أوروبا تحاسب حكامها في الانتخابات، وأوكرانيا وغزة ناخب رئيسي
أكرم كمال سريوي

النشرة الدولية –

رئيس تحرير “الثائر”

حقق اليمن بعض المكاسب في انتخابات أوروبا، لكن بريطانيا وفرنسا اتجهتا نحو اليسار ، في انقلاب تام بالمشهد السياسي، الذي بات يُنذر بمرحلة من الشلل الحكومي في فرنسا.

واختصر المستشار الالماني اولاف شولتز مشهد الانتخابات في الدول الأوروبية بالقول: يبدو أن خسارة الاحزاب الحاكمة للانتخابات، عائد إلى عدم موافقة الشعوب على سياسة حكوماتها”

انخرطت معظم الحكومات الأوروبية في الصراع الأوكراني، وقدمت أكثر من 151 مليار دولار من المساعدات لأوكرانيا، وكل ذلك ذهب طبعاً من جيوب المواطنين، وأثقل كاهل خزائن تلك الدول.

مما لا شك فيه أن العامل الرئيسي الذي لعب دوراً في الانتخابات، كان الهم المعيشي للمواطنين الغاضبين من سياسة حكوماتهم.
أما المواضيع السياسية، خاصة السياسة الخارجية، فكان تأثيرها بنسبة أقل طبعاً، وعلى جزء محدد من المواطنين، الذين يهتمون بقضايا الرأي العام، وهؤلاء يشكلون جزءاً مهماً، لأنهم يستطيعون تحريك الشارع، وبلورة رأي عام، داعم أو معارض لسياسة الحكام.

نجاح اليسار، الذي يمثل بالدرجة الأولى الطبقة الفقيرة والمتوسط، يشكّل دلالة على انعاكسات الوضع الاقتصادي المتردي في أوروبا.
ولقد انظم إلى طبقة العمال، أصحاب مصانع وشركات كبرى، تأثرت أعمالهم كثيراً بالعقوبات التي فرضتها أوروبا على روسيا.

لقد تسببت هستيريا العقوبات الغربية على روسيا، بفقدان أوروبا لمصادر مهمة للمواد الأولية، كالمعادن والحبوب والنفط والغاز وغيرها، والتي كانت تستوردها أوروبا من روسيا بأسعار رخيصة، وباتت تستوردها اليوم بأسعار مضاعفة من أمريكا ودول أخرى.

وكانت الصادرات الروسية تشكّل رافعة أساسية للنمو الاقتصادي في الدول الاوروبية، لكن كل ذلك تغيّر اليوم.

عمدت الحكومات إلى رفع أسعار بعض السلع الأساسية، خاصة التدفئة، واتخذت إجراءات عديدة غير شعبية، لمواجهة العجز في الميزانية. وبات المواطن يدفع ثمن كل شيء أكثر من ذي قبل، دون أن يتم رفع الرواتب بنسبة موازية، وهذا أثقل كاهل المواطنين، الذين يُحمِّلون المسؤولية المباشرة عن تردي أوضاعهم، لسياسة الحكام.

اندفاعة حكام أوروبا العمياء خلف السياسة الاميركية المعادية لروسيا، جعلتهم ينخرطون بشكل كبير في الحرب الأوكرانية، لدرجة باتت تهدد بنشوب حرب عالمية ثالثة، نووية هذه المرّة، قد تمحو أوروبا من الوجود.

دفع ماكرون ثمن تهديداته بإرسال قوات فرنسية للقتال في أوكرانيا، وكذلك ثمن دعمه المطلق لجرائم إسرائيل، ومحاولاتها إبادة الشعب الفلسطيني، وممارساتها اللاأخلاقية واللاإنسانية، وانتهاكها للقانون الدولي وحقوق الانسان، وهذه الوحشية التي أثارت نقمة كبيرة بين صفوف المثقفين الأوروبيين، إضافة طبعاً إلى غضب المتحدرين من أصل عربي.

من الواضح أن الشعوب الأوروبية عبّرت عن رأيها وقناعاتها ورفضها لسياسة؛ ماكرون، وريشي سوناك، وبوريل، وغيرهم من دعاة الحرب في أوروبا، ومؤيدي قتل الفلسطينين، التابعين لاللوبي الصهيوني، الذي يتحكم بقسم كبير من زعماء أوروبا والعالم.

لقد شكّلت قضية دعم الحرب في أوكرانيا، وفي غزة، عاملاً مهماً في خيارات الناخبين. فبعضهم انكفاء عن المشاركة، وبعضهم الآخر قرر إيصال صوته، ومحاسبة حكامه، فكان هذا السقوط المدوي لدعاة الحرب، بدءاً من ماكرون، وقبله بوريس جونسون، وليز تراس، وماريو دراجي، وآخرون ينتظرون دورهم في السقوط، مع موعد انتخابات قادمة في بلادهم.

أمريكا أيضاً ليست بعيدة عن تأثير أوكرانيا وغزة، وباتت هذه قضايا أساسية في الانتخابات المقبلة، التي من المرجح أن يسقط فيها الرئيس بايدن، صاحب مشروع حرب أوكرانيا، والداعم الرئيسي لها، الذي جنى مع شركاء آخرين، مئات ملايين الدولارات، من تجارة الأسلحة والصفقات الضخمة، التي تمت تحت عنوان مساعدة أوكرانيا، التي باتت شبه مفلسة، وشعبها مهجّر، ويعاني تداعيات سياسة هواة الحرب، وتجار الأسلحة، وأصحاب شركات صناعة القتل والدمار في العالم.

نجح ماكرون نسبياً في منع سيطرة اليمين المتطرف على البرلمان، ولكنه اضطر لعقد تحالف مع اليسار، الذي يرفض سياسة ماكرون المتهورة، وانقياده للأميركيين. وبالتالي بات الرئيس الفرنسي ماكرون، الذي ظن أنه زعيم أوروبا وحاميها النووي، مكبلاً بين يمين يريد أن يقف في المعارضة، ليسرّع سقوط الرئيس، والذهاب إلى انتخابات جديدة بعد عام، ويسار يرفض المشاركة معه في سياسات لا تخدم مصالح فرنسا ولا مواطنيها.

هذه الحالة من التشرذم تسبب بها ماكرون وحده، ولكن سيدفع ثمنها الشعب الفرنسي كله.
وحال فرنسا قد ينسحب على دول عدة في اوروبا، مما بات يهدد جدياً بانهيار الاتحاد تحت ضربات اليمين المتطرف، الذي لا بد أن يعود للنيل من الذين دمروا أوروبا خدمةً للأميركيين

زر الذهاب إلى الأعلى