أربع خيارات أمريكية في الصراع مع روسيا والمواجهة الكبرى قاب قوسين
بقلم: اكرم كمال سريوي

رئيس تحرير موقع “الثائر” اكرم كمال سريوي

لا شك أن الصراع العالمي القائم هو في جوهره اقتصادي، وبدأ يأخذ اتجاهًا تصاعدياً، وتتم ترجمته بالوسائل العسكرية.

يرتكز غنى وثروة الولايات المتحدة الامريكية على نجاحها في عدة خطوات، بدأت مع هروب أصحاب الرساميل إليها من أوروبا، بسبب الحربين العالميتين الاولى والثانية. وهناك قاموا بتأسيس امبراطوريتهم المالية، التي استفادت كثيراً من عاملي الحرب والنفط.

سجل هؤلاء أول نجاح لهم في مؤتمر بريتون وودز عام 1944، عندما جعلوا الدولار أساسًا لتسعير باقي العملات العالمية.

ثم استُكملت الخطة بمشروعي مارشل والبترودول، فالأول قدّم قروضاً كبيرة لاعادة اعمار أوروبا، مقابل رهن الذهب الأوروبي في أمريكا، واجبار البنوك المركزية الأوروبية على الاحتفاظ باحتياطيات كبيرة من الدولار. وهكذا تم ربطها بشكل كبير بالبنك الفيدرالي الامريكي.

أمّا الخطوة الثانية فكانت نجاحهم عبر كيسنجر بما سمي بالبترودولار، حيث التزمت كل دول العالم بتسعير وبيع وشراء البترول بالدولار الأمريكي.

وهكذا تحوّل الدولار إلى عملة عالمية، تتم بواسطته معظم التبادلات التجارية بين الدول، وما زال حتى اليوم يحظى بنسبة حوالي 80% من قيمة التبادلات.

بعد أن تمكّنت اميركا من تحقيق ذلك، جاءت الضربة القاضية عام 1971 عندما أعلن الرئيس نيكسون فك ارتباط الدولار بالتغطية الذهبية، واضطرّت دول العالم، إلى الرضوخ للقرار الأمريكي، لعدم وجود بديل عملي عالمي للدولار.

منذ ذلك الوقت باتت أمريكا تطبع قدر ما تشاء من الأوراق الخضراء، التي لا قيمة حقيقية لها ،وتشتري بها خيرات وثروات دول العالم.
وهكذا تحولت إلى أغنى دولة في العالم.

كان لا بد من قوة عسكرية، قادرة على حماية عملية السطو هذه على خيرات ومقدرات الشعوب، فأنشأت أمريكا قوات بحرية ضخمة، مدعومة بحاملات الطائرات، والأسلحة النووية القادرة على ترهيب واخضاع أي دولة في العالم.

والنقطة المهمة ايضاً هي أن كل ثروات الشركات ورجال المال والاعمال في العالم، كانت قد أصبحت بالدولار وفي قبضة البنوك الأمريكية، مما منح الادارة الأمريكية سلطة كبيرة على كل الرؤساء وأصحاب السلطة والنفوذ في العالم.

عندما قرر صدام حسين بيع النفط باليورو بدل الدولار، تم اجتياح العراق وأعدم صدام. وعندما دعا معمر القذافى إلى انشاء عملة أفريقية موحدة، والعودة الى استخدام الذهب، تم غزو ليبيا وقتل القذافي.

عندما فكّر فلاديمير بوتين بانشاء منظمة البريكس، وتحدّي أصحاب إمبراطورية المال، حاولوا زعزعة أمن روسيا، بتحريض النزعات الانفصالية، وخلق الفتن بداخلها وفي الدول المحيطة بها، وراحوا يضمّون تلك الدول إلى حلف الناتو، الذي يشكل الذراع القوية لحماية أباطرة المال في العالم.

لكن روسيا ليست بلداً ضعيفاً.
واليوم يقودها رجل ذكي وشجاع يملك قوة نووية مرعبة، فلم يجزع ولم يتراجع أمام تهديدات الغرب.

لقد تغيّر العالم
بسبب التطور التقني، وخاصة في مجال الاتصالات، تحول العالم إلى قرية صغيرة وسوق مشتركة. ومن المعروف أن أهم عوامل المنافسة في السوق هو خفض كلفة الانتاج. وهكذا تسابقت الشركات العالمية تبحث عن اليد العاملة الرخيصة، لتجد في الصين والهند ودول شرق أسيا مكاناً ملائماً لنقل مصانعها من دول الغرب، حيث كلفة اليد العاملة مرتفعة جداً.

أصبحت الصين مصنع العالم الأول، وكون الثروة تحتاج إلى قوة تحميها، وجدت الصين ملاذها الآمن في التحالف مع روسيا، واستفادت من التطور العسكري الروسي لتعزيز قدراتها وجيشها.

تحاول أمريكا الحفاظ على هيمنتها ودورها، لكن المشروع الأخطر عليها، يتمثل بالتحالفات الاقتصادية الكبرى، خاصة منظمة البريكس.

اذا نجحت البريكس في ايجاد عملة مشتركة، سيتحوّل أكثر من نصف العالم إلى العملة الجديدة، وستفقد أمريكا مصدر قوتها وثروتها وسطوتها على العالم.

فشل المشروع الاميركي في هزيمة روسيا عسكريًا واقتصادياً في أوكرانيا، لذلك تسعى اليوم إلى تدمير أوروبا، عبر توريطها بالحرب ضد روسيا، ويبدو أن القادة الأوروبيين متورطون في المشروع الأمريكي، ومستفيدون على الصعيد الشخصي، رغم عِلمهم بما سيجرُّ ذلك من ويلات على بلادهم وشعوبهم.

لا شك أن احتمالات الحرب بين روسيا ودول أوروبية باتت وشيكة، وستسفر عن تدمير أوروبا.

ولن تتدخل الولايات المتحدة الامريكية، ولن تستخدم ترسانتها النووية للدفاع عن أوروبا، فلن تغامر امريكا بتدمير نفسها، ولا حتى بتدمير قاعدة عسكرية واحدة لها، من أجل أوروبا.

أربع خيارات أمام أمريكا

الأول هو الحرب المباشرة مع روسيا والصين، وهذا خيار مدمّر ولن يُحقق النصر لأمريكا، لذلك يبقى مستبعداً جداً في أمريكا.
الثاني أن تدفع أمريكا بأوروبا إلى الانخراط أكثر، في الحرب الأوكرانية ضد روسيا. وهذا خيار رابح لأمريكا، لكنها تخشى أن تتورط لاحقاً في الحرب، وإن لم تفعل، فقد تسيطر روسيا على عدة دول أوروبية.
الثالث هو الاستمرار في حرب الاستنزاف ضد روسيا، ولكن على حساب أوروبا، ويبدو أن هذا الخيار ما زال الأرجح حتى الآن.
الرابع هو خيار السلام، وهذا يتطلب الاعتراف بروسيا كقوة عظمى، والذهاب إلى عالم متعدد الاقطاب، وهذا ما لا تريده أمريكا، ولن تقبل به إلّا مُكرهةً، ولذلك ما زال السلام في أوكرانيا بعيداً.

على المستوى العسكري في كل ما يحدث، هناك نقطة مهمة جداً، وهي تراجع دور القطع البحرية في حسم أي صراع.
فسلاح الصواريخ والمسيّرات الجوية والبحرية، بكلفته البسيطة، بات يُخرج من الخدمة قطعاً بحرية ثمنها مليارات الدولارات، ويشل عملها بشكل شبه كامل.
وهذا جعل القوة الأمريكية وحاملات الطائرات العملاقة في موقف ضعيف، خاصة بعد نجاح الحوثيين في البحر الأحمر، باصابة حاملة الطائرات الاميركية “ايزنهاور” وإجبارها على الانسحاب من البحر الأحمر إلى البحر الأبيض المتوسط.
فماذا سيحدث في مواجهة أمريكية، مع دولة تملك ترسانة كبيرة من الصواريخ والمسيرات ؟

عالم جديد ترتسم معالمه، على وقع الحروب والصراعات وسباق الذكاء الاصطناعي، وغدًا لن يشبه اليوم إطلاقاً

زر الذهاب إلى الأعلى