كيف تحول سقوط “الأسد” إلى ضربة استراتيجية لإيران وروسيا؟
بقلم: حسين دعسة

النشرة الدولية –

الدستور المصرية –

الضربة استراتيجيًا، عززت من البعد الجيوسياسى الأمنى لتركيا.

هنا نجد، كمحلل، إجابة عن:

– كيف تحول سقوط الرئيس السورى بشار الأسد إلى ضربة استراتيجية لإيران وروسيا، حلفاء سوريا خلال أكثر من عقد من واقع الأزمة السورية؟!.

.. وصلتنى، فى بريدى، من معهد شيتام هاوس البريطانى، دراسة الباحثة «برونوين مادوكس»، المدير والرئيس التنفيذى للمعهد الذى يعد، غربيًا، وأمميًا، بيت خبرة جيوسياسية على مستوى عالمى، وهى «أولًا» دراسة استشرافية، لكنها، وهذا ثانيًا، تقوم على فهم تركيبة الدولة السورية، ونظامها بالتوازى مع شخصية الرئيس، وهذا فى منطق الاستشراف يعد مرحلة سيادية.

 

* قلب موازين القوى فى المنطقة

 

«مادوكس» تضع نتيجة دراماتيكية، تقول:

لقد أدت الأحداث فى سوريا إلى قلب موازين القوى فى المنطقة رأسًا على عقب، وكشفت عن ضعف تحالفات الدكتاتور- الريس الأسد- وأكدت فشل السياسة الغربية.

 

.. «مادوكس»، المعهد، والدراسة الإشكالية نُشرت بتاريخ 8 ديسمبر 2024.

.. «الدستور» حصلت بشكل خاص على نسخة من الدراسة، وهى تشكل رؤية استشرافية لا تقل وعيًا فى جوانبها الجيوسياسية الأمنية، إذ تعرف بالحدث السورى، مع محاولة للفهم، ضمن المستويات العربية، الدولية، ومقارنة ذلك مع تحليلات الغرب، التى اعتبرته فشلًا فى تقريب  مؤشرات الحدث، أو التحليل الصحيح للمرحلة.

 

فى ذلك ترى «مادوكس»: لقد أضافت سرعة انتصار المعارضة السورية فى الإطاحة بالرئيس بشار الأسد إلى أهمية هذه اللحظة. والأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أن هذه الثورة، التى ستعيد تشكيل المنطقة، كانت انتفاضة من قبل السوريين أنفسهم، وليست انتفاضة فرضتها حكومة أجنبية.

 

.. وهى ترى نجاح تحرك  قوات هيئة تحرير الشام، بقيادة أبومحمد الجولانى، فى إزاحة خمسة عقود من حكم عائلة الأسد فى غضون أسبوع واحد فقط، الأمر الذى كشف عن الضعف فى قلب النظام، وعدم قدرة أو عدم رغبة رعاته، إيران وروسيا، فى مساعدته على البقاء. والنتيجة هى بوضوح نكسة كبيرة لموسكو وطهران. والفائز الأكثر ترجيحًا هو تركيا، التى تدعم بعض قوى المعارضة.

 

.. وإن سقوط الأسد من شأنه أن يزيد من حالة عدم الاستقرار فى كل مكان. وسوف تسارع بلدان المنطقة الآن إلى احتواء خطر انتشار الاضطرابات مع تحول موازين القوى.

 

* تفسير لغياب طهران وموسكو

.. بالتأكيد، الحالة الداخلية اليوم فى سوريا، بعد الثورة، أنها تتحرك للتوصل إلى سلام وأمن وأمان داخلى، ومن ثم البحث، وفق دراسة المعهد، فى الأسباب التى عندها اختفى حليفا سوريا الكبار، إيران وروسيا.

 

 

* 1- بالنسبة لإيران:

إيرانيًا، سقوط الأسد يعنى خسارة «الجسر البرى» الذى يربطها بشرق البحر الأبيض المتوسط ​​وقاعدة لوكلائها، خاصة حزب الله. وكان قرارها بعدم إرسال قوات لدعم الأسد إحدى أهم الخطوات التى اتخذتها مع استيلاء المعارضة على السلطة.

 

ولعل هذا يعكس اعترافًا بالضعف القاتل الذى يعانى منه نظام الأسد، الذى لم يكن يحظى بشعبية حتى قبل الأزمة الاقتصادية المستمرة. كما قد يوضح ضعف طهران ذاتها: فقد تكبدت إيران وحزب الله خسائر كبيرة فى الصراع مع إسرائيل.

 

ومن المتوقع- فى الوقت الراهن- أن تحترم أى حكومة تنشأ فى سوريا الاتفاق الذى توصل إليه الأسد، والذى منح روسيا بموجبه استخدام قاعدة عسكرية على الساحل السورى.

 

ولكن هذا قد يشير إلى اعتراف إيران العملى بأنها لن تكسب أى شىء من التدخل- سواء فى علاقاتها مع جيرانها العرب أو مع إدارة ترامب المقبلة. وقد يثير هذا المزيد من الأسئلة حول هشاشة النظام فى طهران- وإن كان لا ينبغى الاستهانة بقدرته على الصمود وإبداعه.

 

* 2- بالنسبة لروسيا:

شكّل سقوط الأسد ضربة يصعب تحديد أهميتها. ومن المتوقع- فى الوقت الراهن- أن تحترم أى حكومة تنشأ فى دمشق الاتفاق الذى أبرمه الأسد، والذى يمنح روسيا استخدام قاعدة عسكرية على الساحل السورى. ولكن هذا الأصل المهم أصبح عُرضة للخطر، وهذا يهدد نفوذها فى المنطقة.

 

وكما هى الحال مع طهران، قررت موسكو عدم دعم الأسد فى أيامه الأخيرة. وربما يعكس هذا ضعفًا أو ببساطة تشتتًا بشأن أوكرانيا. ورغم أن روسيا تحتفظ بنفوذ واسع النطاق فى المنطقة، فسوف يكون لزامًا عليها أن تعيد بناء هذه الشبكات.

 

* 3- التحديات الجديدة التى تواجه تركيا

 

.. بطريقة ما، تستند الدراسة وصاحبتها «برونوين مادوكس»، المدير والرئيس التنفيذى  لمعهد  شيتام هاوس البريطانى، على معلومات وثائق تشير إلى أن لدى تركيا أسبابها للرضا الهادئ.

لكن الإطاحة بالأسد ستجلب تعقيدات هائلة. فتركيا قريبة من الجولانى لكنها لا تسيطر على قواته، والجيش الوطنى السورى هو وكيل أنقرة. وحتى الآن، كانت تركيا مشغولة بشكل أساسى بالمشاكل القريبة من حدودها، خاصة التحدى الدائم الذى يفرضه المقاتلون الأكراد الساعون إلى الحكم الذاتى.

 

* مستقبل الجوار السورى.. نظرة من تركيا

 

تستند «مادوكس» فى الدراسة على بنى مستقبلية، قد لا تتجاوز نتائجها العام الأول من رئاسة الرئيس الأمريكى ترامب، وتؤكد الباحثة أنه:

سوف يكون لزامًا على أنقرة الآن أن تهتم بما يحدث فى دمشق، فى جنوب سوريا. وسوف تدرك أيضًا أن سوريا، باعتبارها دولة عربية، تتخذ قراراتها وفقًا لعلاقاتها مع جيرانها العرب.

.. وبالتالى، فإن رد فعل المملكة العربية السعودية والعراق والأردن- وأيضًا مصر، ولبنان، وفلسطين المحتلة/ لا تفسير لتجاوز ذلك من البحث- يشكل أهمية مركزية لاستقرار النظام السورى الجديد أو بقائه. فبعد سنوات من انتقاد الأسد، دعت هذه الدول سوريا فى العام الماضى إلى العودة إلى جامعة الدول العربية؛ وفى الأول من ديسمبر/كانون الأول، دعا مجلس التعاون الخليجى المعارضة السورية إلى التراجع.

 

وسوف تضطر الآن إلى التحول للتعامل مع الجولانى، فضلًا عن القوى الأخرى التى تسيطر على الشمال الشرقى. ومن ناحية أخرى، تشعر الإمارات العربية المتحدة بعدم الارتياح لتاريخ  الجذور الإسلامية- المتطرفة- لهيئة تحرير الشام، على الرغم من أن الجولانى اتخذ خطوات للتقليل من أهمية هذه الجذور فى الأيام الأخيرة.

 

* 4- بالنسبة لإسرائيل:

.. ولعل معالم الدراسة تنبئ بما فى هذه النقطة من محددات، فإن سقوط الأسد يمثل الخروج المفاجئ من المشهد لخصم راسخ- هذا هو الموقف فى دولة الاحتلال الإسرائيلى العنصرية- وإلى الحد الذى يضعف فيه العمق الاستراتيجى لإيران فى المنطقة، فإنه يشكل دفعة قوية، وسوف تنظر حكومة إسرائيل إلى ذلك باعتباره تبريرًا لخطوتها لاغتيال قيادات حزب الله. ولكن الاضطرابات والقتال بالقرب من حدودها وبالقرب من مرتفعات الجولان المحتلة سوف يتطلبان اهتمامها ووجودها العسكرى وليس لديها ما تدخره، فى ظل افتقارها إلى وقف إطلاق النار فى غزة.

 

وسوف يعتمد الكثير، بالنسبة لإسرائيل، على ما إذا كان الجولانى يسعى إلى تشكيل حكومة بنفسه أو يبحث عن نموذج أكثر تصالحية وشاملًا، لكن أقول إن المرحلة المقبلة خلال أيام قد تنتج حكومة انتقالية مؤثرة فى حفظ الأمن، وتبقى الإشكالية الضربات الجوية التى تقوم بها دولة الاحتلال فى العمق السورى.

 

* 5- بالنسبة للغرب:

«مادوكس» ترى أن رحيل الدكتاتور الأسد، الذى عمل عن كثب مع روسيا وإيران، ليس مصدر ندم.

لكن- وهذا الأهم- سقوط الأسد يؤكد أيضًا عجز الغرب عن تشكيل المنطقة كما كان يأمل ذات يوم. لقد ظل فشل الرئيس باراك أوباما فى معاقبة الأسد على استخدام الأسلحة الكيميائية ضد شعبه فى عام 2013، على الرغم من وصفه لها بأنها «خط أحمر» فى العام السابق، يخيم على السياسة الغربية تجاه سوريا منذ ذلك الحين. 

 

* 6- بالنسبة لسوريا نفسها:

فى المطلق، شكلت إزاحة الأسد ما قد يجلب الراحة، بل وحتى الرخاء، وهو ما تأمله الحشود المحتفلة بوضوح.

.. وتشير الدراسة، فى هذا الجانب:

لقد تسببت وحشية النظام السورى والصعوبات الاقتصادية التى أعقبت العقوبات ووضعه كدولة منبوذة فى معاناة فى مختلف أنحاء البلاد.

 

وسوف يتوقف الكثير على ما إذا كان الجولانى سيسعى إلى تشكيل حكومة بنفسه أو سيبحث عن نموذج أكثر تصالحية وشمولًا، كما يأمل بعض المراقبين الإقليميين. ولكن الطريق طويل بين انتصار المعارضة وظهور حكومة جديدة ودولة مستقرة تخدم الشعب السورى.

فى ذلك، قد لا تكون قراءات معهد شيتام هاوس البريطانى هى الوحيدة التى تفتح طبيعة مسارات الحدث السورى، وإلى أين قد تتجه البوصلة!

 

زر الذهاب إلى الأعلى