طبيب جراح.. مسعود بزشكيان يدخل المتاهة الإيرانية!
بقلم: حسين دعسة
النشرة الدولية –
الدستور المصرية –
طبيب جراح؛ كان وزيرا للصحة مع حكومة محمد خاتمى، فى الولاية الثانية لرئاسته، من 2001 الى 2005.
.. والرئيس الإيرانى اليوم مسعود بزشكيان؛ يدخل متاهة الأسرار الإيرانية! لهذا يقال سياسيا وأمنيا إن إيران هزمت المرشد ومرشحه للرئاسة، دون وعى عملى بكل ما تقف عليه إيران، وفى الصورة المعلنة اليوم، أن الاصلاحى مسعود بزشكيان بات رئيسًا لإيران بغالبية 17 مليون صوت على منافسه سعيد جليلى الذى حاز على 13 مليون صوت، علما بأن عدد سكان إيران 2024:
89،813،063 بمعدل نمو سنوى قدره 0.688٪ ما يمثل نسبة 1.107٪ من إجمالى عدد سكان العالم.
.. «بزشكيان» الآن يقف فى بداية متاهة الأسرار الإيرانية، إذ تزامنت الانتخابات مع تصاعد التوتر فى العالم، تحديدا فى الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، وروسيا والصين، والمنطقة وكل الشرق الأوسط، بما فى ذلك الخليج العربى، بسبب الحرب العدوانية الإسرائيلية الصهيونية على غزة ورفح، وكل مقدرات الشعب الفلسطينى، وهوالصراع الذى تصاعد ضمن دوائر العنجهية الإسرائيلية النازية، التى تريد تدمير غزة وفلسطين بحجة القضاء على كل من حركة حماس، والمقاومة الفلسطينية فى غزة عدا عن حزب الله فى لبنان، وهما مقاومة من حلفاء إيران، فضلا عن زيادة الضغوط الغربية على إيران بشأن برنامجها النووى المثير للجدل.
*خارج الانتخابات
خارج حسابات الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الإيرانية التى جرت يوم 28 حزيران لاختيار خليفة الرئيس إبراهيم رئيسى، الذى توفى فى حادث تحطم مروحية فى أيار مايو الماضى، لم يكن بزشيكان، يدرك أن قيادة إيران فى المرحلة القادمة، بكل ما فيها من مجهول وأسرار متاهات والتزامات، قد لا تعنى، أن نقول إنه:
تعهد بانفتاح إيران على العالم وتوفير الحريات(..) التى يتوق لها الشعب الإيرانى، إذا علمنا-وهذا مهم- أنه كانت نسبة المشاركة نحو50% فى سباق متقارب النسب بين بزشكيان، ومنافسه سعيد جليلى، الرجل الأمنى المفاوض النووى السابق الذى يعد من كبار المحافظين فى السياسة الأمنية الإيرانية، غالبا ما دعا بشدة إلى تعزيز العلاقات مع روسيا والصين، وكوريا الشمالية.
.. وهو يطمح، بحسب ما صرح ساعة إعلان الفوز أنه: «سيمد يد الصداقة للجميع»، فى تصريح للتليفزيون الرسمى: «سنمد يد الصداقة للجميع، نحن جميعنا شعب هذا البلد. علينا الاستعانة بالجميع من أجل تقدّم البلد»،.
بالطبع، سياسيا وأمنيا لا يمكن الرهان على رؤية الرئيس الإيرانى فى تحديد صورة الدولة خارج حدود إيران:
واقعيا يحدد الدستور أن رئيس الجمهورية هو أعلى سلطة فى الدولة [بعد المرشد الأعلى].
ما حدث اليوم، أن الرئيس مسعود بزشكيان، قام بأخذ مباركة الإمام السيّد على الخامنئى، المرشد الأعلى، وتم ما يلزم بأن يبارك له الفوز فى انتخابات الرئاسة الإيرانية؛ ذلك محور اساس فى فهم الولاية العامة،.. وهنا نتوقف عند بزشيكيان، الذى صرح احتفالا: سنحاول فك العقد واحدة بعد الأخرى بإشراف السيد القائد السيّد خامنئى، فى إشارة إلى أنه، ربما يحرص على إيجاد تفاهمات بين مؤسسة الرئاسة والمرشد الأعلى، بعيدا عن الدخول فى خصوصيات المؤسسات الأمنية العسكرية الإيرانية، وفى المعتاد، ومنذ أكثر من ثلاثة عقود، كانت مؤسسة «الحرس الثورى الإيراني» مسؤولة [وفق بنية جهازها الخاص للسياسة الخارجية]، ومن تركيبة «فيلق القدس» وآليات «المجلس الأعلى للأمن القومى»-التى تخضع عمليا سياسيا وأمنيا وماليا لسيطرة المرشد الأعلى خامنئى، ما منح حرية غير مقيدة لتدخلات «الحرس الثوري» فى المؤسسات والأنشطة الدبلوماسية الإيرانية كافة.
*رئاسة مرهونة بأزمات خارج نطاق الصلاحيات.
فى الدستور الإيرانى، ووفقًا لـ«المواد 3 و152 و154» من الدستور الإيرانى، فإن السياسة الخارجية للبلاد مبنية على التزام [غير محدود لدعم كفاح المسلمين المضطهدين فى جميع أنحاء العالم] بأى وسيلة ممكنة – وهو الهدف الرئيسى نفسه لـ«الحرس الثوري» الإيراني. لذلك، سعت المؤسسة العسكرية والأمنية باستمرار إلى تعزيز القيم الثورية للنظام من خلال التدخلات الأجنبية، بغض النظر عما قد يتفاوض عليه فريق الرئيس الإيرانى فى اتفاقيات متعددة الجنسيات مثل «خطة العمل الشاملة المشتركة».
*الأفق التاريخى وحدود الدستور
.. وفى الأفق التاريخى، ما يلزم الرئيس مسعود بزشكيان فى مراحل عمله القادم، ذلك أن دستور إيران لعام 1979 (المعدل 1989)
ففى تمهيد، ديباجة الدستور، ما يحدد، معالم دستور جمهورية إيران الإسلامية، وارتباط ذلك بالمؤسسات الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية للمجتمع الإيرانى، بناء على المبادئ والقيم الإسلامية التى تمثل آمال الأمـة الإسلامية(..)… وهى مرجعية تصر أنه:
لقد تجلت هذه الآمال من خلال طبيعة الثورة الإسلامية العظمى(..) /بحسب النص الدستوري/فى إيران، وعلى امتداد كفاح الشعب المسلم، منذ البداية وحتى النصر، كما عبرت عنها الشعارات الحاسمة والمدوية التى رفعتها طبقات الشعب كافـــة. واليوم على عتبة هذا النصر العظيم فإنـه يتطلع بكل وجوده إلى تحقيق هذه الآمال.
.. وفيه تأكيد: توصل الشعب الإيرانى المسلم بعد مروره بتجارب النهضة المناوئة للاستبداد ونهضة تأميم النفط المعادية للاستعمار وما كلفته هذه التجارب، إلى أن السبب الأساسى البيّن لفشل هذه النهضات هوعدم عقائديتها. وعلى الرغم من أن المساهمة الرئيسة والأساس كانت على عاتق الخط الفكريّ الإسلاميّ وقيادة علماء الإسلام المجاهدين(…)، سرعان ما اتجهت هذه الحركات نحو الجمود بسبب ابتعادها عن المواقف الإسلاميّة الأصيلة. وأدرك الضمير الحى للشعب بقيادة المرجع الدينى الكبير حضرة آية الله العظمى الإمام الخمينى ضرورة التزام مسار النهضة الإسلاميّة الأصيلة والعقائدية.
.. ومن هذه الديباجة، يجد الرئيس الجديد، أطر حراكه داخل وخارج إيران، وهى مهمة صعبة لضعف خبرته السياسية الخارجية تحديدا.
*.. فى صلاحيات الولى الفقية، أوالمرشد الأعلى
يدرك اى رئيس إيرانى، أن الحكومة، مؤسسة فعليه لولاية الفقية، أو المرشد الأعلى، ويضع الدستور الإيرانى قائد الثورة الإسلامية أو«الولى الفقيه»، «المرشد الأعلى» فى رأس سدة هرم النظام السياسى للدولة الإيرانية، رغم عدم وجود أية آثار لهذا العنوان فى الدستور الإيرانى، وتقوم «قيادة الثورة» فى مكانة الجهة التى تحدد السياسات العامة وتشرف على سير السلطات الثلاثة فى البلاد، إلا أن مجلس الشورى الإسلامى فى إيران هو الجهة المخوّلة دستوريًا لسن القوانين والتشريعات، وتعد رئاسة الجمهورية الجهة المنفذة لتلك القوانين.
.. وخلال ربع القرن الأخير، ازدادت طبيعة الصراعات المواجهات بين إيران والمجتمع الدولى والأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولى، وتحديدا مع المنظمات العديدة التى لها علاقة بالطاقة والأسلحة النووية وتجارة السلاح والمخدرات والتدخل المكشوف فى سياسات عديد الدول، ومع ذلك، سيصطدم الرئيس بزشكيان، مع ضعف الصلاحيات التى تعطيه مناخ إجراء الإصلاحات التى يعد بها، فالمادة 110، من الدستور، وهى مهمة تنص على مهام المرشد الأعلى وصلاحياته منها:
1:
تعيين السياسات العامة لنظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية بعد التشاور مع مجمع تشخيص مصلحة النظام.
2.:
القيادة العامة للقوات المسلحة.
3.:
تنصيب وعزل وقبول استقالة كل من: فقهاء مجلس صيانة الدستور، أعلى مسؤول فى السلطة القضائية، رئيس مؤسسة الإذاعة والتلفزيون فى الجمهورية الإسلامية الإيرانية، رئيس أركان الجيش، القائد العام لقوات حرس الثورة الإسلامية، والقيادات العليا للقوات المسلحة وقوى الأمن الداخلي.
4.:
حل الاختلافات وتنظيم العلائق بين السلطات الثلاث.
5.:
حل مشاكل النظام – التى لايمكن حلها بالطرق المتعارفة – من خلال مجمع تشخيص مصلحة النظام.
6.:
توقيع حكم تنصيب رئيس الجمهورية بعد انتخابه من قبل الشعب.
7.:
العفو عن المحكوم عليهم أو التخفيف من عقوباتهم فى إطار الموازين الإسلامية بعد اقتراح من رئيس السلطة القضائية.
*طبيب جراح.. مع بعض السياسة الإصلاحية.
بزشكيان، طبيب جراحة القلب، اتخذ مسارا سياسيا إيرانيا إصلاحيا، من أب آذرى – الاذريون هى مجموعة عرقية مختلطة، حيث يُعدون من أقدم العناصر المنبثقة عن السكان الأصليين فى شرق القوقاز، وربما من الميديين فى شمال بلاد فارس- وأمّ كردية، والفارسية ليست لغته الأم، دخل فى 5 دورات بمجلس الشورى الإسلامى الإيرانى، وكان نائبًا لرئيس المجلس فى دورته العاشرة.
.. ومما قيل انه، ضليع فى الحوار مع أعداء إيران(..)، فيما يتصل ببرنامجها النووى، ويرى فى ذلك وسيلة لمعالجة القضايا الداخلية للبلاد، وقال فى ذلك: هل نريد حل مشاكلنا مع العالم أم لا؟ أعتقد أنه يجب علينا أن نخرج من المأزق لحل مشاكل البلاد»،
.. وفى تفسير دلالات القول ب المأزق، فى مناظرة رئاسية جرت مؤخرًا: «من بين أنصارى من اليسار واليمين، حتى أولئك الذين لا يصلون»(..).
*السيناريو المتشائم.
.. رئاسة بزشكيان لن تكون سهلة، فهو يقف فى مواجهة تحولات الصراع فى المنطقة والعالم، وبالذات الواقع الحالى فى المنطقة، لطبيعة الوجود الإيرانى فى عدة دول عربية: سوريا، لبنان، اليمن، ليبيا، واقتران ذلك مع انفتاح عربى دولى لتسوية العلاقات مع النظام الإيرانى، بكل تشابك الداخل والخارج، ومحور ذلك العلاقة المضطربة مع دولة الاحتلال الإسرائيلى العنصرية، عدا عن أوروبا والولايات المتحدة، وفى الأفق، الذى قد يواجه الرئيس الإيرانى المنتخب، أن هناك إرث الرئيس «رئيسى» الراحل، فى وقت عصيب بعد الرد الإيرانى على دولة الاحتلال الإسرائيلى الصهيونى، و«السيناريو المتشائم»، الذى يفترض اإنخراط إيران فى الصراع، مما سيدفع كل القوى، والدول فى المنطقة إلى الانخراط فى هذا الصراع المفتوح دون حدود، وذلك لأن إيران سوف تستهدف كل المواقع الأمريكية والغربية فى المنطقة، ما يزيد من جيوسياسية الرؤى الأمنية، ويزيد معاناة الحرب العدوانية الإسرائيلية المستعرة على غزة ورفح، وربما كل القضية الفلسطينية.