جيل حفر في الصخر والبحر
بقلم: حمزة عليان

الجريدة –

أي صالة اجتماعية تحمل اسم صاحبها تعتبر قيمة إنسانية في العطاء، وهذا ما دأب عليه أهل الكويت، يكفي أن تذهب إلى أي منطقة حتى تجد صالة تبرع بها أحد أبناء هذا البلد لتكون حاضنة لكل المناسبات والأفراح.

اليوم نشهد نموذجاً مختلفاً من الصالات، بحيث أعطيت لهذه المساحة من البناء هوية جديدة لم يكن أحد يفكر فيها أو يماثلها، فقد ذهبت مع الصديق محمد كمال مؤسس فريق (إكسبو-965) للمعارض التراثية إلى صالة العم إبراهيم طاهر البغلي في منطقة الرميثية، وقمنا بجولة تعريفية، وإذ بها متحف تراثي لتاريخ الكويت.

الصالة الجديدة غيرت مفهوم الصالات الاجتماعية، وأعطتها صورة مختلفة تماماً عما شاهدناه، فالمبنى الخارجي على الطراز الإسلامي في فن العمارة، كأنك أمام مبنى تلفزيون الكويت من حيث التصميم والشكل الهندسي، وربما كان لعمل العم البغلي في متحف الكويت صلة ما في تجسيد مظاهر التراث المعماري في هذا العمل الذي افتتح منذ أسبوعين تقريباً.

وقف الأخ «أبومالك» يشرح لنا كيف ولدت فكرة المعرض التراثي الدائم، واستمر العمل مع فريقه سبعة أشهر في التجميع والانتقاء، بحيث يكون الاختيار متناسباً ومتناسقاً مع الغرض الذي أقيم من أجله.

مجموعات نادرة وفريدة، وتكاد تكون الأولى من نوعها في الكويت، تحمل الموروث الكويتي، بجناحيه البحر والبادية،

وما يلفت النظر أن تصميم القاعة يوحي للزائر أنه أمام واجهات زجاجية وخشبية أعدت بحرفية عالية وعرضت فيها مقتنيات نادرة وأصلية، جمعت أدوات البيت الكويتي القديم.

سقف القاعة وما يحيط بها داخل الصالة ينقلك إلى عوالم تراثية، حيث تشاهد أخشاب الجندل التي تعني مزيجاً من حكايات ومغامرات الأسفار في البحار الواسعة، وتستعيد صورة بيوت أهل الكويت قديماً، بساطة البناء الذي كان يعمتد على مواد مثل الباسجيل والجص والحشرج إلى جانب خشب الجندل المستورد لتسقيف المنازل، أما الباسجيل فهو نوع من أعواد شجر البامبو الفارغة والغليظة وتسمى الواحدة منها باسجيلا، وكانت تصف متقاطعة وعلى مسافات متقاربة فوق أخشاب الجندل وتثبت فيها بالمسامير.

استغرقت الجولة نحو ساعتين أخذنا فيها إلى تراث أهل البحر والغوص والسفن والقلاليف وإلى تراث أهل البادية، وفوق كل هذا أنواع من المقتنيات الخاصة التي كانت تستعمل في البيت الكويتي القديم.

ستكون تجربة جديرة بالتوقف عندها بل نسخها، فقد ولدت على أيدي أبناء جيل عرفوا معنى التراث وحفظه وحمايته من الآثار أمام زمن معالم الحداثة والعولمة، فالحنين إلى التراث يلامس ذاكرة المعمرين ويعطي دروسا لمن جاء بعدهم وبالمصاعب التي كانت تواجههم، فهم من جيل حفر في الصخر والبحر، كما كانت الجملة تتردد على مسامعي من المرحوم العم عبدالعزيز الشايع التي يحلو له أن يثني عليها بعدما سمعها من المرحوم أحمد الربعي.

هذا الجيل استطاع بمجهوده وأسفاره أن يتأقلم ويتعايش مع حياة صعبة لكنها حلوة بما أخرجته إلى النور، ولم يكن لهذا المشروع أن يتحقق لولا إيمان القائمين عليه بأهمية العمل التطوعي والخيري أولاً وبقيمة التراث الكويتي بكل أشكاله وأنواعه والحفاظ عليه، وتلك نقلة نوعية في دور الصالات الاجتماعية ووظيفتها ومفهومها، التي ستبقى علامة فارقة في إيجاد وسيلة اجتماعية تربط جيل الحاضر ومن سيأتي بعده بتراث الآباء والأجداد.

زر الذهاب إلى الأعلى