سجن صيدنايا يحاكم «الوحش»
بقلم: حمزة عليان
النشرة الدولية –
مشهد إطلاق سراح السجناء من مخادعهم في سورية غطى على كل ما عداه من صور ومشاهد اختلط فيها الفرح بسقوط «الوحش» بالحزن على أولئك البشر الذين خرجوا إلى الحياة ولا يدرون أين هم، ولا ماذا يحدث من حولهم.
ستخرج قريباً روايات موثقة عن تلك «المسالخ البشرية» كتلك التي ظهرت من قبل وما يعرف بأدب السجون، وإن كنت لا أميل إلى تسميتها «بأدب»، فما تم تدوينه شهادات كفيلة بإدخال أي مسؤول أو قائد أو رئيس إلى السجن المؤبد، بل إلى سوقه مكبلاً ومحاكمته بجرائم حرب تصل عقوبتها للإعدام، كما حصل مع قواد الصرب والفظائع التي ارتكبوها بحق المسلمين البوسنيين والكثيرين غيرهم.
هاتفتني زميلة تملك حساً إنسانياً راقياً، تربط بين ما حصل في سجن صيدنايا برواية الطاهر بن جلون ورواية مليكة أوفقير، وروايتهما عن عوالم السجون القابعة تحت الأرض في ديارنا العربية.
أحد السجناء ظهر في مقطع فيديو مع زميل له، أقسم بالله العظيم أن إعدامه مع 54 شخصاً آخرين كان مقرراً قبل نصف ساعة من اقتحامه على يد الثوار الذين أطلقوا سراح كل السجناء من داخل سجن صيدنايا المعروف باسم المسلخ البشري للنظام الحاكم في سورية.
أحد أكثر السجون تحت الأرض شهرة وتحصيناً في عهدي حافظ وابنه بشار الأسد أطلق عليه «السجن الأحمر» إشارة لعمليات التعذيب والقتل الدموية التي شهدها، والصور التي خرجت من سورية خلال الأيام الماضية سبّة في تاريخ هذا النظام، فقد كان «الأكثر سرية» في العالم، مجرد أن يذكر اسمه يكفي لدب الذعر في النفوس والتسليم بأن من يدخله لن يخرج حياً!
السجن بناه «سيادة الرفيق حافظ الأسد» عام 1987 مساحته ثمانية أضعاف مساحة ملاعب كرة القدم الدولية في سورية مجتمعة، والتقارير تقول إنه من الفترة في 2012 -2022 أعدم فيه 35 ألف سجين، السجن يتبع وزارة الدفاع، ولم تكن لأي جهة قضائية أو مدنية أي سلطة عليه!
أما الروايات الثلاث المتشابهة فهي بشكل مختصر:
الأولى: تلك «العتمة الباهرة» رواية من أدب السجون، من تأليف الكاتب المغربي طاهر بن جلون، أحداث الرواية مستلهمة من شهادة أحد المعتقلين في سجن «تزمامارت» أصدرها باللغة الفرنسية أواخر سنة 2000، وهي باختصار تروي مأساة مجموعة من العسكريين الذين اتهموا بتنفيذ محاولة انقلاب الصخيرات على الملك الحسن الثاني عام 1971.
الثانية: ميشيل كيلو الكاتب السوري الرائع، حكى في مقابلة تلفزيونية قصته مع أحد السجون عندما طلب منه السجان أن يقص على طفل عمره خمس سنوات يقيم مع والدته المسجونة، حكاية من حكايا الأطفال، اقترب منه ليقص عليه قصة العصفورة، بادره الطفل بالقول: «شو يعني العصفورة؟» ارتبك ميشال كيلو، كيف أن طفلاً بهذا العمر لم يسمع بكلمة عصفور ولا يعرفه، أضاف… أن العصفور كان على الشجرة، وأيضاً لم يفهم معنى الشجرة، هنا شعر الكاتب ميشيل كيلو بالورطة، كيف يستطيع إيصال المعنى، وفي وقت لا حق حضر مؤتمراً لحقوق الإنسان في باريس، روى لهم ما جرى، فوجئ أن الـ400 شخص يجهشون بالبكاء… قصة مشبعة بالظلم.
الثالثة: رواية بعنوان «السجينة» لمليكة أوفقير، تروي سيرة شخصية حول حياة عاشتها في القصر الملكي، إلى أن دخلت السجن لمدة تسعة عشر عاماً، بسبب إقدام والدها الجنرال أوفقير على محاولة اغتيال الملك، تتعرض هي وعائلتها إلى التعذيب بالظلم وتصف مشاعرها والمآسي التي واجهتها ونالت روايتها شهرة واسعة.