نحن والانتخابات الهندية
بقلم: سعد بن طفلة العجمي
مؤسف أننا لا نعرف كثيراً عن الهند التي يتجاوز تعداد سكانها المليار وربع المليار
النشرة الدولية –
يندر أن يدخل الواحد ديوانية كويتية أو حتى خليجية إلا ويدور الحديث فيها عن انتخابات الرئاسة الأميركية، وقد يشتد جدل حول من هو أفضل لمنطقتنا وقضايانا، هل هو الرئيس الحالي جو بايدن؟ أم الرئيس السابق والمنافس القوي الوحيد لبايدن حالياً وهو دونالد ترمب؟ ويمكن فهم هذه المتابعة نتيجة الوجود العسكري الأميركي في منطقتنا، وللثقل العالمي الذي تلعبه الولايات المتحدة كأكبر قوة عظمى في العالم.
انطلقت الانتخابات البرلمانية الهندية قبل أيام وستستمر أسابيع حتى يتسنى للناخبين الهنود البالغ عددهم 970 مليون ناخب تقريباً، أي ما يقارب المليار من المسجلين للانتخابات ولهم حق التصويت في انتخابات بلادهم، أي أن واحداً من كل ثمانية من سكان كوكب الأرض له حق المشاركة في الانتخابات الهندية، على اعتبار أن سكان كوكبنا يبلغ تعدادهم 8 مليارات نسمة تقريباً.
ويندر بل شبه منعدم أن نجد حواراً حول الانتخابات الهندية في الديوانيات الكويتية أو الخليجية على رغم العدد الهائل للجالية الهندية في دول الخليج، ويكفي أن نعرف أن عددهم في الكويت يقارب المليون داخل بلد يبلغ تعداد سكانه 4 ملايين نسمة، وبالتالي فهم ربع القاطنين في دولة الكويت وحدها، حيث يعملون في القطاعات كافة ويسهمون مساهمة فعالة في البناء والاقتصاد على كل الصعد، والحق أن الجالية الهندية من أكثر الجاليات انضباطاً واحتراماً لقوانين دول الخليج، بل ولعلها أقل الجاليات الوافدة إلى الخليج والتي تتجاوز الـ 200 جنسية، ارتكاباً للجريمة ومخالفة قوانين البلاد التي يعملون فيها.
مؤسف أننا لا نعرف كثيراً عن الهند، هذا البلد العظيم الذي يتجاوز سكانه المليار وربع المليار، وتربطه بدول الخليج والمنطقة العربية عموماً علاقات تاريخية تجارية وثقافية ودينية قديمة، فلا أعرف مراكز تعنى بالدراسات الهندية في الخليج، ولا تعقد ندوات دورية تتطرق للشؤون الهندية ومدى تأثيرها في واقعنا وانعكاسات نتائج انتخابات البرلمان الهندي على علاقاتنا مع الهند بشعوبها وأعراقها وقومياتها الكثيرة.
يخوض رئيس الوزراء الهندي الحالي ناريندرا مودي الانتخابات الهندية بحزبه الهندوسي العنصري المعادي للأقليات “بهاراتيا جاناتا”، وكل المؤشرات تقود إلى أنه سينجح في ولاية ثالثة، ويعتمد الحزب العنصري الهندي على خطاب إقصائي لكل الأقليات، وبالذات المسلمين الذين يبلغ تعدادهم أكثر من 200 مليون مسلم، وقد هاجم مودي في حشد انتخابي لأنصاره الأحد الماضي حزب الكونغرس المعارض الذي ينافسه في الانتخابات، متهماً إياه بأنه يريد توزيع ثروات الهند على الدخلاء الذين يتكاثرون بلا حدود، في إشارة واضحة إلى المسلمين.
ويقدم حزب “بهاراتيا جاناتا” تفسيرات غريبة للعلمانية والمساواة بين المواطنين، فمنظرو الحزب يجادلون بأن العلمانية تعني ضرورة الاعتراف بهيمنة الغالبية وفرض صيغتها في الأقليات، كما يرى الحزب أن المساواة التي تساوي بين الأكثرية الساحقة وبين أقليات انتهازية هي ظلم لهذه الأكثرية، فكيف تتحقق المساواة التي تظلم الأكثرية لمصلحة الأقليات؟
ويرتكب الحزب الهندوسي العنصري مذابح في ولايات معينة بالشمال والشمال الشرقي ضد المسلمين إذا ما رأوهم يأكلون لحوم البقر، أو إذا ما نمى إلى أسماعهم أن مسلماً تزوج هندوسية فيسمون ذلك “زواج الجهاد”، إذ إن تعليل مثل هذا الزواج أنه مؤامرة إسلامية كونية لتحويل بنات الهندوس للإسلام.
وتتكرر الانتهاكات الهندوسية ضد الأقليات عموماً مثل السيخ والمسيحيين وبالطبع المسلمين الذين ينالهم النصيب الأكبر من هذه الاعتداءات، وقد سنّت حكومة مودي قانوناً يمنع تجنيس المسلمين المهاجرين من الدول المجاورة، أي بنغلاديش وباكستان، بحجة أن هاتين الدولتين قد انفصلتا عن الهند الأم بعيد الاستقلال عام 1947، ولكونهما دولتين إسلاميتين فلا حجة لهم في طلب الجنسية الهندية.
قد يتحسر بعض الهنود المسلمين اليوم على انفصال باكستان (230 مليون نسمة) وبنغلاديش (170 مليون نسمة)، فلو بقيتا ضمن الاتحاد الهندي لكان عدد المسلمين اليوم يقارب الـ 600 مليون، أي يقترب من عدد الهندوس حالياً، ولصعب على أي حزب عنصري اعتبار المسلمين في الهند أقلية دخيلة.
والانتخابات الهندية مناسبة للمهتمين بشؤون المنطقة وعلاقاتها مع الهند لتسليط الضوء من أجل فهم أفضل لهذا البلد العظيم، مما يعود على منطقتنا بالنفع وعلى المسلمين في بلد مثل الهند بالخير والسلام.