معرض جدة للكتاب ينفتح في فعالياته على الرياضة والفنون
النشرة الدولية –
تحولت الأنظار من خبر فوز المملكة العربية السعودية بتنظيم بطولة كأس العالم 2034 إلى حدث ثقافي بارز آخر، في زمن لا يتجاوز 19 ساعة، وهو انطلاق معرض جدة للكتاب 2024، الذي فتح أبوابه مساء الخميس، وهذا التزامن أتاح مساحة للتأمل في العلاقة العميقة بين الثقافة والرياضة، واستحضار إرث طويل من الكتب التي وثقت تاريخ “الساحرة المستديرة”.
وعلى مدار عقود، نقلت الكتب والمقالات الصحفية إرث بطولة كأس العالم، منذ انطلاقتها الأولى إلى اليوم، وكانت هذه الظاهرة الرياضية حاضرة على أيدي مؤرخين وكتاب وصحافيين، وضعوا بين دفتي كتبهم قصصا وأحداثا خالدة، أسهمت في توثيق شغف الشعوب بالمنافسة الرياضية الأهم عالميا.
ومن بين هؤلاء يبرز اسم الكاتب والصحافي الأوروغوياني إدواردو غاليانو، الذي نقل كرة القدم من مجرد لعبة إلى فلسفة أدبية وإنسانية عبر كتابه الشهير “كرة القدم بين الشمس والظل”.
ومزج غاليانو في كتابه بين العاطفة والشعر، واستعرض عبر قصص قصيرة تاريخ اللعبة، ليجعل من كرة القدم رمزا يوحد الشعوب ويعبر عن تطلعاتها، وسلط الضوء على العمالقة مثل بيليه ومارادونا، ولم ينس أولئك اللاعبين الأقل شهرة الذين صنعوا تاريخا لا ينسى، مع التركيز على العلاقة بين كرة القدم والمجتمعات الفقيرة، حيث باتت لغة عالمية تلهم وتوحد.
ويأتي معرض جدة للكتاب 2024 اليوم ليعيد إلى الأذهان أهمية الكلمة المكتوبة في صياغة تاريخ البشرية، سواء في الرياضة أو الاقتصاد أو الأدب أو الفنون، ويمثل المعرض فرصة ذهبية، تمتد لعشرة أيام، لالتقاط الإلهام الثقافي والعلمي لكل من يسعى للسير على خطى عظماء الكتابة والتأليف.
ويجسد هذا التداخل بين حدث رياضي عالمي ومعرض ثقافي وطني، رؤية المملكة 2030، حيث الثقافة والرياضة وجهان يكمل بعضهما بعضا، في إطار رؤية طموحة تبرز المملكة بوصفها منارة للإنجازات على مختلف الأصعدة.
ولا يقتصر المعرض على عرض العناوين المختلفة وإنما يقدم برنامجا ينفتح على مختلف الفنون الأخرى عبر برنامج ثقافي يمسح مختلف المجالات الفنية والمعرفية والفكرية.
وفي إطار هذا الانفتاح نظم المعرض مؤخرا ضمن فعالياته الثقافية ورشة عمل فريدة تحت عنوان “كتابك نقد سينمائي”، قدمها الناقد السينمائي والمبرمج المصري أحمد شوقي.
وتناول شوقي خلال الورشة تعريفا بأساسيات الكتابة السينمائية، واستعرض مفهوم مدارس النقد وأغراضها المتنوعة، موضحا اتجاهاتها وأبعادها الثقافية، ومتناولا أنواع الكتابات النقدية ومساراتها المختلفة وأثرها في إثراء التجربة السينمائية.
وقدم شوقي تحليلا تطبيقيا لمقال نقدي، ألقى الضوء من خلاله على الفروقات بين رؤى النقاد وأساليبهم في تناول الأفلام، مشددا على ضرورة قراءة الأفلام من زوايا اجتماعية وثقافية متعددة لتطوير رؤية نقدية متكاملة.
وعرج شوقي على تفاصيل صناعة الفيلم، متحدثا عن أهمية السيناريو والمونتاج والصوت والصورة بوصفها أعمدة أساسية للفيلم الناجح، مشيرا إلى دور الناقد في بناء جسر ثقافي بين الفيلم والجمهور من خلال قراءة نقدية موضوعية وحيادية، بعيدة عن أي تأثيرات خارجية قد تعوق صدقيته. وأكد أن النقد السينمائي ليس مجرد تحليل، بل هو فن قائم بذاته يتطلب الدقة والحياد والإبداع، ليكون أداة لبناء فهم أعمق لعالم السينما المتجدد.
يذكر أن المعرض تنظمه هيئة الأدب والنشر والترجمة في مركز سوبر دوم جدة، ويستمر حتى 21 ديسمبر الحالي، بمشاركة أكثر من 1000 دار نشر ووكالة محلية وعالمية، ما يتجاوز 22 دولة، موزعة على أكثر من 450 جناحا، في ظل مشاركة جهات حكومية وهيئات ومؤسسات ثقافية سعودية وعربية.
ويشتمل المعرض على برنامج ثقافي ثري، يضم أكثر من 100 فعالية متنوعة، يتخللها العديد من المحاضرات والندوات وورش العمل، التي يقيمها أكثر من 170 متخصصا، إضافة إلى منطقة تفاعلية مخصصة للأطفال، تقدم برامج ثقافية موجهة للنشء في مجالات الكتابة والتأليف والمسرح وصناعة الرسوم المتحركة، وأنشطة تفاعلية مختلفة، وذلك عبر 40 فعالية متنوعة، إضافة إلى ركن للمؤلف السعودي معرفا الحضور على آخر إصداراته، ومهيئا للزوار منطقة خاصة بالكتب مخفضة الأسعار، التي تأتي ضمن جهوده في الحث على القراءة، وإتاحتها للجميع عبر اختيارات متعددة، ومعززة بمناطق حرة للقراءة.
ويعد معرض جدة للكتاب ثالث المعارض المقامة خلال هذا العام 2024، التي تنظمها هيئة الأدب والنشر والترجمة، حيث يأتي في نسخته الحالية بعد معرض الرياض الدولي للكتاب الذي اختتم فعالياته في أكتوبر الماضي، ومعرض المدينة المنورة الذي أسدل الستار على فعالياته في أغسطس الماضي. ويستقبل المعرض زواره يوميا من الساعة الـ11 صباحا حتى الـ12 مساء، ما عدا يوم الجمعة من الساعة الـ2 ظهرا إلى الـ12 مساء، وعلى مدار عشرة أيام.