شبح القلق يخيم على قمة الناتو وثلاث خطوات تنذر بانفجار عالمي
بقلم: اكرم كمال سريوي

النشرة الدولية –

الخبير في الشؤون العسكرية والقانون الدولي

يخيم القلق على قمة رؤساء دول حلف الناتو المنعقدة في واشنطن وذلك لاسباب عديدة أهمها الخوف من عودة الرئيس السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض مجدداً بعد أن كان صرّح مرات عديدة بأنه قد ينسحب من الناتو إذا لم تفِ الدول الأوروبية بالتزاماتها المالية وتدفع المتوجب عليها للحلف.

أما السبب الثاني الذي لا يقل أهمية فهو ناتج عن المكاسب الكبيرة التي حققها اليمين في الانتخابات الأوروبية وهو الذي يرى أن لا حاجة لحلف الناتو وأنه يكبّد شعوب هذه الدول مبالغ مالية طائلة لا لزوم لها.

أما الخطر الكبير الذي سينتج عن هذا الاجتماع فهو يتلخص في تداعيات الأهداف التي حددها الأمين العام للحلف السيد ستولتنبرغ

فتحت عنوان تقوية الردع سيلتزم الجميع بزيادة الانفاق العسكري إلى أكثر من 2% من الناتج المحلي الإجمالي.
وهذا يعني ببساطة الجنوح نحو عسكرة أوروبا بشكل غير مسبوق منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وستنعكس زيادة الانفاق العسكري سلباً على قطاعات خدماتية أخرى لهذه الدول من الغذاء والصحة والتعليم والرواتب وغير ذلك.

لكن في مقابل سياسة إفقار الشعوب الأوروبية سيعتني أصحاب شركات صناعة الأسلحة والتجار الدوليين في الولايات المتحدة الامريكية وبعض شركائهم من كبار السياسيين في الدول الأوروبية.

اما الهدف الثاني والأخطر فهو الإصرار على استمرار الحرب في أوكرانيا حتى هزيمة روسيا وهم سيلتزمون بتقديم مبالغ مالية طائلة (40 مليار دولار سنوياً) لعدة سنوات وتقديم قرض لأوكرانيا بقيمة 50 مليار دولار من الأصول الروسية المجمدة لدى دول الحلف.

لا أحد من زعماء الحلف يتحدث عن إنهاء هذه الحرب أو يطرح مبادرة للسلام باستثنا الرئيس التركي رجب الطيب اردوغان ورئيس وزراء المجر فيكتور أوربان اللذين لم يفلحا في إقناع زملائهم في الحلف بضرورة البحث عن السلام في أوكرانيا وعدم دفع أوروبا إلى آتون النار.

لا أحد يملك تصوراً واضحاً كيف سيهزم روسيا وكيف للجيش الأوكراني أن يفعل ذلك ببعض الأسلحة المتقادمة والهبات التي لا يصل منها سوى النزر القليل فيما يضيع القسم الأكبر على الطريق وفي جيوب المنتفعين والتجار.

تخسر أوكرانيا كل يوم من أراضيها وجنودها واقتصادها ورغم ذلك يصر بايدن ورفاقه على اطالة أمد الحرب.

وتزداد الدعوات لتدريب الجنود الأوكران ودفعهم إلى الموت ويلوح بعض قادة أوروبا بارسال جنودهم إلى كييف وتقديم أسلحة بعيدة المدى والسماح لأوكرانيا باستخدامها في استهداف العمق الروسي.

وفي مواجهة التصعيد الغربي تلوّح روسيا باستخدام أسلحتها الفتاكة وتغيير عقيدتها النووية بما يسمح باستخدامها في حرب بات يتوقف عليها مستقبل روسيا والعالم في مواجهة الهيمنة الأمريكية ورفضها لأي شراكة دولية.

مما لا شك فيه أن إصرار الناتو على هزيمة روسيا في أوكرانيا بات خطراً حقيقياً يهدد باندلاع حرب عالمية ثالثة قد تتحول إلى مواجهة نووية بسرعة ولن تُبقي من أوروبا وحكامها شيئاً.

لا يقف خطر قمة الناتو عند هذا الحد بل يتجاوزه إلى محاولة إنشاء ناتو رديف في المحيطين الهادئ والهندي.

هذا التحالف العسكري الجديد موجّه طبعاً ضد الصين وقد تندلع المواجهات في تايوان في أي وقت وعندها ستف الكارثة وقد يمتد النزاع إلى عدة دول وجزر في المنطقة وربما يصل إلى حدود استراليا.

تحاول الولايات المتحدة الامريكية جر أوروبا إلى مواجهة مع الصين ومقاطعة اقتصادية مثل ما حدث مع روسيا.

قطب واحد لا قطبان ولا ثلاثة وأمريكا وحدها من يقرر وإذا لم تخضع روسيا والصين فستتم محاصرتهما ومعاقبتهما.

لقد تحوّل الناتو إلى أداة طيعة بيد أمريكا لتهديد وضرب أي دولة في العالم حتى ولو كانت عضوًا في الناتو فلن ينسى أردوغان كيف دعمت أمريكا الانقلاب العسكري ضده وكيف ساندت أخصامه في الانتخابات الرئاسية وكيف حاصرت تركيا اقتصادياً وهو ذكّر في واشنطن بأن الحلف لم يساعد تركيا في مواجهة الإرهاب.
ولم ينس العالم كيف جرّت الولايات المتحدة الامريكية دول الناتو إلى الحرب في كوسوفو واحتلال العراق وافغانستان وتخريب ليبيا وسوريا والسودان وغيرهم من دول العالم وآخر ابداعاتهم تحالف الازدهار في البحر الأحمر لحماية السفن المتوجهة إلى إسرائيل.

يتحدث زعماء الناتو عن أن الناتو تحالف دفاعي لكن في الحقيقة هو في كل الحروب التي خاضها كان تحالفاً هجومياً بقيادة أمريكا وخدمةً لأهدافها.

لا يمكن لتحالف عسكري أن يضمن الأمن والسلام في العالم بل على العكس فإن سياسة الأحلاف العسكرية تحمل طابعاً عدائياً في مواجهة باقي الدول ولا يخرج حلف الناتو عن هذه القاعدة وفيما يحتفل زعماؤه من 32 دولة اليوم بالذكرى ال 75 لتأسيسه يزداد القلق ليس على مصير الحلف الذي يجمع العديد من التناقضات بل القلق من نوايا بعض رموز هذا الحلف الذين يحملون نوايا عدوانيا مهجوسين بنزعة السيطرة والتحكم بهذا العالم.

إن استمرار حلف الناتو والإصرار على ضم دول أخرى إليه لمحاصرة روسيا والصين بات خطراً حقيقيا على الأمن والسلام الدوليين وقد يتسبب في حرب عالمية ثالثة قد لا تترك من البشرية وحضارتها شيئاً للمستقبل

زر الذهاب إلى الأعلى