رد متفاوض عليه وليست حربا مفتوحة
بقلم: طوني فرنسيس
مهاجمة إسرائيل حاجة إيرانية لاستعادة الهيبة في الداخل والإقليم ومواصلة "التغيير في غرب آسيا "
النشرة الدولية –
بعد مرور أسبوعين على غارة تدمير “القنصلية الإيرانية” لدى دمشق وعلى سيل من تهديدات طهران ردت إيران على الهجوم الإسرائيلي من أراضيها وأراضٍ تهيمن عليها أذرعتها في العراق واليمن، فأطلقت على مدى 5 ساعات نحو 185 مسيرة متفجرة و36 صاروخ كروز و110 صواريخ أرض – أرض نحو إسرائيل التي قالت إنها أسقطت قسماً كبيراً منها في أجواء العراق وسوريا بمشاركة القوات الأميركية. فيما أصاب قسم آخر مواقع في إسرائيل أبرزها مطار عسكري في النقب، قالت إيران إنه مخصص لطائرات F35.
لقد كانت هذه المرة الأولى في تاريخ إيران التي تهاجم فيها إسرائيل، وهي التي تقول منذ عام 1979 بتحرير القدس وتدمير “الكيان الصهيوني”، وتتعرض لهجمات إسرائيلية استخباراتية ومباشرة في داخل إيران نفسها. وفي سوريا، حيث تنشر ضباطها وميليشياتها، وحيث تتعرض تلك الميليشيات التي أسهمت في قيامها وتمويلها إلى حملات إسرائيلية منتظمة بلغت أقصاها في حرب غزة الكارثية.
هذه المرة لم تكن القيادة الإيرانية قادرة على مواصلة دفن رأسها في الرمال بحجة “الصبر الاستراتيجي” مع أن آراء كثيرة ظهرت في إيران دعت إلى تجنب الرد خوفاً من تداعيات أكثر خطورة على وضع داخلي هش يعاني فيه الاقتصاد صعوبات جمة، وتتدهور الحالة المعيشية وتنهار العملة الوطنية، إذ بات الدولار الأميركي يساوي 67 ألف تومان .
كان لا بد للقيادة الإيرانية من رد تستعرض فيه قواها، ليس لاستعادة قدرة الردع تجاه إسرائيل فحسب، بل لاستعادة الهيبة في الداخل الإيراني، وكذلك لتطمين الأذرع والوكلاء أنها ما زالت قوية بعد أن اهتزت ثقة مريدي نظام الملالي بسياسته وبحساباته منذ اندلاع حرب غزة وتبيان واقع “محور المقاومة” المتفكك، هو الذي أرادته طهران قوتها المسلحة في وجه الأنظمة والمجتمعات العربية تحت عنوان مواجهة إسرائيل.
لم يعد احتمال التراجع وارداً بعد أن ظهر المرشد علي خامنئي متكئاً على قناصة “دراغانوف” الروسية في خطبة عيد الفطر ليكرر “وعده الصادق” بالرد على استهداف إسرائيل الأرض الإيرانية في القنصلية. قالت صحيفة “خراسان” الأصولية، إن ظهوره هذا مع القناصة “جعل الرد حتمياً” وكان إعلاناً بأن “وقت الدبلوماسية انتهى”.
لقد بات عدم الرد اعترافاً بالفشل. قد يراه البعض تواطؤاً مع إسرائيل على الإزعاج في تمزيق المشرق العربي. على أن الرد في حد ذاته لن يلغي هذا الاحتمال الذي بات ركناً في السياسة الخارجية الإيرانية. والرد الصاروخي والمسير لن يلغي واقع 40 سنة من الممارسة الإيرانية تجاه دول المشرق سادها اعتقاد أن إسرائيل ليست الهدف الفعلي لإيران، وأن الهدف هو وضع اليد على هذا المشرق ونواحٍ عربية أخرى، بالاستفادة من شماعة القضية الفلسطينية.
لكن المجزرة الفلسطينية لم تستدع استنفاراً للصواريخ الإيرانية. فقط بعد هدم القنصلية في الأول من الشهر الجاري هدد الإيرانيون بالانتقام لكنهم قبل التنفيذ أودعوا رسائلهم إلى الولايات المتحدة في مسقط واتخذوا من دمشق، وليس بيروت هذه المرة، منبراً لتأكيد العزم على الرد، فيما كانت العاصمة السورية تنأى بنفسها عن موجبات المحور الإيراني في تهييج الجبهات، ويتولى راعيها الروسي بناء مزيد من مواقع المراقبة على تلال الجولان لضمان استمرار الهدوء على جبهة يحاول وكلاء إيران إشعالها.
لم يعد الرد الإيراني على الاستهداف الإسرائيلي فعالاً عندما صار قيد التداول الإعلامي والتفاوض. كثرة الجدل والتوقعات حوله أفقدته تماماً عنصر المفاجأة، وتحول إلى نقطة تفاوض مكشوف بين إيران والغرب وإسرائيل ضمناً حول الحجم والتوقيت والأهداف.