الهجوم الإيراني ورمزية “تيشا بآف”!
بقلم: فارس خشان
حتى غروب اليوم الثلاثاء، يستمر صيام اليهود في “يوم النكبات”. في مثل هذا اليوم من كل سنة، يستذكر اليهود ما ألمّ بهم من كوارث تاريخية بدأت مع تهديم نبوخذنصر الهيكل الأورشليمي في القرن السادس قبل الميلاد، والسبي إلى بابل الذي أنهاه الشاه الإيراني سيروس أو “كورش الكبير”، واكتملت مع الحملة الرومانية التي انتهت هي الأخرى، في القرن الأول الميلادي، بتهديم الهيكل نفسه الذي كان قد أعيد بناؤه.
وهذا اليوم الذي يطلق عليه الإسرائيليّون إسم “تيشا بآف” هو الذي خمّن كثيرون بأنّه سيكون موعد “الانتقام الإيراني” لاغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية، في جناح ضمن إنشاءات تابعة للحرس الثوري الإيراني في طهران. ولهذا، فإنّ الاتصالات والمساعي والمواقف الهادفة إلى تسجيل محاولة “أخيرة” للحيلولة دون حصول الهجوم الإيراني تكثفت بشكل ملحوظ، تزامناً مع استكمال الأوامر الأميركية لتعزيز وجودها العسكري الوازن في البحر الأبيض المتوسط، إضافة إلى مواقع استراتيجية في البحر الأحمر.
وبغض النظر عن مدى دقة التخمين، فإنّ الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله سبق أن أشار إلى هذا الموعد، بصورة غير مباشرة، عندما أعلن، مؤخراً، أنّ هناك إسرائيليين يأخذون على نهج رئيس حكومتهم بنيامين نتنياهو بأنه سوف يؤدي إلى الخراب الثالث للهيكل.
وفي “طوفان الأقصى”، تلعب الرمزيات دوراً أساسيّاً في الحرب النفسية التي هي جزء لا يتجزأ من الحرب العسكرية، ولن يكون هناك عامل مؤثر أكثر من تحوّل بلاد فارس التي قادت تاريخيّاً، وفق الموروث الثقافي، إنقاذ الشعب اليهودي إلى الدخول مباشرة إلى عملية “الخراب الثالث”، بسبب النهج الذي تتبعه حكومة نتنياهو.
ولا يمكن إيران أن تفتش عن ردّ يُظهر اغتيال هنية “عملاً غبيّاً” كما تصر الأدبيات الإيرانية، إلّا من خلال الرمزيات، لأنّ الحدود المادية لأي هجوم عسكري تبقى محدودة، في ظل “طوق الدفاع” عن إسرائيل من جهة، وعدم قدرة “حزب الله” على إيلام إسرائيل وعدم التسبب بتوسيع الحرب في آن، من جهة أخرى.
وفي رمزية الهجوم الإيراني على إسرائيل في ذكرى “تيشا بآف”، تكون إيران قد أعطت، بالملموس، أن الشاه الإيراني أخشورش، المعروف أيضاً باسم خشايارشا الأول، أخطأ عندما استمع إلى إستير وناصرها على وزيره الأول هامان الذي كان يخطط لتنفيذ مجزرة بحق الشعب اليهودي الموجود في بلاد فارس، في حينه.
ومن يعطي هذا التخمين حظوظاً عالية، يأخذ في الاعتبار أنّ المسافة الزمنية التي فصلت الرد على استهداف قيادة فيلق القدس في القنصلية الإيرانية في دمشق تكون قد استنفدت نفسها بخصوص زمن الرد على هنية مع حلول “يوم النكبات”. الرد على قصف القنصلية جاء بعد 12 يوماً. ومع حلول “تيشا بآف” تكون هذه المدة قد انتهت، وأعطت الاتصالات الدبلوماسية والاستخبارية والاستعدادات العسكرية مداها.
ومن الآن حتى انتهاء “ذكرى النكبات”، تستطيع إيران أن تختار ساعة غير معلنة لبدء هجومها، بغض النظر عن أنّه سيتم اكتشافه بعد دقائق من خلال الأقمار الصناعية التي ترصد كل ما يحصل، لأنّها، وتحت حجة إجراء تدريبات للحرس الثوري على إطلاق الصواريخ، تغلق مجالها الجوي يوميّاً، في المدة الزمنية الصالحة لشن هجومها.
ويعتبر محللون استراتيجيون أنّه كما الإسراع في الردّ على أي هجوم يحمل في طيّاته “أخطاء استراتيجية”، كذلك الأمر بالنسبة إلى تأخير الرد، إذ يعكس ضعفاً بنيويّاً عند المهاجم، ويظهره مربكاً داخليّاً، وتائهاً عسكريّاً، ومن دون “بنك أهداف” استخبارياً، وغير واثق بقدرته على تحمل أي ردّ محتمل على الردّ المفترض.
وبالفعل، بدأت الصحافة العالمية في الساعات القليلة الماضية تتحدث عن خلافات داخل إيران حول مبدأ الردّ نفسه، بحيث بدت مقتنعة بأنّ مسعود بزشكيان، الرئيس الجديد الذي ينتظر الموافقة على تشكيلته الحكومية الرامية إلى التوفيق بين المتشددين والإصلاحيين، يطالب بعدم الهجوم على إسرائيل، لأنّها إذا ردت، بطريقة موجعة، من شأنها أن تطيح خططه الاقتصادية قبل أن تبدأ، في ظل كثرة التهويل بإمكان استهداف أهم نقطة لاستخراج النفط في البلاد. لكنّ الحرس الثوري الإيراني يرفض ذلك، ويعتبر عدم الردّ تشجيعاً لإسرائيل على اغتيال من تشاء وساعة تشاء على الأراضي الإيرانية، ويحرم بالتالي إيران من قوة الردع.
وقوة الردع هذه ليس لها الكثير من الأتباع، لأنّ هجوم 13 نيسان (أبريل) الماضي لم يحُل دون اغتيال هنية لاحقاً، قبيل حلول فجر الأول من آب (أغسطس). ثمة مروحة واسعة من القيادات والمحللين في العالم يعتقدون أنّ إسرائيل التي كانت تعرف الغضب الذي سوف تثيره في اليمن ولبنان وإيران، ذهبت عن “سابق تصور وتصميم” إلى تفجير مرفأ الحديدة، وإلى اغتيال كل من القائد العسكري لـ”المقاومة الإسلامية في لبنان” فؤاد شكر، والقائد السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية.
هل يمر غروب “يوم النكبات” اليهودي من دون هجوم إيراني؟
ثمة من يعتقد أنّ الجواب ليس في طهران، بل في تل أبيب، لأنّ صاحب القرار في إيران لا ينتظر تحديد الهدف ولا اختيار السلاح المناسب، بل ينتظر أن يحظى على جواب عن الردّ المحتمل لمن يقول إنّه، بمواجهته حبل إيران الملفوف حول إسرائيل، إنّما يهدف إلى منع حصول “الخراب الثالث للهيكل”.