الدّستور اللّّبناني في صحيفة “مرآة الغرب”
النشرة الدولية –
النهار العربي – د. ليليان قربان عقل –
أثار نشوء دولة لبنان الكبير غضب بعض الفرقاء حول الكيان اللّبناني حتى أنهى دستور عام 1926 النقاش الدّاخلي ووضع أُسس الجمهوريّة اللّبنانيّة.
بدأ العمل على الدّستور اللّبناني لتنظيم الحياة السّياسيّة منذ 1920، ليُقرَّ رسمياً في 23 أيّار (مايو) 1926 معلناً قيام الجمهوريّة اللبنانيّة بعد مناقشات طويلة، وفق معايير وضعها الانتداب الفرنسي فيما الشعب منهك ممّا تعرّض له من ويلات خلال الحرب العالميّة الأولى والمجاعة التي فتكت به.
المفوّض السامي الفرنسي موريس ساراي (1923 – 1924) اقترح دستوراً مشابهاً لدستور الجمهوريّة الفرنسيّة الثانية مع سلّة إصلاحات وتعاون مع لجنة صوغبرلمانيّة مؤلّفة من ميشال شيحا، بترو طراد، عمر الدّاعوق، شبل دموس وغيرهم قاطعها المسلمون، ويُرجّح أن ميشال شيحا هو الواضع الأكبر للتعديلات التي كرّست الطائفيّة في الدستور الذي أبرز ما جاء فيه تغيير اسم “دولة لبنان الكبير” إلى الجمهوريّة اللّبنانيّة واستبدال المجلس النيابي بالمجلس التمثيلي واعتماد اللّغة الفرنسيّة لغّة رسميّة إلى جانب اللّغة العربيّة وجعل العلم الفرنسي علماً للبنان بعدما أضاف الأرزة إلى وسطه الأبيض وكرّس الانتداب الفرنسي مدعماً بمواد حدّدت الطوائف وتمثيلها.
لم يكرّس الدّستور اللّبناني الاستقلال الوطني لـ”لبنان الكبير” كما أكّده المفوّص السّامي الفرنسي هنري دو جوفينيل (1925 – 1926) في خطابه في كانون الأول (ديسمبر) عام 1925 بل حمل تأكيداً لوجود الكيان اللّبناني، الذي لا يزال حتى اليوم يعيش تداعيات هذا الدّستور الذي أُعلن في 26 أيّار عام 1926 والذي عكست صحيفة “مرآة الغرب” الصادرة في نيويورك إخفاقاته منذ مئة عام، في العدد 210 كما ورد النص في افتتاحيّة كتبها نجيب دياب:
“لا تضع أمّةٌ دستوراً للانتقال من حياةٍ تكرهها إلى حياةٍ تحبّها. ومن حالةٍ تعتقد أنّها حاضرة إلى حالة تتوسّم فيها النفع. فبقاء الطائفيّة في الدّستور يعني أن لبنان سيبقى كما كان طوائف تقتتل على الوظائف لا لسببٍ معقول سوى أنّها طوائف.
وبقاء الطائفيّة في الدّستور يعني أنّ لبنان لن يتبدّل مستقبله عن حاضره وأنّ النّاس الذين يعيشون في هذا العصر سيورثون الذين يجيئون بعدهم أحقادهم وضغائنهم وحزازاتهم، وهذه جريمة لا يغتفرها التّاريخ ولا الأحفاد لأنّهم يرتكبونها وهم مُدركون كلّ الإدراك أنّها جريمة.
ووجود الطائفيّة في الدّستور يفيد بأن “اللّبنانيّة” ستكون عند سكّان ذلك الوطن في المقام الثاني، فينتمي واحدهم إلى طائفته أوّلاً وإلى لبنانيّته ثانياً. وليست الحال هكذا عند الأمم الرّاقية أو التي تحبّ أن تشابه الأمم الراقية.
بل في تأييد هؤلاء الأعضاء مبدأ الطائفيّة برهان ملموس باليد على أن كلّ واحد منهم يفكّر الآن بطائفته قبل وطنه. وكلّ واحد منهم لاعتبارات يشعر بها هو يؤيّد الطائفيّة مع اعترافه الصّريح بأنّها مرض. فهو إذاً يضحّي عقيدته الشّخصيّة إكراماً لعقيدة طائفته. ويضحّي من جهة أخرى بمصلحة الوطن في سبيل مصلحة طائفته ومصلحته الشّخصيّة التي لا تقوم إلّا إذا أرضى طائفته”.
فهل نحتاج إلى مئويّة أخرى من تجارب دستوريّة لنتعلّم من إخفاقات التّاريخ ونعي أهميّة خياراتنا ومسؤولياتنا الوطنيّة؟
إنّ الإخفاقات الدّستوريّة لا تزال تتحكّم بمفاصل الحياة السّياسيّة في لبنان، والتي تحتاج إلى إعادة ترتيب الأولويّات لتأسيس دولة مدنيّة جامعة تنهض بلبنان من هذا الدرك الذي وصلنا إليه.