أنسي الحاج “صانع” الحداثة والتواصل، حوارٌ يُعيدُ صياغةَ بناء التواصل

النشرة الدولية –

الخبر – كلمة مديرة التحرير –

 أنسي الحاج، انه اشتياق يمزج بين الحنين والأسى، بين الذكريات المتوهجة وألم الفقد. أذكرك اليوم، وأنا أقرأ “الرأس المقطوع” من جديد، ليس كباحثٍ معي لا يمل من اسئلتي، يدرس انتقالكَ من الجملة الإنشائية إلى الخبرية، ولا كصحفيٍّ يبحث عن مغامراتكَ الأدبية والصحافية وترافقني كطفل في ارواق الصحف، بل كتلك التي لا تريد ان يعرفها احد وتجد في كتاباتكَ مرآةً تعكس همومه وأسئلته.

كنتَ تُحوّلُ الصحف إلى مختبرٍ أدبيّ، تجرّب فيه صياغاتكَ الجديدة، وتُعيدُ تشكيلَ اللغة العربية، مُخترعاً قصيدة نثرٍ لا تتوقف عن مفاجأتنا. كنتَ تُحول نفسك إلى كتابكَ، فتُصبحُ أنتَ النصّ، والتجربة، والصوت الذي لا يُمكنُ إسكاته.

أقرأ “الرأس المقطوع” اليوم، وأنا أرى فيكَ ذلكَ الرجل الذي يستطيع أن يُرافقني في أي مغامرةٍ صحفيةٍ أو أدبية، ذلكَ الرجل الذي يُعرف أسرارَ اللغة، ويُتقنُ فنّ التواصل معها. تُثيرني قصائدكَ، وتُؤلمُني في الوقت نفسه، فأنا أجدُ همومي وأسئلتي مُتجسدةً في كلماتك، في قلقكَ، في بحثك عن الحقيقة.

ما زالَ السؤالُ يُؤلمني، أنسي الحاج: أينَ نحنُ من ذلكَ “الرأس المقطوع”؟ أينَ نحنُ من الفكر الذي يواجه الانظمة، والغائية، التي تُعيدُ بناءَ نفسها باستمرار؟ أينَ نحنُ من التجربة التي لا تتوقف عن التجدد؟

أكتبُ إليكَ اليوم، وأنا أُفكّرُ في الشعب السوري، شعبكَ الذي كنتَ تكتبُ له، وتنتظرُهُ كما لو كان ينتظرُكَ. شعبُك الذي أصبحَ جزءاً مني، الذي أُحبُّهُ وأُؤلمهُ كأنهُ جزءٌ مني، شعبٌ ينتظرُ أن تُعيدَ الكلمةُ بناءَ نفسها من جديد. شعبٌ ينتظرُ من يكتبُ له عن قلقِهِ المستدام، عنِ الفرحِ الذي يخفيهُ وجعٌ عميق.

أشتاقُ إليك، أنسي الحاج، اشتياقاً إلى صوتٍ لم يُسكتْ، إلى كلمةٍ لم تُمحى، إلى تجربةٍ لم تُنسَ.

وهذا نص لمقالة معه من “الاتحاد” – لها مكتب صغير في لبنان:

كان هذا الحوار معه يوم كنتُ أعدُّ رسالة الماجستير في تجربته الشعرية بعنوان «قصيدة النثر: قيم التقليد والموقف من التراث/ أنسي الحاج نموذجاً»، وكان لا بدّ من نشر هذا الحوار لأنه لم ينشر قبلاً، ولأنه أكثر قيمة وأهمية من أن يبقى طيّ الأدراج، بل يكتسب أهميته المضاعفة بعدما مضى عليه ما يقرب من عشرين عاماً، وبعدما غادرنا صاحبه متأبطاً غيمة الشعر وسؤال القلق المستدام حدّ الفرح .

كنت من الخارجين على سلطة القصيدة كمطلق تراثي شكلاً ومضموناً، الآن، كما في مرحلة الثورة والتمرد تواجه القصيدة الجديدة أزمات عميقة، في رأيك، ما هي هذه الأزمات التي تواجهها القصيدة باستمرار؟

أزمة الخلق (الصناعة) هي أزمة الخالق (الصانع)، والخالق (الصانع) متأثر بعوامل كثيرة، منها زمنه ومحيطه، لكل وقت أزمة، الأزمة ليست هي المشكلة، المشكلة هي نوع الأزمة وفي من يواجهها. عندما غامرت بقصيدة النثر، كان التحدي كسر طوق التقليد، طوق ضخم ويلقى مباركة الجميع، وتقليد عريق ومقدس، لكن الدافع لم يكن التحدي، التحدي كان شكل الظرف التاريخي، الدافع كان داخلياً. أقصد كان لديَّ ما أقوله في الشكل الذي قلته فيه، وكان دافعاً قوياً والتحدي زاده قوة، لا تحدي التقليد فحسب بل تحدي الإتيان بشيء جديد تماماً. إذن لكل وقت أزمة ولكل وقت تجديد، ولكل وقت تحد، وربما تحديات. القصيدة لم تكن ولن تكون معطى ثابتاً جامداً، إنها كائن مفاجئ، تتكثف فيه الحياة أكثر مما في جسد حي، أكثر مما في جيل كامل، أحياناً، لذلك هي دائماً في أزمة، بمعنى أنها دائماً في معاناة الخلق، في لهب استعارة، في مراحل تطوره على طريق جلجلة لا حياة من دونها. الشعر في أزمة مقيمة كما أن كل بحث وجداني – فني هو كذلك، الأزمة سمة القلق، ولا شعر بلا قلق، لا شيء بلا قلق، حتى الإيمان لا يعيش بعيداً عن القلق، لا يتوقف الهجس والقلق والتوتر إلاّ بالموت، ولا أعرف، ولا أحد يعرف إذا كان الموت يوقفها حقاً أم أنها من هناك تنتقل إلى شكل آخر.

الشعر يواجه باستمرار أزمات، لا أزمة واحدة من الصعب حصرها، بينها على سبيل المثال، أزمة الأصالة، أي عدم التقليد، لا تقليد الآخرين ولا تقليد الذات، عدم الوقوع في أسر الذات، في أسر الصورة التي أحبها الآخرون عنك. ومنها أيضاً عدم الوقوع في اللفظية، في الشكلانية البحتة، في اللا شعور، وأيضاً تجاوز الذات، دوماً، وبدون افتعال التجاوز، بدون افتعال شيء، أو بالكاد، ومنها أيضاً الموازنة بين الحياة والكتابة، بين التجربة والتعبير ومنها الآخر، القارئ، هل تكتب له بالصدفة أم مباشرة أم بطريقة لا واعية، وكيف تصل إليه من دون تواطؤ مع الذات ولا (زعبرة) وبدون كبرياء زائفة، أيضاً وهل ما تكتب يستحق أن يكتب؟ ومن أنت لتكتبه؟ وما هذا الذي تكتبه؟. لا نهاية للأزمات وقمتها أن يصل الشعر إلى الورقة البيضاء وكأنه لم يواجه ولا أزمة. * رفضت القصيدة الجديدة نظام الخليل، هل تعتقد أن أزمة الشعر تلخصها أنظمة العروض والموسيقى الإيقاعية؟ وإلى أي حد استطاعت قصيدة النثر أن تتخلص من أزمة الشكل والإيقاع؟ **

لا، قطعاً، ليست هذه هي الأزمة، إنه أحد وجوهها الشكلية، فقط، قصيدة النثر تخلصت من القوالب الجاهزة صنعت وتصنع وستظل تصنع أشكالاً لها على هوى أغراض الشعراء وإيقاعاتهم، ليس هناك «أزمة إيقاع» بل إيقاعات خاصة بكل شاعر، بل بكل تجربة، لن «تتخلص» قصيدة النثر من «أزمة الشكل والإيقاع» كما تسميها، لأنها جزء لا يتجزأ من صيرورتها، من صيرورة الشعر. ما بقي من «لَنْ» * هل ما تضمنته مقدمة «لن» من آراء حول قصيدة النثر ونظرية الشعر لا يزال موقفك منه هو هو؟ أم تغيرت أمور كثيرة منذ تلك المرحلة؟ ** بعض الأمور تغيرت مثل الإيجاز وضعته شرطاً، ولكنني أنا نفسي عدت وخالفت هذا الشرط، تجربتي اللاحقة أوجبت شكلاً يناسبها، فلحقت به، لعل أكثر ما يبقى صائباً في مقدمة «لن» الكلام على أن لا شيء نهائيا في الشعر وأن الشاعر في حاجة دائمة إلى خلق دائم للغته، وأقول أيضاً «ليس للشعر لسان جاهز، ليس لقصيدة النثر قانون أبدي».

* شعرك، بعضه يقترب من السوريالية وليس سوريالياً، وبعضه من الصوفية وليس صوفياً، وبعضه ديني وليس في الدين، وبعضه في الشغف وليس شغفاً، وبعضه ملكي كبرج الأسد وليس سلطة، أين شعرك من كل هذا؟ **

لعله في «هذا» هذه. سؤالك هو جواب، لعله في هذا الغوص المتفلت، هذه التجربة التجارب التي لا ترتاح، ولو هدأ جبينها أحياناً، في الرباط الدموي والتجريدي بين الخوف والحرية، بين الذات والكون، إذا كان شعري هو أنا، فهو الأسير المنقنق، والخليع القديس، والجبان المجنون، والهارب المقاتل، والأناني الشهيد، وإذا كان شعري أكثر من «أنا» أو «أقل»، فلا أعرف، على كل حال لا أعرف. وقعت على شرعيَّتي * كتبت قصائدك الأولى ربما قبل أن تقرأ الشعر الغربي، لكن البعض رأى في شعرك شعراء غربيين، أقله لجهة أن شعرك يدخل إلى أماكن بيضاء في اللغة العربية، فماذا تقول؟ ** في كل الذين تأثرت بهم، غربيين طبعاً وشرقيين كتبت قصائد نثر مذ بدأت أكتب، أي على مقاعد المدرسة قبل صف البكالوريا، بسنة أو سنتين. لم أكن أجرؤ على تسميتها شعراً، لم أقرأها لأحد، كنت أكتبها لنفسي، لا أزال أحتفظ ببعضها في دفتر مدرسي، لم أتجرأ على تسميتها شعراً إلاّ بعد ذلك بسنوات، قبيل «لن» عندما طالعت قصائد بودلير النثرية، وبعدما قرأت كتاب سوزان برنارد الشهير عن قصيدة النثر، أخذت روحاً. شعرت أني لم أقترف ذنباً، أن ما أكتبه شرعي، وإن لم يكن معترفاً به في اللغة العربية، أعود إلى سؤالك، شعري تجربة خاصة، شخصية، والذين رأوا فيه تأثراً أو تقليداً لشعراء فرنسيين رأوا ذلك، في البداية لأنهم صدموا بجديده، بخروجه كلياً على المألوف والتقليدي، وانعدام أي علاقة له أيضاً بالشعر العربي الذي كان متعارفاً آنذاك على تسميته «حديثاً»، لم يكن لشعري «مرجع»، لم يستطيعوا «تصنيفه»، وإلحاقه بما يعرفون، لذلك كان الأسهل اتهامه بالهجين وغير العربي. مع السنين تغيرت هذه النظرة، صار هناك شعراء ونقاد يقرأون بقلوبهم وعقولهم وحواسهم كلها لا بالأحكام الجاهزة، وصار هناك مزيد من المعرفة والمقارنة وصفاء النظر. أنا أتأثر بكل ما أقرأ وأنا أطالع كثيراً، خصوصاً في الأعوام الأخيرة تأثرت بالفرنسيين أكثر من أي أدباء آخرين، وتأثرت بالشعر الفرنسي والأدب الفرنسي عموماً لكني تأثرت أيضاً بقراءتي العربية في الكتاب المقدس و«ألف ليلة وليلة»، وباللهجة المحكية في لبنان وبالأغنية العربية واللبنانية وبلغة السينما والمسرح والموسيقى الكلاسيكية، لا نهاية لما أتأثر به، لكن شعري هو في الحقيقة نتاج تجربتي الخاصة والشخصية، ولا معنى له إن لم يكن كذلك. الشغف والقمع * الشغف في كتابة أنسي الحاج فعل تغيير، فما هي علاقة الشغف في رأيك بالموقف من قيم التقليد التي ترسخها السلطة وثلاثية المجتمع – الدين – السياسة؟ ** إنه الشكل الأول للرغبة، الشكل الثاني هو الشعر، علاقة الشغف في القصيدة العربية وخطاب الحب في الشعر بالسلطة الدينية – السياسية هي علاقة الحرية بالقمع. * تاريخ الشعر العربي يحمل خطين: خط الانصياع والقبول والاستسلام للتقليد، وخط التمرد والرفض وابتداع مضامين أو أشكال مغايرة، كيف تتواصل تجربتك مع تاريخ الشعر العربي هذا؟ ** كل ما في طبعي يكره التقليد كراهية مميتة، إن كل شيء هو أفضل من التقليد، حتى أني أكره أيضاً الذين يقلدونني، إن ما لا يحمل أصالته لا يحمل شيئاً، لا معنى للتمرد والرفض والابتداع ولا لشيء آخر في غياب الأصالة، كلمة السر هي هنا في «الأصالة». أنفاس التجربة * بهذا المعنى، بأي نظرة تتطلع إلى الصعاليك، الصوفيين، القرامطة وكل الهامشيين في الشعر العربي؟ ** تهمني في الشعر أنفاس التجربة الشخصية، أسلوبها، نغماتها… لا تهمني المعارك الأيدلوجية والأدبية إلاّ في المحل الثاني، وبقدر ما أحببت شعر المتعاركين وأصابني سحره، لا تعنيني «الحزبيات»، وخصوصاً تلك التي لها خلفيات مذهبية، وأعتقد أن بعض كتابات أولئك «الحزبيين»، صوفيين وغيرهم، اتسمت بلغة الرموز الباطنية، لتحمل معاني دينية أو مذهبية، اضطرها القمع إلى تغميضها، لا أحس بأني معني كثيراً بهذه الصراعات ولا يصيبني من كتاباتها، كما قلت لك ، إلاّ ما خرج من إطار تبشيره العقائدي ليغدو تجربة إنسانية خاصة – عامة.

* الحداثة العربية جلجلة طويلة من الأحلام الكتابية المكسورة غير المحققة وجلجلة طويلة أخرى من الواقع المر، إلى أي حد يعكس هذا الرأي وجهة نظرك من هذه الحداثة العربية؟ في سؤال استطرادي، أليس من ضوء لهذه الحداثة؟ **

دعني أستدرك، جوابي السابق يحملني على القول إني لا أحب – لم أعد أحب أن أشمل على نحو جماعي في عبارة «حداثة عربية»، هذه أيضاً حزب، وأنا غير حزبي، ولا في حزب. لا أعتقد أن الحداثة العربية تتألم كثيراً مما تسميه الجلجلة، هل تشعر هي بأنها على طريق الجلجلة؟، ي

جب أن تسأل أهلها، أما أنا فهمومي هي أقل من أن تكون هموم مشروع ثقافي طويل عريض كالحداثة العربية أو غيرها، وأكثر من أن تختصر في مرارات حركة أو مرحلة، قد أكون جزءاً من هذه الحداثة وقد لا أكون، وقد يكون لي جلجلتي ولكنها ليست جلجلة أصحاب الهموم الحضارية ولي بالطبع أحلامي المكسورة ولكن لي كذلك أحلامي المنتصرة. أمّا الضوء فإني أصر على رؤيته دوماً بصرف النظر عمن يطفئ الأنوار ويسد المنافذ أو يشعل الأوار ويشق الدروب، والضوء لا علاقة له، هو الآخر بالأحزاب والتصنيفات، وكذلك هو ضوء. قلق الفردية *

تقول في خواتمك إن التعلق بالقيم الجماعية يمنحك طمأنينة الأخلاق التقليدية وضجرها، والإيمان بالقيم الفردية ينتشلك من رتابة الأولى ويوقعك في الفراغ، هل تشرح لنا؟ *

* القيم الفردية تضطرم، تحتدم، لا تترك مجالاً للملل، وفي الوقت ذاته، تقودك إلى اكتشاف الفراغ، أو العدم، أو العبث لأنها تدخلك إلى عالم التغير وتخطفك من عالم الثبات، والقيم الاجتماعية تترك الأرض صلبة تحت قدميك، القيم الفردية ترميك وحيداً أمام حريتك، أمام مسؤوليتك العارية، وتنظر أمامك بعد زوال النشوة فترى هاوية، القيم الجماعية تدفع ثمن انتسابك إليها من مللك. في القيم الفردية تدفع الثمن من طمأنينتك، في الأولى أنت والآخرون في مغطس مشترك، وفي الثانية أنت وحدك، وكلما تعرفت على من يشبهك ازدادت وحدتك، الفراغ. ولكن من قال إن الفراغ فارغ، الفراغ مليء بالحيوية وأفضل ما فيه أن الرؤية معه لا يحدها حاجز. الحداثة أقل الإيمان *

هل نقرأ في «خواتمك» بيان نعي للحداثة التي حلمتم بها – شعراء وكتاب الستينيات – بعد ما غرق العصر في ثقافة الرقم والكم والتهم وحش الكمبيوتر الحياة الحديثة نفسها؟ ** مقدمة «خواتم» مواجهة لأزمة اللغة، أزمة التعبير الفني في جميع الحقول، مختصرة في أزمة الكلمة، إنه موضوع يتجاوز الحداثة، الحداثة جزء صغير من كل القضايا، التي تعترضنا – وتعترضني أنا في شكل خاص. الحداثة واجب (أقصد واجب أن تحس زمنك وتعبر عنه)، لا يذكر، تحصيل الحاصل، وأن تعبر عن خواص زمنك بلغة تستوعب اللحظة وتشعشعها وتتجاوزها، أيضاً من أضعف الإيمان… لا أنعى الحداثة في مقدمة «خواتم» بل ألعن مسقطي اللغة وأعلن إيماني مجدداً بأن الشعر سينقذ الكلمة مرة أخرى. التأمل في هذا الموضوع يجعلني أضيف أن الحل لن يكون في احتقار مبتكرات العصر والتكنولوجيا، والعودة إلى ما قبلها، بل باستيعاب التطور ورؤية الجانب السحري والشعري فيه والانطلاق منه إلى توسيع مدى الكلمات عبر تجديد مدلولاتها وتجديد استعمالاتها، وكذلك عبر استعمال الإمكانات الجديدة كالتلفزيون والكمبيوتر، استعمالاً شعرياً يعطيها معناها كما أعطى الشعر الأشياء السابقة معانيها. لا تهريج في الحب * تكره النكتة في العاطفة والشغف لأنها تهرج في موضوع هام، مهيب هو الحب، ألاّ تعتبر أن خطاب الحب عند العرب كان وما زال قاصراً عن الأهمية التي تقصد؟ وإذا وافقتني الرأي ما هي بنظرك الحياة واستطراداً الشعر التي تجعل من الحب موضوعاً أوليا ًورئيسياً؟ ** ما أعرفه عن خطاب الحب عند العرب يجعلني أضع هذا الخطاب بجوار أمثاله في الآداب الأخرى على صعيد النوادر المملحة، من دون أن يتجاوز هذا الخط، في الأدب الفرنسي مثلاً، تراث شغفي كهذا الذي عند العرب، قصص علاقات الحب وأخبار النساء والأزواج والعشاق، الخ… هذه أيضاً تهريج في موضوع مهم، لم أقرأ للعرب خطاباً عشقياً لا في المعنى السادي ولا في المعنى البودليري، ولا في معنى د. لورانس ولا في معنى إيمانويل ارسان، فضلاً عن جورج باتاي وسواه، لم يكتب العربي سوى الخطاب الديني – الديني، أو العشقي – العشقي، ولم يمزجوا بين اللاهوت والناسوت. لعل الشعور بالخطيئة هو ما يجعل الحب موضوعاً مهماً، وهو ما يعطي الانتهاك والجرأة فيه معناهما الشعري البديع. صفحة جديدة * يعدك البعض متمرداً عبثياً، بينما يعتبر آخرون أنك تحمل سلاح الهدم لتبني بعيداً عن معنى الإصلاح الاجتماعي، وبعيداً في المقابل عن معنى العبثية اللا جدوى منها، أين أنت بالنسبة إلى موضوع الهدم؟ **

أهدم ما يجعلني هدمه أنجو، أهدم ما يخنقني، أهدم، أضرب، أقتل ما يقتلني، يقمعني، يهين حريتي، أجل أهدم ما يعادي الإنسان في طيبته وجماله، أهدم ما يظلمني، ما يظلم حولي. كيف يستطيع المسافر في الأدغال أن يمشي إن لم يتسلح بالفأس؟، لو هدمت قدر ما يجب لكان العالم اليوم أفضل، الحماقة المتسلطنة الدهرية لا تفاوض بل تهدم، التخلف العتيق المتلبد الحاكم لا يفاوض ولا يطور بل يهدم، الجهل المتحكم الغاشم الغشيم الأعمى لا يُسايَر بل يُهدم، التعصب المغذي القاتل المدمر لا يتجاهل بل يهدم، الظلم المنافق القهار المنظم لا يدارى بل يهدم، البشاعة، الحقد، دموية السلطة الحسد… والهدم أنواع ومنه العبثي، لم لا؟، لا من أجل الإطلاع، ولا من أجل لذة الهدم، بل لأنك لم تعد بقادر على تحمل بعض الأشياء وكأن قدرك هو أن تنقض عليها لتزيلها، متسائلاً كيف استطاع غيرك أن يتحملها حتى الساعة. * ماذا تعني لك قصيدة النثر العربية لجهة العلاقة بالتراث الأدبي عند العرب؟ هل تنقطع عنه أم تتواصل معه؟ ** لا تنقطع ولا تتواصل، بالنسبة لي تفتح صفحة جديدة.

شيء عن الشاعر * ولد أنسي الحاج عام 1937، أبوه الصحافي والمتّرجم لويس الحاج، وأمه ماري عقل، من قيتولي، قضاء جزّين، تعلّم في مدرسة الليسيه الفرنسية ثم في معهد الحكمة، وبدأ ينشر قصصاً قصيرة وأبحاثاً وقصائد منذ 1954 في المجلاّت الأدبية وهو على مقاعد الدراسة الثانوية.

* دخل الصحافة اليومية، جريدة «الحياة» ثم «النهار» محترفاً عام 1956، كمسؤول عن الصفحة الأدبية، ولم يلبث أن استقر في «النهار»، حيث حرر الزوايا غير السياسية سنوات ثم حوّل الزاوية الأدبية اليومية إلى صفحة أدبية يومية، وأصدر عام 1964 «الملحق» الثقافي الأسبوعي عن جريدة «النهار»، وظلّ يصدره حتى 1974، وعاونه في النصف الأول من هذه الحقبة شوقي أبي شقرا * عام 1957 ساهم مع يوسف الخال وأدونيس في تأسيس مجلة «شعر»، وعام 1960 أصدر في منشوراتها ديوانه الأول «لن»، وهو أول مجموعة قصائد نثر في اللغة العربية. * له عدد كبير من المجموعات الشعرية، منها «لن» 1960، «الرأس المقطوع» 1963، «ماضي الأيام الآتية» 1965، «ماذا صنعت بالذهب ماذا فعلت بالوردة» 1970، «الرسولة بشعرها الطويل حتى الينابيع» 1975، «الوليمة» 1994، وله كتاب مقالات في ثلاثة أجزاء هو «كلمات كلمات كلمات» 1978، وكتاب في التأمل الفلسفي والوجداني هو «خواتم»، ومجموعة مؤلفات أخرى.

 

زر الذهاب إلى الأعلى