مؤتمر دولي في بيروت: الدعارة ليست مهنة بل عنف جنسي يدمّر النساء

حرص مؤتمر دولي عقد في بيروت يومي التاسع والعاشر من يوليو الحالي، ونظمته مؤسّستا “كفى” و”دبل أكس”، على تأكيد أن “الدعارة” ليست مهنة تمارسها النساء، وإنما أحد أشكال العنف الذي يمارسه ذكور بحق الإناث. وشاركت في المؤتمر ناجيات من نظام الدعارة، ومتحدّثات من لبنان وسورية والعراق والولايات المتحدة  والمملكة المتحدة وفرنسا، من بينهن المقرّرة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالعنف ضد النساء والفتيات ريم السالم، وعرض في ختامه تقرير تضمن تحليلاً وافياً لنظام الدعارة، وكيف ينطوي على عنف واستغلال جنسي للنساء.

وقالت مديرة منظمة “كفى”، زويا روحانا، في كلمة افتتاحية، إن “العنف والاستغلال اللذين تعاني منهما النساء لا يحتملان رفاهية التأجيل حتى يصبح الوقت مناسباً”. وقالت مؤسّسة منظمة “دبل أكس” في لبنان والعالم العربي، غادة جبور، إن “نظام الدعارة يجرّد النساء من إنسانيتهن، ويحوّل جميع النساء في الوعي الجمعي إلى فئة أقلّ شأناً، ما يسمح ببيعهن وشرائهن”. وركز القائم بالأعمال في سفارة كندا ببيروت، جويل مونفيس، في كلمة افتتاحية على أن “أهمية المؤتمر تأتي من أنه فرصة للتأمل والتعلم والتعاون بين جميع الأطراف التي تعمل على مكافحة هذا العنف الناتج عن الدعارة بوصفه عنفاً خالصاً”.

وفي الجلسات على مدار يومي انعقاد المؤتمر، أفادت ناجيات بأنهن لم يكتفين بالنجاة، بل تحوّلن إلى مدافعات عن حقوق النساء في بلادهن والعالم، وناشطات في تقديم برامج الحماية من خلال تأسيس أو إدارة مؤسّسات مجتمع مدني تهتم باللواتي يرغبن في ترك الدعارة. وفصلت المتحدثات تحدّيات الخروج من الدعارة التي تشمل قصور القوانين التي لا تساعد على استدامة هذا الخروج، ونقص مستلزمات التعافي التي تحتاج وقتاً طويلاً في معظم الأحيان، وأيضا عدم القدرة على الاندماج في المجتمع بسبب الماضي الذي يعرّض المرأة للوم أو النبذ، حتى من عائلتها، خصوصاً من تورّطن في أفلام إباحية بات من الصعب محوها من الإنترنت. كما تحدّثت ناجيات عن اضطرابات ما بعد الصدمة، وان هذه الاضطرابات ليست الضرر الوحيد الذي يصعب التعافي منه، بل يضاف إليها الاكتئاب والقلق والتوتر والميل إلى الانتحار، فضلاً عن المعاناة من الأمراض المنتقلة عن طريق الجنس، وفي مقدّمتها فيروس نقص المناعة المكتسبة.

وتضمنت الجلسات مقاربات للأطر القانونية بشأن الدعارة في العالم، ولمعالجة القانون الدولي لحقوق الإنسان هذا النظام القائم على العنف والاستغلال الجنسي، والذي يؤدي إلى تجريد النساء من إنسانيتهن، إذ تتقاطع في الدعارة أشكالا مختلفة من القمع. وتناغمت التوصيات والاستنتاجات مع التقرير الصادر عن المقرّرة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالعنف ضد النساء. وشملت أهم التوصيات أن يجرى تطوير القانون الدولي كي يدعو إلى المعاقبة على استغلال دعارة شخص آخر، حتى لو كان ذلك بموافقة هذا الشخص، مع التأكيد أنه لا يمكن محاسبة الأشخاص المستَغَلين في الدعارة عن استغلالهن، ودفع الدول إلى إصلاح قوانينها تبعاً لذلك، مع معالجة الأسباب الكامنة وراء العنف ضد المرأة، بما في ذلك الاتجار بالمواد الإباحية وإنتاجها.

وتضمّنت التوصيات طلب اعتماد الإطار القانوني القائم على إلغاء الدعارة، بما في ذلك عدم تجريم النساء، وتوفير الدعم الشامل ومسارات الخروج، وتجريم شراء الأفعال الجنسية، وتجريم جميع أشكال “القوادة”، والقيام بحملات توعية لمشتري الأفعال الجنسية، وتوفير خدمات مخصّصة لضحايا الدعارة تشمل توفير المأوى، ومحاسبة قطاع الأعمال وسائر القطاعات ذات الصلة التي تضطلع بدور في استغلال الدعارة لجني الأرباح.

وطالبت المشاركات في المؤتمر وكالات الأمم المتحدة بتأدية أدوارها الضرورية، فيركز مجلس حقوق الإنسان على الحقوق في مجال الدعارة، وأن تظهر منظمّة العمل الدولية كيف تنعدم مبادئ العمل اللائق في الدعارة، وأن تحرص منظمّة الصحة العالمية على دراسة الآثار النفسية والجسدية الناشئة عن الدعارة خارج نطاق الوقاية من فيروس نقص المناعة المكتسبة والأمراض الجنسية، واعتماد تشريعات دولية لإنهاء استهلاك المواد الإباحية على شبكة الإنترنت وغيرها من المنصات التجارية.

واختتمت أعمال المؤتمر بتأكيد المشاركات تصميمهنّ على التعاون في إنهاء الاستغلال الجنسي للنساء، والتعاون مع المؤسّسات التعليمية والإعلامية والثقافية على رفع الوعي بشأن هذه الجريمة من خلال حملات منظمّة متواصلة تبرز التحيز ضد المرأة، لا سيما في المجالين الاقتصادي والاجتماعي.

زر الذهاب إلى الأعلى