معضلة توقعات الطلب على النفط
بقلم: أنس بن فيصل الحجي
النشرة الدولية –
البيانات تشير إلى زيادة قوية في الطلب على النفط في أوروبا على رغم انتشار السيارات الكهربائية
عدّلت “أوبك” في تقريرها الشهري الذي صدر أمس توقعاتها لنمو الطلب العالمي على النفط هبوطاً لعامي 2024 و2025. وذكر التقرير أنه تم تخفيض متوسط الطلب على النفط في عام 2024 بمقدار 135 ألف برميل يومياً إلى 2.1 مليون برميل يومياً. كما خفض متوسط الطلب العالمي على النفط في عام 2025 بمقدار 65 ألف برميل يومياً إلى 1.8 مليون برميل يومياً.
أما وكالة الطاقة الدولية فهي ترى في تقريرها الصادر في شهر يوليو (تموز) (كتب هذا التقرير قبل أن يصدر تقرير أغسطس/آب) أن الطلب العالمي على النفط سينمو بمقدار 970 ألف برميل يومياً فقط في عام 2024. وترى إدارة معلومات الطاقة الأميركية أن الطلب سينمو بمقدار 1.1 مليون برميل يومياً للعام نفسه. أما توقعات البنوك والبيوت الاستشارية تترواح بين 1.1 و1.8 مليون برميل يومياً. وكان أمين ناصر، الرئيس التنفيذي لشركة “أرامكو”، قد ذكر منذ أسبوع أنه يتوقع أن الطلب العالمي على النفط سينمو بين 1.6 ومليوني برميل يومياً في النصف الثاني من هذا العام. وكان قد ذكر في وقت سابق أنهم يتوقعون أن يكون متوسط الطلب على النفط في 2024 بحدود 1.5 مليون برميل يومياً.
وتتوقع الشركة التي يعمل فيها كاتب هذا المقال أن ينمو الطلب العالمي على النفط بمقدار 1.48 مليون برميل يومياً.
الملاحظ هنا أن كل التوقعات تقع بين توقع وكالة الطاقة الدولية المنخفض، وبين توقع “أوبك” المرتفع. وكنت قد ذكرت في مقالات ولقاءات تلفزيونية أن توقعات “أوبك” متفائلة وتوقعات وكالة الطاقة متشائمة والواقع بينهما، لهذا يتوقع أن تعدل وكالة الطاقة الدولية أرقامها صعوداً وأن تعدل “أوبك” أرقامها هبوطاً.
التعديل الذي أعلنت عنه “أوبك” كان متوقعاً لأن توقعاتها لنمو الطلب العالمي على النفط في الربع الأول كانت عالية، وبفارق كبير عن توقعات غيرها من جهة، وبأرقام لا تدعمها البيانات الأخرى مثل بيانات التجارة الدولية في النفط والمخزون. وكان الفارق بين توقعات “أوبك” ووكالة الطاقة الدولية للطلب في الربع الأول صارخاً حيث توقعت “أوبك” نمواً قدره 2.3 مليون برميل يومياً وتوقعت الوكالة أن يكون النمو 800 ألف برميل يومياً فقط. المشكلة أن العديد من الدول المهمة لا تنشر بيانات الطلب على النفط، بخاصة الصين، لهذا يقوم المحللون بالنظر إلى كافة البيانات المتاحة ثم محاولة حساب الطلب عليها. المشكلة الأخرى أن “الطلب” يختلف عن “الاستهلاك”، والطلب لا يعبر عن النمو الاقتصادي بينما نجد علاقة قوية بين الاستهلاك والنمو الاقتصادي، وذلك لأن الطلب يتضمن التخزين التجاري والاستراتيجي. بعبارة أخرى، يجب الحذر عند القول إن الاستهلاك في الصين يزاداد بسبب زيادة الواردات لأن هذه الزيادة قد تذهب كلها أو أغلبها للمخزون. وعادة ترتفع المخزونات في فترات انخفاض النمو أو الركود الاقتصادي.
وعلينا ألا نستغرب أن تقوم “أوبك” بتعديلات أخرى مستقبلاً تخفض فيه توقعاتها لأن بيانات التجارة الدولية بالنفط وبيانات المخزون تبين أن معدلات نمو الطلب والاستهلاك في الدول الرئيسة مازالت محدودة.
ففي الصين انخفضت الواردات في النصف الأول من العام الحالي مقارنة بالنصف الأول من العام الماضي بمقدار 146 ألف برميل يومياً، وفقاً لبيانات شركة “كبلر”. وانخفض المخزون في النصف الأول من عام 2024 بنحو 47 مليون برميل إلى متوسط قدره 929.5 مليون برميل. وهذا يترجم إلى انخفاض قدره 250 ألف برميل يومياً. وارتفع إنتاج النفط في النصف الأول من 2024 بنحو 1.8 في المئة ليصل إلى 4.37 مليون برميل يومياً في يونيو (حزيران). واستقرت صادرات النفط فعلياً منذ بداية العام عند حوالى 3.8 مليون برميل يومياً. هذه الأرقام لا تدعم تفاؤل “أوبك” بشأن نمو الطلب العالمي على النفط بشكل عام، وفي الصين بشكل خاص. فقد توقعت “أوبك” أن الطلب على النفط في الصين سينمو بمقدار 1.06 مليون برميل يومياً في الربع الأول و0.840 مليون برميل يومياً في الربع الثاني.
ولا تدعم البيانات تقديرات وكالة الطاقة الدولية أيضاً حيث تتوقع وكالة الطاقة الدولية عدم وجود نمو في الربع الثاني، لكن الزيادة في الإنتاج والسحب من المخزون يثبتان أنه كان هناك نمو بما لا يقل عن 350 ألف برميل يومياً.
وبيانات الهند لا تؤيد فكرة النمو الكبير في الطلب على النفط أيضاً. فتقديرات “أوبك” لنمو الطلب الهندي على النفط في الربعين الأول والثاني من العام تبلغ 300 ألف برميل يومياً. تقديرات وكالة الطاقة الدولية أقل: 190 ألف برميل يومياً في الربع الأول و170 ألف برميل يومياً في الربع الثاني.
لكن واردات الهند من النفط انخفضت في الربع الأول بمقدار 40 ألف برميل يومياً واستقرت في الربع الثاني. وانخفضت مخزونات النفط بمقدار 600 ألف برميل في النصف الأول على أساس سنوي بينما ارتفع إنتاج الهند من النفط الخام والمكثفات بشكل طفيف بنسبة 1.4 في المئة خلال النصف الأول من العام الماضي. كما ارتفعت الصادرات بنسبة 1.1 في المئة. هذا كله يدل على ضعف النمو الاقتصادي في الهند على رغم الأرقام الوردية التي تصدرها الحكومة.
وكان هناك انخفاض كبير في استهلاك اليابان من النفط كما انخفضت الواردات أيضاً وذلك بسبب عودة المفاعلات النووية للتوليد الكهرباء، حيث انخفضت واردات النفط بمقدار 250 ألف برميل يومياً في الربع الأول و350 ألف برميل يومياً في الربع الثاني.
وعلى رغم زيادة واردات كوريا الجنوبية من النفط، إلا أن جزءاً كبيراً منه، بخاصة النفط الروسي، يعاد تصديره، ومن ثم فإن الطلب أقل مما تظهره الواردات.
وتشير البيانات إلى تحسن في الطلب على النفط في الولايات المتحدة، بخاصة في أسواق البنزين ووقود الطائرات. إلا أن هناك انتقادات شديدة لأرقام البنزين لشهر مايو (أيار) حيث أشارت الإدارة إلى زيادة ضخمة في استهلاك البنزين، إلا أن الزيادة في استهلاك وقود الطائرات يؤيدها عدد المسافرين والطائرات.
وتشير بيانات شركة “كبلر” إلى زيادة ملحوظة في واردات أوروبا من النفط مصحوبة بانخفاض الصادرات وانخفاض طفيف في المخزون. هذه البيانات تشير إلى زيادة قوية في الطلب على النفط على رغم انتشار السيارات الكهربائية. ومن ثم فإن أكبر مفاجأة في أسواق النفط حتى الآن هي نمو الطلب في أوروبا، على رغم توقع وكالة الطاقة الدلوية و”أوبك” انخفاضه فيها.
خلاصة القول إن تعديل “أوبك” للطلب على النفط هبوطاً يسهم في استقرار الأسواق، وعلينا ألا نستغرب إذا قامت بتعديلات أخرى مستقبلاً، في الوقت الذي ستقوم فيه وكالة الطاقة الدولية برفع توقعاتها للطلب العالمي على النفط.