقتها بصحة إجراءاتها وشفافيتها – لمنظمات محلية ودولية بمراقبة الانتخابات ووفرت لها حرية التنقل بين مراكز الاقتراع المختلفة.
تحدثتُ مع “جمعية الشفافية الكويتية” التي عبرت عن رضاها عن سير العملية الانتخابية مع تسجيل بعض الملاحظات التي لا ترقى إلى التشكيك أو شبهة التلاعب بالاقتراع أو بالنتائج. أما عن النتائج نفسها، فلم يحدث تغيير كبير في الوجوه، إذ خرج 14 نائباً من أصل 50 يشكلون ما نسبته 22 في المئة من التشكيلة البرلمانية السابقة، وكان من بين من خرجوا ثلاثة من المنسحبين وواحد مبطل، وعودة نواب مخضرمين، ولم يتغير سوى نائب واحد في كل من الدائرتين الثانية والثالثة، بين الدوائر الانتخابية الخمس.
الدينيون والمدنيون
ولوحظ أن الجفاف البرامجي طاول الأحزاب الدينية بالكويت على مدى سنوات الانتخابات القليلة الماضية، فتلاشت شعارات “الإسلام دستورنا”، وتعديل المادة الثانية من الدستور وشعارات “أسلمة القوانين”، وهو تراجع فرضته الظروف الإقليمية من جهة، وأزالته تجربة استهلاك الشعارات الدينية الموسمية التي تختفي حال وصول المرشحين إلى كراسي البرلمان.
وتراجعت مقاعد “الإخوان المسلمين” الذين يسمون أنفسهم “الحركة الدستورية الإسلامية” (حدس) بالكويت، أربعة مقاعد، ولم يصل منهم سوى نائب واحد معلَن الانتماء. وما زال هناك من هم قريبون منهم، لكنهم يخشون الإعلان عن هذا القرب لأسباب مجتمعية وإقليمية وانتخابية، فكثير منهم أصبح يعتمد على القبيلة والطائفة والفئة الاجتماعية للوصول للبرلمان أكثر مما يعتمد على التنظيم والحزب الذي أصبحت علاقته معه تمويلية في الغالب.
وكان السلفيون هم الأكثر حظاً في هذه الانتخابات بين تيارات الإسلام السياسي بالكويت، فقد تعززت مقاعدهم في كل الدوائر ووصل منهم نحو سبعة نواب.
أما “الشيعة السياسية” فقد كانت أكبر الخاسرين في هذه الانتخابات، فقد وصل منهم ثلاثة فحسب من أصل ثمانية نواب كويتيين ينتمون إلى الطائفة الشيعية، أما الخمسة الباقون فهم إما منتمون إلى التيار المدني الكويتي أو متحررون من وصاية المرجعية الدينية – السياسية. ولعل هذا التطور المدني بين الشيعة الكويتيين في حاجة إلى مقال منفصل.
ويبقى المدنيون الكويتيون كعادتهم هلاميي الشخصية، فلا رابط يمكن أن يجمعهم، ولا هم قادرون على صف صفوفهم بالحد الأدنى من المطالب المدنية المتعلقة بالحريات العامة والتصدي للمطالبات المنافية للدولة الدستورية المدنية، ولو استطاعوا أن يتوافقوا في ما بينهم على هذه الحدود الدنيا من الحريات العامة والتصدي للفساد لتشكل منهم كتلة برلمانية لا تقل عن ثمانية نواب.
أما باقي النواب فهم من نواب الخدمات ونواب القبيلة المنحازون للحكومة حيناً، ولكتلتي المناكفة حيناً آخر.
ويبقى هناك نواب مستقلون يطرحون طرحاً وطنياً هادئاً، لكنه طرح يضيع في لجة حزبي المناكفة والمناكفة المضادة، كما تصنفهم الأوساط المؤيدة للحكومة.
الانتخابات الكويتية التي جرت قبل يومين أعادت بصورة عامة المجلس الذي حلته الحكومة قبل شهرين، وأعادت من كانوا سبباً أولياً لحل البرلمان من النواب بأرقام ومواقع متقدمة.
ويبقى التساؤل الأكثر إشغالاً للشارع الكويتي: هل نتوقع حكومة متعاونة ومتجانسة مع مجلس لم تتوافق معه قبل شهرين؟ المنطق يقول إن الكويتيين عادوا إلى المربع الأول، ومواقع التواصل الاجتماعي تنصح الناخبين بإبقاء شهادات الجنسية في جيوبهم تحسباً لانتخابات جديدة قد تأتي قبل نهاية العام.