تهرّب من تصحيح الأجور وإنجاز في “التّعاونية”

النشرة الدولية –

كتبت ناديا الحلاق لـ”هنا لبنان”:

 

لم يعد المستفيدون من تعاونية موظفي الدولة البالغ عددهم 370 ألف مستفيد تقريباً مكشوفي الغطاء الصحي والاجتماعي، وأصبح بإمكانهم الحصول على الطبابة والاستشفاء والدواء بكرامة بعد أن حسّن المدير العام للتعاونية د. يحيى خميس أوضاعهم وأعلن إعادة التغطية الصحية إلى 90% حتى اقتربت إلى ما كانت عليه قبل الأزمة.

 

ولكن هل هربت الحكومة من تصحيح رواتب موظفي القطاع العام، نحو زيادة تمويل الصناديق الصحية؟

 

مدير عام تعاونية موظفي الدولة يحيى خميس يقول لـ “هنا لبنان”: “إّن زيادة التغطية الصحية للمستفيدين من التعاونية أتت في الوقت الذي أصبح لدى التعاونية الإمكانيات المادية اللازمة، ففي حزيران 2022 كان لدينا وفر من الإمكانيات المادية خصوصاً وأنّ الناس في تلك الفترة تجنبوا دخول المستشفيات بسبب الغلاء المعيشي وارتفاع الأسعار وحينها رفعنا التغطية إلى 4 أضعاف كخطوة أولى لمساعدة المستفيدين وبعدها إلى 10 أضعاف بعد أن تمت المصادقة على الموازنة.

 

وفي العام 2023 رفعت التعاونية تغطيتها للاستشفاء إلى 50 ضعفاً، وخلال العام 2024 تم إعادة التغطية إلى 90% وبهذه الطريقة لم نعد إلى فترة ما قبل الأزمة بل أفضل بكثير”.

 

ويشرح خميس: “الحد الأقصى للفروقات في المستشفيات لمرضى الدرجة الأولى أصبحت مليون ليرة ولمرضى الدرجة الثانية 500 ألف ليرة، مؤكداً على أنّ هذه الأسعار ستبقى ثابتة طالما أنّ سعر صرف الدولار مستقر”.

كما يلفت إلى أنّ “التعاونية رفعت قيمة المنح التعليمية بشكل كبير وميّزت المدرسة الرسمية والجامعة اللبنانية بمنحة مقطوعة بدون حد أقصى محددة بجداول التعرفات كي تشجع على التعلّم في المؤسسات التربوية الحكومية”.

 

أما بالنسبة للمساعدات المرضية أي في ما يخص أسعار الأدوية والصور الشعاعية والفحوصات المخبرية فيشير إلى أنّ “التعاونية سبق ورفعت التعرفة عليها، وهي تعتمد مؤشر وزارة الصحة في ما يخص تسعير الأدوية كما تعتمد على الدواء البديل Generic في حال كان سعر الدواء الأصلي Brand مرتفعاً، تماماً كما يحصل في دول العالم، لافتاً إلى أن هناك مشروعاً قيد الدراسة لزيادة هذه التعرفات أيضاً”.

 

 

من جهته، يرى الخبير في القانون الدولي الإنساني والقانون العام أكرم كمال سريوي:

أنّ “رفع تقديمات تعاونية موظفي الدولة، خاصة الاستشفائية، كان أمراً ضرورياً وملحّاً، بالنسبة لكل الموظفين الذين يستفيدون من التعاونية. ولا شك أنّ ما قامت به التعاونية، يشكّل خطوة في الاتجاه الصحيح، أما بالنسبة لرواتب موظفي القطاع العام الذين في الخدمة أو المتقاعدين، فهي ما زالت دون الحد الأدنى الذي أقرته الحكومة للقطاع الخاص.

 

فراتب الجندي المتقاعد مثلاً ما زال بحدود مئة دولار فقط، فيما يبلغ راتب ضابط قائد متقاعد 300 دولار أو أكثر بقليل. ”

 

تهرّب من تصحيح الأجور

 

ويقول سريوي: “الحكومة تعلم طبعاً أنّ الزيادات التي تم إقرارها على رواتب القطاع العام هي هزيلة، وحتى الآن لا تتجاوز 15% من قيمة الراتب الذي كان يتقاضاه الموظف قبل الانهيار المالي لا بل تتهرب من اتخاذ القرارات اللازمة لتصحيح الرواتب والأجور، ولجأت إلى عدة خطوات غير قانونية، للالتفاف على مطالب الموظفين”.

 

ويتابع: “لقد أقرت الحكومة زيادات مختلفة لكل فئة من الموظفين، وخالفت قاعدة المساواة، وحاولت شق صفوف الموظفين، فقامت بإرضاء بعض القطاعات على حساب قطاعات أُخرى”.

 

باختصار يمكن القول أنّ الحكومة تحاول خداع الموظفين، عبر تقديمات مختلفة، منها رفع المساعدات الاستشفائية.

 

ويلفت سريوي إلى أنّ “الخطوة الأخطر على الموظفين كانت ما سمي بـ “بدل الإنتاجية” الذي حوّل الموظفين إلى أجراء ومياومين لدى الدولة، ونسف بشكل كامل النظام التقاعدي، الذي يعطي المتقاعد نسبة من قيمة الراتب الأخير، الذي يتقاضاه بحسب سنوات الخدمة، وقد تصل إلى 85% من الراتب.”

 

ويضيف: “حتى هذه الزيادات التي أقرّتها الحكومة، ما زالت ترفض إدراجها في صلب الراتب، كي لا تُحتسب عند تصفية تعويضات الموظفين، الذين يحالون على التقاعد منذ عام 2019 وحتى اليوم.”

 

ولكن أيهما أجدى تمويل الصناديق أم زيادة الرواتب والأجور؟

 

هنا يجيب سريوي: “إعطاء الموظف راتباً عادلاً هو حق دستوري له، ونصّ عليه قانون الموظفين الذي حدد كل التفاصيل، وعلى العلاقة التعاقدية بين الدولة والموظف. والمساعدات التي يتم تقديمها للموظفين الآن من قبل تعاونية موظفي الدولة، أو من قبل الصناديق المتعددة، هي تدل على تخلف النظام اللبناني، الذي يخرق قاعدة المساواة بين المواطنين”.

 

ويتابع: “فالحق بالطبابة والتعليم هو حق أساسي لكل مواطن، ولا يجوز أن يكون محصوراً بفئة منهم. فكيف يجوز للدولة أن تقدّم منح طبابة أو تعليم للموظفين، وتحرم باقي المواطنين من هذه الحقوق”.

 

ويردف سريوي: “إنّ عملية تمويل الصناديق من قبل الدولة، تتم وفق استنسابية غريبة، وتمييز بين فئات الموظفين، وهذا طبعاً مخالف للقانون، ولا يخدم بناء الدولة العادلة. بل على العكس هذا التعاطي من قبل الحكومة مع الموظفين، خرّب القطاع العام، وجعل الفساد مستشرياً بداخله.”

 

ويختم حديثه بالقول: “هذه الزيادات لن تحلّ المشكلة الأساسية، الناتجة عن تدهور الرواتب، وحاجة الموظف ليس فقط إلى الخدمات الطبية، بل هناك مسألة أساسية تتعلق بالحصول على راتب عادل، يضمن للموظف القدرة على تأمين حاجاته الأساسية وحقه بعيش كريم، دون أن يكون مضطراً لممارسة عمل آخر، أو للغش بعمله والتقصير بالقيام بواجباته. ولا يمكن أن تسير عجلة الدولة بشكل سليم، قبل تصحيح الرواتب في كافة القطاعات، واتخاذ خطوات عديدة لتطبيق القوانين وتحديثها، وتحسين الجباية، واعتماد الضريبة التصاعدية”

زر الذهاب إلى الأعلى