لأميركا والعرب… ترامب أم بايدن؟
د. خالد محمد باطرفي

كل طرف في المناظرة الرئاسية الأميركية تحاشى الخوض في القضية الفلسطينية أو الموقف من العدوان الإسرائيلي على غزة. مديرا الحوار بدورهما لم يلحّا على الردّ، أو يتابعا بطرح مزيد من الأسئلة.

يبدو أن الرئيس السابق، المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية المقبلة، في نفس زاوية الرئيس الحالي، جو بايدن، تجاه التعامل مع حليف استراتيجي يخدم المصالح الأميركية في الشرق الأوسط ويشكل أنصاره في الولايات المتحدة كتلة انتخابية وسياسية ومالية وإعلامية مؤثرة.
فلا الحالي يرغب في فتح ملف فشله بمنظور اليمين واليسار في بلده، وإسرائيل والعالم خارجه، ولا المتأهب لكرسي الحكم سيسمح لنفسه بالوقوع في ذات المأزق الذي لا تختلف سياسته تجاهه، أو الالتزام بمواقف مبكرة تكبله عندما يحين دوره، أو خسارة أي كتلة انتخابية مؤيدة أو معارضة لسياسات وجرائم تل أبيب.
وفي كل الأحوال، لم يعد العالم يهتم كثيراً لسياسة الرئيس بايدن، الذي أكد مخاوف مؤيّديه واتهامات معارضيه بأنه لم يعد قادراً على تولي مسؤوليات أقوى منصب في العالم، لأعظم إمبراطورية في التاريخ.
فحسب تقرير لواشنطن بوست، أحد معاقل الإعلام الديموقراطي، ومن أشد المؤيدين للحزب والرئيس، فإن ممثلي الدول الحليفة والمنافسة في واشنطن، أكدوا لها بعد المناظرة ليلة الخميس الماضي، أن حكوماتهم تسرّع تحديث خططها وسياساتها للتعامل مع المرحلة ال#ترامبية المقبلة، وأن القيادات والوفود الزائرة باتت تحرص على الاجتماع بالرئيس المرشح وممثليه بعد اجتماعاتها المقررة مع إدارة الرئيس بايدن، وأن زعماء العالم الذين سهروا ليلة المناظرة انتهوا إلى قناعة لا يخالجها الشك بأن عليهم الاستعداد لعودة ترامب.
وعدّد التقرير القيادات التي ستتأثر سلباً أو إيجاباً بالمرحلة المقبلة، مرشحي الروسي بوتين والإسرائيلي نتنياهو للاستفادة من وجود صديق في البيت الأبيض، بينما توقع قلقاً في العواصم الأوروبية ودول الناتو، خاصة بعدما أكد ترامب مرة أخرى سياسة الضغط في ما يتعلق بتصحيح الميزان التجاري لصالح أميركا والالتزامات المالية للمستفيدين من الحماية الأميركية. وعدّت طهران أكثر العواصم قلقاً من عودة سياسة العصا الغليظة، تليها الصين وأوكرانيا.
ميزة ترامب ومشكلته وضوح وثبات مواقفه وعدم مراعاة أصول الديبلوماسية التقليدية في التعامل السياسي. فمن الجانب الإيجابي سيسهل على الخصوم والأصدقاء التنبّؤ بأفعاله وردود أفعاله. ومن الجانب السلبي سيصعب التفاوض معه أو تغيير مواقفه.
وبالنسبة للشرق الأوسط من المتوقع استمرار الدعم الأميركي لإسرائيل والتحيّز الأعمى لها، والعمل على تقويض مشروع الدولتين حسب المبادرة العربية والقرارات الأممية واتفاق أوسلو، ومتابعة مبادرة “صفقة القرن” ومحورها تكريس التطبيع مع الدول العربية مع تجاوز شرط الدولة الفلسطينية، بعذر مواجهة إيران.
وقد ينخفض التعاون الخفي والدعم المستتر لإيران وميليشياتها في المنطقة، وقد نشهد ردوداً “حقيقية” لا رمزية وشكلية على تعطيل الحوثي للملاحة في البحر الأحمر وبحر العرب، وضربات نوعية لـ”حزب الله” تنال من مخازن سلاحه وقواعده العسكرية، وربما تصل لقيادتها العليا، إن سمحت إسرائيل!
ولا يستغرب هنا الاعتراض الإسرائيلي، فترامب أعلن في أكثر من مناسبة أن نتنياهو رفض التعاون في اغتيال زعامات إرهابية إيرانية (مثل قاسم سليماني وحسن نصرالله وأبو بكر البغدادي). ذلك أن التعاون بين الميليشيات الإيرانية وإسرائيل يمثل جزءاً من شبكة العلاقات الخفيّة بين البلدين الأكثر تأسيساً ودعماً للإرهاب ومشاريع زعزعة السلم في المنطقة العربية والبلدان الإسلامية، برعاية أميركية وبريطانية.
وفي نهاية المطاف، تبقى أميركا الدولة العميقة بمشاريعها المعلنة والخفيّة للهيمنة على العالم، من خلال العملاء والأقليات والأنظمة الفاسدة والجماعات المهدّدة للسلم والأمن والتعايش الدولي. فالإمبراطوريات العابرة للقارات كانت وما زالت تعمل على تحقيق نفس الأهداف بنفس المنهج، مع تطور الأساليب عبر العصور.
ويبقى الرهان دوماً على وعي الشعوب ووحدة صفوفها وولائها لأوطانها وتكاتفها مع قياداتها، وعلى إخلاص الحكومات وتركيزها على منفعة مواطنيها ونماء ورخاء بلدانها، وأخيراً على تضامن الشعوب والدول التي يجمعها المصير المشترك لمواجهة السياسة الاستعمارية الأزلية “فرّق تسد”، ومخططات “الفوضى الخلاقة” وإعادة رسم الخرائط والثورات “المصطنعة” بهدف التقسيم والتحطيم والهيمنة، وبهدف تكريس اعتمادنا المطلق على المستعمرين الجدد لتوفير الأمن والغذاء والكساء، بل وحتى نظم الحكم والقيم الثقافية والاجتماعية.
وإذا حققنا هذا النصر الداخلي والخارجي، فلن يكون علينا أن نحسب حساب ترامب أو بايدن، نتنياهو أو لابيد، جليلي أو بزشكيان. ففي عالم لا يحترم إلا القوي ولا يفهم إلا لغة القوة.. خياراتك الحرة وإرادتك المستقلة هي التي تصنع لك الفرق.. كل الفرق!
زر الذهاب إلى الأعلى