زيت زيتون مدعم في تونس: لِمَ لا؟
بقلم: منى المحروقي

النشرة الدولية –

العرب –

تغطي أشجار الزيتون ثلث المساحة الزراعية في تونس. ولا تقتصر زراعة هذه الشجرة على منطقة أو ولاية بعينها بل تمتد على كامل البلاد بما في ذلك أقصى الجنوب المعروف بمناخه الصحراوي الجاف.

وكنتيجة لذلك، يختلف طعم ولون زيت الزيتون من منطقة إلى أخرى، ليس بسبب اختلاف نوع الشجر المغروس أو طريقة عصره فقط بل أيضا لاختلاف نوعية التربة وخصوبة الأرض، حيث يكون الطعم مركزا ولاذعا في بعض الأحيان في الزيت المستخرج من زياتين الشمال والشمال الغربي، في حين يعرف زيت الجنوب بلونه الذهبي وطعمه الخفيف.

تاريخيا لم يكن الزيتون أو زيته سلعة تجارية في تونس، فقد كان يزرع على نطاق واسع للاستهلاك العائلي، وكانت أغلب المزارع بعلية، لكن مع تحوله خلال العقود التي تلت الاستقلال إلى منتوج موجه للتصدير انتشرت مزارع الزيتون السقوية خاصة في محافظتي سيدي بوزيد والقيروان وبحسب تقديرات وزارة الفلاحة فإن أكثر من نصف المحصول يأتي اليوم من الزراعات السقوية.

ومن المفارقة مثلا أن موسم 2023/2024 سجل ارتفاعا مقارنة بالموسم الذي قبله، رغم أنه جاء في ظل موجة من الجفاف لمس تأثيراتها سكان المدن تماما كما سكان الأرياف الذين يبدون اهتماما أكبر بالتساقطات عادة، حيث أقرت السلطات في صيف 2023 إجراءات استثنائية للتحكم في استهلاك المياه وفرضت عقوبات صارمة على من يتجاوزها. ويعكس ذلك اعتمادا متزايدا على السقي في هذه الزراعة.

تونس تحتل المرتبة الرابعة عربيا على مستوى الاستهلاك وذلك بـ30 ألف طن أي ما يقارب ثلاثة لترات لكل فرد وتأتي خلف سوريا ولبنان والمغرب، وفق آخر الإحصائيات

تتجاوز اليوم غراسات الزيتون السقوي 100 ألف هكتار بين مزارع خاصة وأخرى تابعة للدولة وتطمح وزارة الفلاحة إلى زيادة هذه المساحة لتصل إلى 150 ألف هكتار في أفق 2030 وهو ما سيزيد الإنتاج من زيت الزيتون الذي تجاوز هذه السنة 340 ألف طن ويضمن استقراره رغم التقلبات المناخية ويحافظ على حجم الصادرات وموقع تونس في ترتيب كبار المصدرين.

العائدات المهمة التي سجلتها المواسم الأخيرة وخاصة موسم 2023/2024 حيث تشير إحصائيات رسمية الى ارتفاعها بنسبة 80 في المئة حتى يوليو الماضي بقيمة تجاوزت 5 مليارات دولار (حوالي مليار وستمائة ألف دولار)، تعد مؤشرا على تعافي القطاع الذي تراهن عليه السلطات لتوفير العملة الصعبة لاسيما مع استمرار تعثر المحادثات مع صندوق النقد الدولي.

وصدرت قرارات خلال العامين الماضيين تتعلق بتنظيم تصدير زيت الزيتون بهدف تثمين قيمته والحفاظ على سمعته حيث منح قرار رئاسي أولوية التصدير للزيت المعلب البيولوجي، وهو ما يقلل من تصدير الزيت السائب الذي يباع بسعر أقل ويقال إن دولا مثل إيطاليا وإسبانيا تعيد تعليبه وبيعه كمنتج أوروبي وليس تونسيا.

قبل أيام انطلق موسم جني الزيتون. وكالعادة ترافق ذلك مع انتقادات التونسيين لأسعار الزيت والرهان الحكومي المفرط على تصديره على حساب توجيهه للسوق المحلية وهو ما يصنفه البعض في خانة الحرمان الممنهج للتونسيين من هذا المنتج.

في 2017 أثار وزير الفلاحة التونسي حينئذ سمير الطيب جدلا واسعا وسخرية بعد أن قال إن زيت الزيتون لا يدخل ضمن عادات التونسي الغذائية ولا يستخدم في الطبخ ويفضل أنواعا أخرى من الزيوت، لذلك فإن السوق المحلية لا تحتمل أكثر من 30 طنا سنويا من الزيت. ومن الواضح أن الوزير بنى استنتاجه انطلاقا من معطيات وأرقام وليس عن معرفة بالمجتمع التونسي وثقافته الغذائية وذوقه.

في الحقيقة إن التونسي لا يفضل الزيت النباتي المدعم والذي تحول إلى سلعة نادرة منذ سنوات، إلا لسعره الزهيد حيث لا يتجاوز الدينار الواحد (1 دولار = 3 دينار تونسي) أما الزيت النباتي غير المدعم والمتوفر بشكل أكبر في السوق فيباع بحوالي خمسة أو ستة دنانير، في حين يتراوح سعر زيت الزيتون بين 25 و40 دولارا.

هذه الأسعار تفسر تغير عادات التونسي في استهلاك زيت الزيتون الذي أصبح يشتريه في زجاجات لتر أو أقل وتخلي الأسر عن عادة “العولة” المتمثلة في تخزين كميات من الزيت وهو الأمر نفسه بالنسبة إلى زيتون الحبات الذي أصبح التونسيون يكتفون بشراء القليل منه بعد أن كان يتم تصبير كميات كبيرة منه وتخليله بطرق مختلفة مع بداية كل موسم سنويا.

تخلى التونسيون عن عادة الطبخ بزيت الزيتون ويكتفي أغلبهم بإضافته إلى الأكل، لكن وفرة الإنتاج وتراجع السعر ودعمه يمكن أن يستعيد التونسي من خلالها أنساق الطبخ التقليدية التي اعتادها، أو أن يبادل بين الزيت النباتي وزيت الزيتون من دون أن يصبح أي منهما هو الأساس والآخر إضافة أو رفاهية ذوق وطعم.

إذا ارتأت تونس أن من مصلحتها تصدير أكبر كمية ممكنة من زيت الزيتون استفادة من أسعاره العالمية المتزايدة، فالأفضل أن يكون ذلك ضمن منهجية مكاشفة وشفافية مع المواطن الذي يريد أن يعرف لماذا يختفي الزيت من أرفف المتاجر

وبحسب آخر الإحصائيات فإن تونس تحتل المرتبة الرابعة عربيا على مستوى الاستهلاك وذلك بـ30 ألف طن أي ما يقارب ثلاثة لترات لكل فرد وتأتي خلف سوريا ولبنان والمغرب.

وفي محاولة لاحتواء الاستياء الشعبي من غلاء أسعار زيت الزيتون قررت السلطات خلال الموسم الماضي وبأمر من الرئيس قيس سعيد ضخ ربع الاستهلاك الوطني في السوق من الإنتاج المتأتي من مزارع تابعة للدولة بسعر 15 دينارا وبجودة عالية، وأثار القرار ارتياح التونسيين وفتح الأبواب أمام مقترحات لدعم زيت الزيتون بما يقلل الاعتماد على الزيوت النباتية المستوردة بالعملة الصعبة.

ويريد الفلاحون استغلال زخم اهتمام الرئيس بالقطاع الفلاحي ودعمه لاستهلاك التونسيين لزيت الزيتون وهو ما اتضح أكثر خلال زيارته الأخيرة إلى هنشير الشعال (أكبر غابة زيتون في البلاد)، لتطبيق هذا المقترح الذي طرح قبل عدة سنوات في أكثر من مناسبة لكن لم يجد أي تفاعل من السلطة.

وكان المكلف بالتجارة الداخلية والمغاربية والتسويق باتحاد الفلاحة في تونس، أنور الحراثي قد أعلن الشهر الماضي أن المنظمة تقدمت باقتراح لتحويل دعم الدولة المخصص للزيت النباتي نحو زيت الزيتون.

ورغم إعلان الحكومة أنها ستعيد توزيع زيت الزيتون الحكومي بنفس الكميات وسعر الموسم السابق، إلا أن دعوات الفلاحين لدعم هذه المادة مازالت لا تجد صدى لدى الحكومة والرئيس.

ويجد مقترح الفلاحين دعما شعبيا واسعا لدى التونسيين الذين يرون أنه من غير المنطقي أن يشتري التونسي الزيت بنفس أسعار أوروبا أو أكثر في بعض الأحيان، خاصة إذا ما قارنا دخل التونسي بدخل الأوروبي كما أن فكرة ضخ ربع الاستهلاك الوطني في السوق تبقى مبادرة طيبة لكنها غير كافية، لذلك يقترح البعض توجيه إنتاج الضيعات الحكومية للسوق الداخلية وبأسعار مناسبة.

وتبدو هذه المقترحات واقعية وقابلة للتطبيق خاصة إذا ما حققت الحكومة أهدافها بزيادة ضيعات الزيتون السقوية وبالتالي مضاعفة الإنتاج، لذلك تستحق هذه الدعوات التفاتة حكومية ترضي من خلالها الفلاحين والمواطن وفي الوقت نفسه تقلل فاتورة استيراد الزيت النباتي.

وإذا ارتأت تونس أن من مصلحتها تصدير أكبر كمية ممكنة من زيت الزيتون استفادة من أسعاره العالمية المتزايدة وحصولا على ما توفره مبيعات التصدير من عملة صعبة تفيد البلاد في أشياء أخرى، فالأفضل أن يكون ذلك ضمن منهجية مكاشفة وشفافية مع المواطن الذي يريد أن يعرف لماذا يختفي الزيت من أرفف المتاجر.

زر الذهاب إلى الأعلى