أزمة غزة في حسابات إدارة بايدن
بقلم: د. سالم الكتبي
النشرة الدولية –
هل تؤثر الحرب الدائرة في قطاع غزة على فرص الرئيس بايدن في الفوز بولاية رئاسية ثانية؟ هذا هو أحد أهم التساؤلات التي يطرحها المراقبون، ولاسيما انه منذ فترة امتنعت الولايات المتحدة عن التصويت في التصويت داخل مجلس الأمن الدولي على مشروع القرار الأخير بشأن الحرب.
ما يغضب البيت الأبيض في الوقت الراهن، برأيي، ليس تأثير الحرب في نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ولكن تصميم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على فرض رؤيته بشأن اجتياح مدينة رفح دون الاستماع أو حتى مراعاة وجهة نظر الإدارة الأمريكية التي تشاطر إسرائيل هدف القضاء على حركة حماس الإرهابية نهائياً، ولكنها لا تريد لإسرائيل تحمل الأعباء السياسية المحتملة للاجتياح العسكري للمدينة الوحيدة المتبقية من القطاع، وتسعى لإيجاد حلول ومخارج تضمن تحييد أكثر من مليون فلسطيني قبل تنفيذ عملية الاجتياح.
تحولت العلاقات الإسرائيلية الأمريكية في الآونة الأخيرة إلى ورقة انتخابية، وتكرار نتنياهو إصراره على اجتياح رفح ولو من دون موافقة الحليف الأمريكي يعكس إدراكه لتأثير العامل الانتخابي، حيث يلوح بورقة الاجتياح ويمارس بها أقصى ضغط ممكن على جميع الأطراف من دون استثناء.
على سبيل المثال: إدارة بايدن تسعى بقوة للتوصل لهدنة وعقد صفقة لاستعادة الرهائن الإسرائليين الذين اختطفتهم حماس الإرهابية، ومن بينهم أمريكيين، كأولوية قصوى، بينما يريد نتنياهو وحلفائه في حكومة الحرب التفاوض على الرهائن في ظل ممارسة أقصى ضغط عسكري ممكن على حركة حماس الإرهابية، ويرون أن مواصلة الحرب هي أفضل وسيلة لانتزاع تنازلات من حركة حماس الإرهابية.
وبلاشك أن العملية التفاوضية قد وصلت لمرحلة يصعب معها تصور موافقة حماس الإرهابية على تسليم الرهائن من دون تحقيق شروطها التي تتمثل ـ بجانب تبادل الأسري ـ في وقف نهائي لإطلاق النار، أو على الأقل هدنة تفضي إلى وقف نهائي لإطلاق النار وفق ضمانات من الوسطاء، وانسحاب القوات الإسرائيلية وعودة النازحين إلى بيوتهم وتقديم المساعدات الانسانية اللازمة، وهي شروط من الصعب الموافقة عليها إسرائيلياً بشكل كامل، وبالتالي فإن طرفي الصراع يخوضان لعبة “عض أصبع” بشكل شرس، بحيث يسعى كل طرف لإجبار الآخر على القبول بشروطه.
هذا الموقف لا يصب في مصلحة الرئيس بايدن الذي يبدو فاقداً للقدرة على التأثير في الأزمة، وهو ماعكسته الرسالة التي نشرتها صحيفة “نيويورك تايمز” من كبار المتبرعين لحملة بايدن، والتي هددوه فيها بوقف ضخ المزيد من الأموال في حملته الرئاسية ويرون أن تدهور الظروف المعيشية في قطاع غزة، وتزايد الخسائر البشرية بين المدنيين الفلسطينيين يصب في مصلحة حملة الرئيس ترامب ويعزز فرصه الانتخابية.
رئيس الوزراء الإسرائيلي يلعب بورقة الانتخابات الرئاسية الأمريكية، فيما يبدو الرئيس بايدن عاجزاً في مواجهة الأزمة، التي تحولت فيها اتجاهات الرأي العام الأمريكي بشكل ملموس؛ حيث أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة “غالوب” مؤخراً أن 55% من الأمريكيين لا يوافقون على الرد العسكري الإسرائيلي في غزة، بزيادة قدرها 10 نقاط مئوية منذ نوفمبر. وبحسب الاستطلاع فإن حوالي واحد من كل ثلاثة (36%) من الأمريكيين يوافقون على العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة. وهذا أقل مما حدث في أعقاب الهجوم الدموي والإرهابي لحركة حماس الإرهابية في 7 أكتوبر، عندما أظهر استطلاع للرأي أجري حينها أن نصف الأمريكيين يوافقون على تصرفات إسرائيل، ووجد الاستطلاع أن نسبة الموافقة على الإجراءات الإسرائيلية انخفضت بين الجمهوريين من 71% في نوفمبر إلى 64% في مارس، وأن الانخفاض أكثر حدة بين الديمقراطيين، حيث أن أقل من واحد من كل خمسة (18%) يقولون أنهم يوافقون على تصرفات إسرائيل.
نتائج الاستطلاعات في الوقت الراهن تكشف عن تغيير في الاتجاهات، ولكن يبقى من المبكر البناء على هذه النتائج في الحكم على مآلات سباق الانتخابات الرئاسية، لأسباب عدة أهمها أن حرب غزة لم تنته بعد، وأن الأشهر التي تفصلنا عن موعد التصويت يمكن أن تشهد تغيرات جذرية في اتجاهات الرأي العام الأمريكي بناء على مسارات الأزمة خلال هذه الأشهر، ناهيك عن تأثير الدعاية والحملات الانتخابية.
ماتفعله إدارة بايدن الآن هو محاولة الامساك بزمام الأمور لضمان عدم خروجها عن السيطرة، ومحاولة إدارة الأزمة وفق تصوراتها لتقليل الخسائر السياسية التي تتحملها إدارة بايدن، وكان الامتناع عن التصويت على قرار مجلس الأمن أحد وسائل تحسين الصورة الذهنية داخلياً وخارجياً لاسيما أن حسابات الربح والخسارة بالنسبة للبيت الأبيض قد انتهت إلى أن القرار الذي وصفه بغير الملزم لا يسبب ضرراً فادحاً لإسرائيل.
ورغم ماسبق، فإن مشهد امتناع الولايات المتحدة عن التصويت لا يخلو من محاولة للحد من الأضرار السياسية التي تدفعها إدارة بايدن جراء دعمها القوي للحليف الإسرائيلي، حيث حاولت أخذ خطوة للخلف ومن ثم محاولة الظهور بمظهر الضغط على إسرائيل من دون أن يعني ذلك أي تغيير في موقفها الثابت بشأن دعم إسرائيل، وهو ما أكده جون كيربي المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بعد التصويت حين قال: “تصويتنا لا يمثل، وأكرر، لا يمثل تحولا في سياستنا”.
في عامه الرئاسي الأخير، يبدو الرئيس الأمريكي بطة عرجاء، وقد بات الشد والجذب بينه وبينه رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو في الأشهر الأخيرة أقرب إلى صراع انتخابي بين الرجلين، فكل منهما يخاطب قاعدته الانتخابية ويحاول الظهور بمظهر الرجل الأقوى في العلاقة بين البلدين الحليفين.