((طوفان الأقصى)) والمتغيرات التي طرأت على واقع الإقليم!!
بقلم: رجا طلب

النشرة الدولية

  • مقدمة:

 

لم يكن طوفان الاقصى فعلا عسكريا تقليديا مثلما هو حال المواجهات الفلسطينية – الاسرائيلية منذ 75 عاما بل كانت هذه المواجهة التى دخلت عامها الاول قبل عدة ايام مواجهة على عدة مستويات عسكرية وسياسية وانسانية واعلامية شغلت العالم على مدى عام كامل واحتلت المساحة الاكبر والاوسع في تاريخ الدبلوماسية الاميركية (10 زيارات فاشلة لانتوني بلينكن للمنطقة) والتى تاتي بالترتيب بعد زيارات هنري كيسنجر من اجل بناء السلام بين مصر واسرائيل خلال حقبة السبعينات، كما شغل طوفان الاقصى ايضا شوارع العالم وشعوبه ربما كاكثر قضية راي عام في عصرنا الحديث واعاد هذا الانشغال الاهتمام والحضور السياسي والانساني للقضية الفلسطينية التى كادت ان تدخل «ثلاجة الموتى» بعد مشروع «صفقة القرن» لترامب و«اتفاقيات السلام الابراهمية» في المنطقة.

 

حماس قبل وبعد الطوفان:

 

احدث طوفات الاقصى في السابع من اكتوبر هزة كبرى ومفاجئة لدى العديد من الاطراف في الشرق الاوسط وبخاصة الاطراف المتشابكة بشكل او باخر بالقضية الفلسطينية وحساباتها السياسية حيث كان الانطباع السائد لدى معظم هذه الاطراف ان حركة حماس ليست معنية بحروب جديدة مع اسرائيل وخاصة بعد امتناعها عن المشاركة الى جانب حركة الجهاد الاسلامي في المواجهة مع اسرائيل في اغسطس من عام 2022 مما عزز الانطباع لدي الجانب الاسرائيلي ان حماس باتت «مرتدعة». حيث نجحت الحركة بعد ذلك بتنفيذ اكبر واعقد عملية خداع للجانب الاسرائيلي تفوقت فيها على تلك التى قام بها الجيش المصري قبيل حرب 6 اكتوبر عام 1973، وبدات حماس بعد حرب عام 2014 المسماة «العصف المأكول» خطتها الاستراتيجية في بناء الانفاق في غزة بشكل ممنهج ومدروس استعدادا على ما يبدو لشن هجوم السابع من اكتوبر على اسرائيل الذى خُطط له كما يبدو بسرية تامة للدرجة التى فاجأت قيادة حماس في الخارج باستثناء الشهيد اسماعيل هنية (رئيس الحركة وقتذاك) حيث كان الوحيد الذي علم بخطة الهجوم وتكتم على القرار، فيما كان عدد محدود للغاية من قادة حماس في غزة يعلمون به، اما الذين نفذوا الهجوم من قوات القسام فالمعلومات تتحدث عن انهم علموا بالهجوم قبل ساعات قليلة من بدئه وتم عزلهم تماما لمنع تواصلهم مع العالم الخارجي وسُحبت منهم الهواتف النقالة لضمان الحفاظ على السرية التامة لحين بدء الهجوم.

 

ابرز سمات طوفان الاقصى:

 

استطيع القول ان حماس وبهجوم طوفان الاقصى كسرت عدة قواعد اعتمدتها دولة الاحتلال منذ عام 1948 وبخاصة اسس نظرية الامن القومي الاسرائيلي التى وضعها بن غوريون والقائمة على ثلاثة مرتكزات وهي:

 

  • قوة الردع

 

  • التفوق الاستخباري

 

  • الحسم السريع

 

عمليا كُسرت المرتكزات الثلاثة المشار اليها في العدوان الاسرائيلي على غزة، فهذه الحرب امتدت لعام كامل والتقديرات انها قد تمتد الى ما بعد الانتخابات الاميركية ودخول رئيس جديد الى البيت الابيض في عام 2025، وسجلت عملية طوفان الاقصى اكبر وافدح فشل استخباري في تاريخ دولة الاحتلال منذ عام 1948، يضاف لماسبق الفشل في تحقيق «الحسم السريع» وها هي اسرائيل تخوض الان حرب استنزاف طويلة مع حركة حماس كلفتها المالية حسب تقرير لصحيفة كالكاليست الإسرائيلية المختصة بالاقتصاد بلغت ما بين 130 مليار شيكل (37 مليار دولار) إلى ما بين 140 و150 مليار شيكل اي حوالي (39.5 – 42.4 مليار دولار) كما اشارت الصحيفة إلى أن هذه التكاليف لا تشمل إمكانية شن عملية برية في لبنان (بدات مع كتابة هذا التقرير) أو مواجهة مباشرة مع إيران، وهو ما يعني أن التكلفة قد ترتفع أكثر حال حدوث تصعيد إضافي، اما على مستوى الخسائر البشرية وهو الامر المهم والحساس جدا لدى اسرائيل فقد بلغت تلك الخسائر اكثر من 1200 قتيل منهم قرابة 720 من جيش الاحتلال والرقم قابل للزيادة مع استمرار القتال.

 

ماساة غزة!!

 

في المقابل كانت حصيلة عام من العدوان الاسرائيلي على غزة، حصيلة ماساوية دمر خلالها الاحتلال 80 ألف وحدة سكنية تدميرا كاملا من ضمن 370 ألف وحدة تضررت بفعل القصف الإسرائيلي، وفقا للتقرير الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا وتسبب هذا الدمار في تشريد 1.7 مليون شخص حتى 2 أبريل 2024 الماضي حسب منظمة الصحة العالمية وتحتاج إعادة بناء جميع المنازل في حال توقفت الحرب الى 16 سنة أي حتى عام 2040، كما تم تدمير أكثر من 117 مدرسة وجامعة كليا، و332 مدرسة وجامعة جزئيا حسب مركز الإحصاء الفلسطيني، والتي تحولت إلى مراكز لإيواء آلاف النازحين اما اعداد الشهداء من المدنيين فقد بلغ اكثر من 42 الف شهيد وقرابة 84 الف جريح.

 

من المنتصر ومن المهزوم؟

 

مع بداية العدوان على قطاع غزة اعلن بنيامين نتنياهو عن اهداف هذا العدوان والمتمثلة بما يلي:

 

  • القضاء على حركة حماس.

 

  • استعادة الاسرى.

 

  • ضمان عدم تشكيل غزة تهديدا لاسرائيل في المستقبل.

 

وفي مطلع سبتمبر الماضى اعلن نتنياهو عن هدف جديد الا وهو عودة سكان مستوطنات وقرى شمالي فلسطين المحتلة الى بيوتهم عبر ردع «حزب الله»، وغلف كل هذه الاهداف بعبارة «النصر المطلق»، غير ان معطيات الواقع تقول ان نتنياهو بات اليوم غارقا هو وجيشه في رمال غزة وفي وحل لبنان وان تلك الاهداف لم تتحقق بعد، وهو ما يجعلني اتساءل هل عدم تحقيق تلك الاهداف هي هزيمة لنتنياهو ونصرا لحماس وحزب الله ام هي حلبة صدام دموية رمادية لم يحقق فيها اي من الطرفين نصرا على الطرف الاخر الى الان؟

 

اللاعبون الاقليميون:

 

  • الاردن ومصر:

 

بحكم الواقع الجيوسياسي لغزة والضفة الغربية المشتعلة منذ 7 اكتوبر فان الاردن ومصر هما طرفان اساسيان معنيان بما يجرى، وعمليا ما يؤرق الطرفين هي السياسات اليمينية المتطرفة لهذه الحكومة التى تؤمن بان الحل الاستراتيجي في غزة وفي الضفة ايضا هو «التهجير» وعمليا بدا الاحتلال في غزة بخلق بيئة طاردة وقاتلة من خلال الابادة الجماعية وتدمير البنى التحتية والتجويع وتجاهل انتشار الامراض والاوبئة بين الغزيين، ويعد التهجير لدى الاردن ومصر خطرا على الامن القومي للطرفين مما جعل الاردن وعبر تحركات جلالة الملك ووزارة الخارجية يركز كل جهوده ويوظف كل علاقاته الدولية لفضح هذا الهدف ومنع حدوثه وهو ما انعكس بصورة مباشرة على العلاقة مع اسرائيل وانتقالها من مرحلة البرود والفتور الذي عاشته لسنوات طويلة الى محطات من الصدام الدبلوماسي والتوتر الشديد في العلاقة، وعمليا كانت هذه هي السمات الاساسية للعلاقات الاردنية – الاسرائيلية لكل سنوات حكم نتنياهو سواء في المرحلة الاولى (1996 – 1999) او المرحلة الحالية والممتدة من عام 2009 والى اليوم.

 

ومثلما هو حال الاردن كان حال مصر التى وبحكم التشابك التاريخي والديمغرافي مع قطاع غزة والجوار الجغرافي له فقد انخرطت في دور الوساطة لنزع فتيل الحرب واعادة الاستقرار للقطاع تماشيا مع دورها هذا منذ عام 2008 الى اليوم بالاضافة لدورها في جولات المصالحة الفلسطينية بعد الانقسام الحاد والصدام المسلح بين فتح وحماس في عام 2007.

 

يعد منع التهجير من غزة الى سيناء هو الهدف الاساسي الذي تعمل عليه مصر ولا تبدي اي تهاون في منعه خاصة مع تزايد دعوات اليمين بشقيه الديني والقومي للبدء بمشاريع استيطان في قطاع غزة وطرد سكانه بعد انتهاء الحرب وهو ما تسبب ايضا بفتور ملحوظ في العلاقة بين القاهرة وتل ابيب.

 

  • قطر وتركيا:

 

اما بخصوص اللاعبين الابعد جيوسياسيا نجد ان قطر ومعها تركيا لاعبان اساسيان رغم البعد الجغرافي وبخاصة قطر التى ارتبطت ومنذ 1999 بعلاقة قوية مع قيادة حركة حماس في غزة وباتت الدوحة الداعم الاهم للحركة ماليا وسياسيا، اما تركيا فهي وبحكم الايدولوجيا السياسية – ذات التوجهات الدينية القريبة من حركة الاخوان المسلمين فشكلت هي الاخرى حالة داعمة لحماس ووفرت ملاذا آمنا لعدد كبير من قياداتها وتصادمت دبلوماسيا بصورة علنية وقوية مع حكومة نتنياهو في المحافل الدولية بسبب هذا التوجه، اما قطر فقد وظفت دورها للقيام بدور الوسيط بين حماس واسرائيل على ارضية الحفاظ على مصالح الحركة بصورة اساسية وقدمت لحماس ما يقارب من 1.8 مليار دولار منذ بداية الالفية الحالية بشكل علني وبموافقة الجانب الاسرائيلي، غير ان مواقف قطر الداعمة لحماس خلال عام من طوفان الاقصى تسبب بتوتر كبير في العلاقات مع حكومة نتنياهو وهو ما جعل هذا الاخير يعمل على عرقلة الجهود القطرية – المصرية لايجاد تسوية للوضع في غزة وتخريب كل فرص عقد صفقة تبادل للاسرى تنهي الحرب وهي التي باتت بالنسبة له بمثابة نوع من انواع الهروب الى الامام وكسب الوقت بانتظار فوز ترامب او تحقيق ما اسماه النصر المطلق.

 

  • ايران اللاعب الاخطر:

 

منذ نجاح الثورة الايرانية والاطاحة بشاه ايران محمد رضا بهلوي عام 1979 تبني قائد الثورة الامام الخميني مبدأ «تصدير الثورة» للخارج وهو ما سبب العداء مبكرا لايران كما ان هذا المبدأ تعثر تطبيقة على ارض الواقع وبقوة لسنوات طويلة بسبب الحرب الايرانية مع العراق (سبتمبر 1980 الى اغسطس 1988) الا ان ايران كانت وخلال الحرب تعمل على بناء تنظيمات تابعة لها في دول الجوار وبخاصة الكويت والمملكة العربية السعودية ولبنان وجرى تاسيس حزب الله عام 1982 والذي اصبح منذ ذلك التاريخ الذراع الطولى والاقوى لايران في الخارج، كما تعزز دور طهران الاقليمي وازدادت قوته بعد الاطاحة بصدام حسين عام 2003 ونجحت طهران في السيطرة على العراق وبناء نظام سياسي تابع لها وهو امر زاد من قوتها اكثر واكثر، وتضاعفت هذه القوة بعد الحرب في سوريا عام 2011 والتى تدخلت فيها ايران بشكل مباشر امنيا وميلشياويا لدعم نظام بشار الاسد ولتصبح ايران بذلك قوة اقليمية وازنة «تشاكس» السياسة الاميركية في الخليج والاقليم وتشكل حالة ندية ومنافسة لاسرائيل وطموحاتها.

 

منذ الثامن من اكتوبر دخلت ايران على خط الحرب في غزة عبر حزب الله وجبهة الاسناد التى اعلن عنها الامين العام السابق لحزب الله حسن نصر الله وتسبب هذا الاسناد في تهجير سكان شمالي فلسطين والبالغ عددهم قرابة 60 الف مستوطن اسرائيلي تركوا قراهم وبيوتهم ولم يعودوا اليها الى الان.

 

لقد فرض واقع مستوطنات شمالي فلسطين المحتلة على نتنياهو اضافة هدف جديد لاهداف الحرب الا وهو (عودة سكان الشمال لبيوتهم) وهو ما بدأ جيش الاحتلال بتنفيذه عبر عدد من عمليات الاغتيال التى طالت عددا كبيرا من قياديي حزب الله كان ابرزهم حسن نصر الله، مما جعل ايران تدخل بقوة على خط المواجهة مع اسرائيل وتوجه لها ضربة عسكرية مطلع اكتوبر الجاري وصفت بالقوية والاكثر دقة من تلك التى تمت في 14 ابريل الماضي.

 

واقع الحال يؤكد ان الحرب بين ايران وحلفائها من جهة واسرائيل من جهة ثانية قد بدات وبكل تاكيد فانها في كل الاحوال ستعيد رسم الاقليم من جديد وفق النتائج المترتبة على هذه المواجهة التى مازالت مفتوحة والتى لن تخرج عن الحالات التالية: اما «منتصر» او «مهزوم» او «مرتدع».

 

ابرز الاستخلاصات العامة:

 

  • كسر قوة الردع الاسرائيلية خلال عام من طوفان الاقصى وهو ما استدعى من اسرائيل الرد على ذلك بتدمير غزة وربما يصل الامر الى تدمير جنوبي لبنان لاستعادة قوة الردع من جديد (اعتماد نموذج غزة).

 

  • انهيار مريع لمبدا تفاني دولة الاحتلال في حماية مواطنيها وفي استرجاع اسراها مهما كان الثمن وابرز مثال على حالة التفاني هذه وقد تكون الحالة الاخيرة كانت صفقة «شاليط» والتى تضمنت الافراج عن 1027 أسيراً فلسطينياً مقابل أن تفرج حركة حماس عن الجندي الإسرائيلي الأسير جلعاد شاليط.

 

  • انكشاف العجز الاسرائيلي بشكل ملفت وانه لولا تدخل الولايات المتحدة ومساندتها المالية والعسكرية لتل ابيب لكانت هذه الاخيرة قد عجزت عن توفير حماية امنها القومي حيث بلغ حجم الدعم العسكري الاميركي لها 50 الف طن من الاسلحة المختلفة والمتنوعة بما فيها الطائرات الاحدث عالميا (F35) حسب بيان للجيش الاسرائيلي في اغسطس الماضي.

 

  • بروز نوعي لدور قوى المقاومة في رسم خرائط الصراع وحدوده وبخاصة حماس وحزب الله وحركة الجهاد الاسلامي والحوثيين.

 

  • زيادة قوة النفوذ الايراني في الاقليم وهو ما سيؤدي الى زيادة الاستقطابات داخل المنطقة مستقبلا.

 

  • بروز اسرائيل كقوة فوق القانون الدولي «كبلطجي» في المنطقة والاقليم وبلا رادع وامتلاكها اسلحة تدميرية هائلة وبخاصة سلاح الطيران اصبح يثير القلق العميق لدى بعض دولة المنطقة المتحالفة مع واشنطن لادراكها ان تل ابيب باتت هي الاولوية الاولى لدى واشنطن وان مصالحها وامنها اهم من مصالح الحلفاء العرب مجتمعين.

 

الاستنتاج

 

  • القضية الفلسطينية هي القضية المركزية والمحورية لكل العرب على مدى 75 عاما وبدون حل القضية الفلسطينية بما يحقق طموح الشعب الفلسطيني بالحرية واقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية فان امن دولة الاحتلال سيبقى مخترقا ومتزعزعا وان لا ضمانات لهذا الامن او استقرار الحياة العامة فيها، كما ان الامن القومي العربي هو الاخر سيبقى عرضة للاختراق والتدهور وعدم الاستقرار.
Back to top button