بماذا تخبرنا بيانات التجارة والمخزون عن الطلب العالمي على النفط؟
بقلم: أنس بن فيصل الحجي

المشكلة أنه حتى بعد مرور عام أو أكثر لا يمكن التأكد من صحة هذه التقديرات

النشرة الدولية –

الاختلاف الكبير في توقعات الطلب على النفط بين “أوبك” ووكالة الطاقة الدولية كبير، لكن الخلاف أكبر من ذلك وأعمق لأن هناك هيئات وبيوتاً استشارية وبنوكاً تقترب توقعاتها من وكالة الطاقة الدولية أو “أوبك”، وهناك قليل ممن تختلف توقعاتهم عن الاثنتين.

“أوبك” تتوقع أن يرتفع الطلب العالمي على النفط بمتوسط قدره 2.2 مليون برميل يومياً في 2024، بينما تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن يكون أقل من مليون برميل يومياً، وهذا الفارق كبير وتاريخي. والمشكلة أكبر وأعقد من ذلك لأنه تاريخياً كانت تختلف التوقعات كثيراً مع بداية العام، لكن مع مرور الوقت تقترب التوقعات من بعضها بصورة كبيرة، وأحياناً تتطابق مع نهاية العام، لكن الأمور تغيرت في الفترات الأخيرة، فتقديرات نمو الطلب على النفط عام 2023 لا تزال تختلف عن بعضها بصورة كبيرة على رغم مرور ستة أشهر على نهاية العام، ولو نظرنا إلى الربع الأول من هذا العام نجد أن الخلافات كبيرة أيضاً. فوكالة الطاقة الدولية ترى أن الطلب العالمي على النفط نما بحدود 800 ألف برميل يومياً في الربع الأول من عام 2024 مقارنة بالربع الأول من عام 2023، بينما ترى “أوبك” أن النمو كان نحو 2.3 مليون برميل يومياً. وفي وقت نرى فيه بنكي “جي بي مورغان” و”مورغان ستانلي” أقرب في توقعاتهما إلى وكالة الطاقة الدولية، نجد أن بنك “غولدمان ساكس” يتوقع نمو الطلب العالمي على النفط بنحو 1.3 مليون برميل يومياً، بنما يرى بنك “سيتي” نمواً قدره 1.8 مليون برميل يومياً. وأكرر هنا مرة أخرى أن هذه التقديرات لما مضى، وليس لما هو متوقع. هذه الاختلافات الكبيرة تفقد ثقة التاجر والمستثمر والمستهلك والباحث في بيانات هذه المنظمات والبنوك، والمشكلة أنه حتى بعد مرور عام أو عامين أو أكثر لا يمكن التأكد من صحة هذه التقديرات، وليس هناك طريقة للتأكد من صحتها، وكل مجموعة تدعي أن توقعاتها صحيحة.

وعلى رغم أنه لا يمكن معرفة مقدار نمو الطلب العالمي على النفط كي تصحح التوقعات الخاطئة فإن هناك طرقاً تمكننا من الميول إلى طرف دون طرف أو معرفة من هو أقرب إلى الصواب من الأطراف الأخرى. فمثلاً معلومات التجارة الدولية بالنفط متوافرة وبيانات إنتاج الدول متوافرة والعلاقة بين بيانات التجارة النفطية لكل دولة واستهلاكها تاريخياً يمكن حسابها، كما أن بيانات المخزون متوافرة أيضاً.

الآن لدينا بيانات التجارة النفطية للأشهر الستة الأولى من العام، كما أن بيانات المخزون متوافرة أيضاً. هذه البيانات، إضافة إلى بيانات أخرى، تؤكد أن كلاً من “أوبك” ووكالة الطاقة الدولية متطرف في توقعاته، ويتبين أن تفاؤل “أوبك” بنمو الطلب العالمي على النفط مفرط. فمتوسط واردات النفط العالمية انخفض في الأشهر الستة الأولى من العام الحالي بمقدار 190 ألف برميل يومياً مقارنة بواردات الأشهر الستة الأولى من العام الماضي، وفقاً لبيانات شركة متابعة السفن “كبلر”. وإذا كان هناك نمو كبير في الطلب العالمي على النفط كما تتوقع “أوبك”، فيجب أن نرى زيادة في الواردات، وهذا لم يحصل. وإن قيام دول “أوبك” بالاستمرار بتخفيض الإنتاج يوضح أن تقديرات “أوبك” مبالغ فيها.

وانخفض متوسط واردات النفط الصينية بمقدار 150 ألف برميل يومياً، إلا أن علينا أن تنذكر أن الصين كانت تسحب من مخزوناتها، مما يعني أن الطلب على النفط أعلى مما توحي به الواردات، لكنه أقل مما تتوقعه “أوبك”. والمخزون في الأشهر الستة الأولى من العام انخفض بنحو 45 مليون برميل يومياً مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وهذا يترجم إلى نحو 250 ألف برميل يومياً. هذه الأرقام لا تدعم توقعات “أوبك” على الإطلاق، والتي ترى أن نمو الطلب على النفط كان أضعاف هذه الأرقام، علماً أن الإنتاج ارتفع بصورة طفيفة. والآن يتضح من البيانات التي صدرت حديثاً أن النمو الاقتصادي في الصين كان أقل مما كان متوقعاً، وأقل من خمسة في المئة التي كانت تخطط لها الحكومة.

متوسط واردات الهند في الأشهر الستة الأولى من العام الحالي أعلى من واردات الفترة نفسها من العام الماضي بمقدار 20 ألف برميل فحسب، وفقاً لـ”كبلر”، كما أن المخزون انخفض بنحو 600 ألف برميل يومياً، وفقاً لـ”كبلر” أيضاً، أو ما يعادل 3 آلاف برميل يومياً، وهي كمية لا تذكر. هذه الأرقام لا تدعم توقع “أوبك” زيادة نمو الطلب على النفط في الهند بـ300 ألف برميل يومياً في النصف الأول من هذا العام. وهذا يتنافى مع ما قيل عن نمو كبير في الطلب على النفط نتيجة “نمو كبير” في النمو الاقتصادي. وكنت قد حذرت مرات عدة في السابق أن هناك مبالغات وكذباً أحياناً في أرقام الهند بسبب الانتخابات.

انخفض متوسط واردات اليابان بكمية كبيرة: 290 ألف برميل يومياً، بينما ارتفعت واردات كوريا الجنوبية بنحو 210 آلاف برميل يومياً. هنا يمكن القول إن هناك زيادة كبيرة في الطلب، لكن علينا أن نكون حذرين لأن كوريا الجنوبية تستورد النفط الروسي وتعيد تصديره، إذ إن الصادرات، وفقاً لـ”كبلر”، ارتفعت في الفترة نفسها بمقدار 137 ألف برميل يومياً، ومخزونات اليابان وكوريا الجنوبية لم تتغير كثيراً.

ولعل أكبر مفاجأة لكثر هي زيادة واردات أوروبا من النفط بمقدار 288 ألف برميل يومياً في الأشهر الستة الأولى من العام الحالي مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. ولم تتغير المخزونات الأوروبية كثيراً عما كانت عليه في العام الماضي.

الطلب على النفط في أميركا الشمالية يعاني أيضاً، بخاصة أن وصول عدد المسافرين في الطائرات إلى أعلى مستوى له في التاريخ لم يترجم إلى زيادة ملحوظة في الطلب على وقود الطائرات، كما ارتفاع عدد الأميال للسيارات إلى أعلى مستوى لها في شهر مايو (أيار) الماضي لم يترجم أعلى زيادة ملحوظة في الطلب على البنزين والديزل.

طبعاً هناك مناطق أخرى لم تذكر مثل أفريقيا وأميركا اللاتينية والشرق الأوسط وبقية دول آسيا، إلا أن الزيادة فيها محدودة وتم التركيز على الدول التي كانت يتوقع فيها تغير كبير في الطلب.

خلاصة القول إن تفاؤل “أوبك” في غير محله، وتخفيضات “أوبك+” للإنتاج في وقت بقيت فيه أسعار النفط في الثمانينيات، تؤكد ذلك، كما أن تشاؤم وكالة الطاقة الدولية في غير محله أيضاً. وأقل ما يمكن القول عن توقع وكالة الطاقة الدولية المنخفض إنه توقع متحيز ومجير، وكما قامت في العام الماضي بتعديل توقعاتها صعوداً قرب نهاية العام، من المتوقع أن تكرر الأمر نفسه هذا العام.

زر الذهاب إلى الأعلى