لعبة أزمة مجمدة موزعة إلى حصص
بقلم: رفيق خوري
النشرة الدولية –
السيناريو يتكرر في سوريا من دون حل. مرة يُعطَى النظام دفعة إلى الأمام على الأرض. ومرة يعطل الأصوليون الإرهابيون دفعه إلى الأمام. والبدء دائماً من حلب واللاعبون لا يتغيرون. فإما أن تتحرك روسيا وإيران لتوسيع مساحة الباقي من الأرض للنظام، وإما أن تتحرك تركيا لتوسيع المساحة التي تتحكم بها أنقرة. الكرد شرق الفرات بحماية أميركا، والطيران الإسرائيلي يغير على أي هدف مرتبط بإيران و”حزب الله” وتسليح “المقاومة الإسلامية”. وكل شيء مبني على أزمة مجمدة وموزعة إلى حصص على “خمسة جيوش” ويعترف الموفد الأميركي إلى سوريا غير بيدرسون “الجيش الروسي والجيش الإيراني والجيش الأميركي والجيش التركي والطيران الإسرائيلي”.
هذه المرة نقل الرئيس رجب طيب أردوغان حجراً قوياً على رقعة الشطرنج، وبقي على روسيا وتركيا الرد وتدبير حماية النظام. أردوغان رد على شرط الانسحاب التركي الذي وضعه الرئيس بشار الأسد لمد اليد لتركيا، وأعاد التذكير بأن دمشق رفضت ترتيب أية تسوية مع المعارضة على أساس القرار 2254 الذي يعمل له بيدرسون منذ أعوام بلا جدوى.
الأمم المتحدة والجامعة العربية وأميركا وأوروبا تكرر القول إن الحل في سوريا سياسي لا عسكري. لكن المشكلة هنا، فالأصوليون الإرهابيون لا يبحثون عن حل سياسي ولا يريدون سوى الحل العسكري. والنظام كان ولا يزال يفضل الحل العسكري بمساعدة إيران وروسيا لأنه ليس جاهزاً لحل سياسي. فلا معارضة حقيقية حاضرة للحل السياسي.
كل الجماهير المدنية التي تظاهرت في الشارع على مدى ستة أشهر وفي طليعتها المثقفون، جرى ضربهم ثم إجبارهم على “عسكرة الثورة”. وفي العسكرة يأتي عادة “التطرف والتطيف”، بحيث يركب الموجة الأشد تطرفاً والأكثر طائفية، ويتراجع إلى الوراء أو يصاب باليأس الثوار الحقيقيون الذين يريدون حلاً ديمقراطياً لسوريا.
المفارقة الآن هي أننا في حرب متجددة دفع فيها الكبار إلى الواجهة من هو مصنف إرهابياً، أي زعيم “هيئة تحرير الشام” أبو محمد الجولاني والذي كان في “القاعدة” ثم في “داعش”، قبل أن يستقل بتنظيمه مع بقائه في الإطار نفسه. حرب لا أحد يتبناها علناً، والكل متورط فيها. فعلى أنقاض “الربيع العربي” جاء “الشتاء الإسلامي” ثم “الخريف الإيراني والروسي” وابتعد “الصيف الأميركي” إلى جوار الكرد حيث إنتاج النفط والقمح والقطن في شرق الفرات.
لا أحد يبدو قادراً على حل هذه العقدة الصعبة. لا منصة “أستانا” المؤلفة من روسيا وإيران وتركيا، ولا “منصة جنيف” المؤلفة من ممثلي النظام والمعارضة وروسيا وأميركا للبحث في دستور جديد وتسوية. فالتطورات تجاوزت الأولى وموسكو قتلت الثانية بحجة أن سويسرا لم تعد محايدة بل انضمت إلى موقف التحالف الغربي ضد الغزو الروسي لأوكرانيا.
ولا شيء سوى إعادة تركيب أزمة جامدة ضمن حصص محددة للكبار كما للنظام والأصوليين. وفي البدء اختار النظام الحديث عن “مؤامرة” و”حرب كونية” بدل خيار التسوية مع المعارضة المعتدلة. وصار الشعار الموضوع على الطاولة أمام الكبار هو النظام أو الأصولية. وكان شعاراً ذكياً بالطبع. فلا أحد من الكبار يقبل الأصوليين، وإن كان يلعب بهم حسب الحاجة. ولا صوت يعلو حالياً في أميركا على صوت التحذير من عودة “داعش” إلى البادية السورية.
كل طرف يحرس حصته من الأزمة المجمدة ويعلن أنه مع سيادة سوريا ووحدة أراضيها. لا بل إن أردوغان يميز بين الغزو والضم. يغزو الشمال السوري ويدعي أنه لا يضمه. والمواقع العسكرية في سوريا واسعة بين ما هو شرعي وما هو غير شرعي، التحالف الدولي بقيادة أميركا 30 موقعاً، تركيا 125 موقعاً، روسيا 105 مواقع، وإيران 750موقعاً.
في كتاب “10 صراعات توضح الشرق الأوسط الجديد” يرى كريستوفر فيليبس أن “التنامي المدهش للتدخل الخارجي في الشرق الأوسط هو ما يجعله جديداً، فقد أصبحت القوى المحلية مدينة بالفضل للاعبين الكبار”. وإذا كان هذا هو الشرق الأوسط الجديد، فما أحلى الشرق الأوسط القديم.