القمة الخليجية الـ45 في الكويت: تطلعات وملفات معقدة
بقلم: سعد بن طفلة العجمي
تمثل الحرب على غزة وإيران والعلاقات مع أميركا ترمب أهم الأولويات
النشرة الدولية –
تعقد بعد غدٍ الأحد في دولة الكويت القمة الخليجية الـ45 لقادة مجلس التعاون لدول الخليج العربية الذي يضم، إلى جانب الكويت، السعودية وسلطنة عمان ودولة الإمارات العربية المتحدة ودولة قطر ومملكة البحرين.
سيتوافد أصحاب الجلالة والسمو على دولة الكويت بضيافة أميرها الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح. وللكويت رمزية خاصة لدى دول المجلس، فمن الكويت أطلق الشيخ جابر الأحمد الصباح فكرة مجلس التعاون الخليجي عام 1981، وشكلت الكويت إبان محنة احتلالها أصعب اختبار لتضامن وتماسك المجلس حين سخّر أعضاؤه الغالي والنفيس من أجل تحريرها من الاحتلال العراقي عام 1990. وبقيت الكويت جسراً خليجياً للمحبة وواسطة خير بين الدول الأعضاء حين تنشب الخلافات بينها، وانتهجت دوماً موقفاً معتدلاً ووسطياً بسياساتها تجاه الدول الأعضاء بالتساوي.
تأتي هذه القمة وتطلعات شعوب دول الخليج لا تزال تنشد مزيداً من التقارب والتنسيق بين الدول الأعضاء، وتأمل في ترجمة قرارات القمم السابقة التي تصطدم بالبيروقراطية المتلكئة والمصالح الضيقة على حساب أهداف قيام المجلس بتحقيق الوحدة الكونفيدرالية يوماً ما.
ومن المؤكد أن القمة قد بدأ التحضير لملفاتها منذ أشهر، وهي ملفات متعددة ومتنوعة على الصعيد الخليجي الداخلي، لكن هناك ملفات عربية وإقليمية وعالمية لا تقل أهمية عن الملفات المحلية. ومن أهم هذه الملفات:
الملف العربي والحرب على غزة:
يشكل هذا الملف أولوية خليجية بضرورة وقف العدوان الإسرائيلي على غزة وعمل كل ما في وسعهم لتقديم يد العون والمساعدة العاجلة لأهل غزة الذين قتلت إسرائيل منهم وجرحت حتى الآن أكثر من مئة وخمسين ألفاً، غالبيتهم من الأطفال والنساء، وشردت من أهل غزة مليون ونصف المليون، وجعلت بُنى غزة ومبانيها دماراً وكارثة رهيبة.
وأعتقد بأن القمة سترحب بوقف القتال في لبنان بين “حزب الله” التابع لإيران وإسرائيل الذي بدأ تنفيذه فجر أول من أمس الأربعاء. وسينصب الموقف الخليجي على كيفية المساهمة بإعمار لبنان، فهذا هو توقع اللبنانيين وهذا واجبنا كعرب تجاه إخوتنا في كل مكان، ولكن تجربة دول الخليج في الماضي مريرة، إذ ضخت استثمارات هائلة في لبنان انتهت بالاختلاس والإفلاس بالمصارف اللبنانية أو بالحروب التي يشنها “حزب الله” الإيراني لمصلحة إيران. بالتالي فلا أحد يتوقع أن تنهمر المساعدات الخليجية على لبنان من دون ضمانات بألا تذهب كسابقاتها ذارياً تذروه الرياح.
الملف الإيراني:
يشهد التوتر في العلاقة مع إيران تراجعاً كبيراً، خصوصاً بعد الاتفاق بين السعودية وإيران في بكين خلال مارس (آذار) من العام الماضي. وتلت ذلك الاتفاق عودة العلاقات الدبلوماسية ولجم إيران لميليشيات الحوثي، وتضامن خليجي مع إيران بضرباتها “المنضبطة” مع إسرائيل وتخفيف حدة التوتر على مستويات عدة، بالتالي فدول الخليج مطالبة بقراءة موحدة لسيناريو العلاقة الإيرانية مع الولايات المتحدة الأميركية بمجيء ترمب للرئاسة في يناير (كانون الثاني) عام 2025.
العلاقة مع أميركا “الترمبية” والصين:
تنشد دول الخليج العربية تنسيق مواقفها مع الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة دونالد ترمب الحمائية، فهو رئيس لا يمكن التنبؤ بقراراته وسياساته، إذ هدد مثلاً، قبل يومين وقبل شهرين من تنصيبه الرسمي بأنه سيضاعف الضرائب الجمركية على الصين، ضمن زيادات لوح بها ضد جيرانه في الشمال والجنوب، كندا والمكسيك على التوالي.
فكيف يمكن لدول الخليج الاستفادة من المنافسة الأميركية-الصينية على الاقتصاد العالمي واستغلال هذه المنافسة لمصالحها؟ ماذا سيكون موقف دول الخليج من الحليف الأميركي الأهم لو ضغط على حلفائه بحمائية ضد المنتجات التي ينتجها الصديق الصيني؟ كيف تستطيع دول الخليج التلاعب المشروع بين حبال العملاقين من أجل مصالح شعوبها؟ كيف سيكون موقف دول المجلس من إعادة إحياء ما عرف إعلاميا باسم “مشروع صفقة القرن” للصراع العربي-الإسرائيلي الذي طرحه ترمب أثناء دورة رئاسته الأولى؟ وكيف يمكن أن يتوافق الموقف الخليجي مع المبادرة العربية للسلام؟ والأهم، ما مدى توحد الموقف الفلسطيني تجاه مثل هذا المشروع؟.
هذه بعض الملفات التي يتوقع المراقبون مناقشتها خلال القمة الخليجية التي تستضيفها الكويت بعد غد الأحد، ومن المؤكد أن التعامل مع هذه الملفات يتطلب مواقف خليجية منسقة ولا نقول موحدة لأن ذلك غير ممكن حالياً. وقد رأينا كيف أن تنسيق المواقف يؤدي إلى الاحترام من قبل التكتلات الكبرى، إذ شهدت العاصمة البلجيكية بروكسل أول قمة خليجية- أوروبية الشهر الماضي، وهو مؤشر على أن التكتلات الكبرى تفضل التعامل مع التكتلات بدلاً من التعامل مع الدول منفردة. وقديماً قيل، “في الاتحاد قوة”!.