«سوريا المتوحشة»!
بقلم: رجا طلب
النشرة الدولية –
لم أكن في يوم من الايام معجبا بنظام آل الاسد بل على العكس كنت دائم النقد لهذا النظام للدرجة التى ادرج فيها اسمي على قوائم المطلوبين للنظام وحُذرت من جهات أردنية من زيارة سوريا، كما حٌذرت ايضا في فترة من الفترات من زيارة لبنان «فترة القبضة الامنية السورية» خوفا من اعتقالي من قبل المخابرات السورية التى كانت تشرف امنيا على مطار بيروت في الفترة التي سبقت عام 2005 واغتيال الشهيد رفيق الحريري.
اسوق هذه المقدمة لكي اوضح انه لم يسبق لي ان زرت سوريا وبالتالي لم استطع ان اكون مشاهدات حية او انطباعات محددة عن الدولة والنظام وكيف يعيش الناس في هذا البلد العربي المهم ومع ذلك تكونت لدي ولدي الكثير من الاعلاميين والباحثين تصورات وقناعات سيئة للغاية عن النظام الحاكم في سوريا وسياساته تجاه الحالة العربية بشكل عام، وتجاه الشعب السوري الشقيق بشكل خاص، ففي عقدي السبعينات والثمانينات «تغطى» النظام بشح المعلومات المتداولة في الاعلام عن ممارساته القمعية، وحتى عندما كانت تتوافر المعلومات كان من تتوافر لديه هذه المعلومات يمتنع عن نشرها خوفا من نظام حافظ الاسد الذي ابتدع التفاوض (بالاغتيال او الابتزاز واكبر مثال هو سليم اللوزي ناشر مجلة الحوادث 1980) وبخاصة بعد تحالفه مع نظام الخميني في ايران حيث مارس ذلك النظام اقذر انواع الابتزاز لنا في الاردن وللاشقاء في العراق ودول الخليج العربي، كما انه وبحكم هذه العلاقة اقصد مع نظام الخميني تمرد على النظام العربي الرسمي برمته ومن ابرز محطات ذلك التمرد هي عندما رفض حافظ الاسد حضور قمة بغداد عام 1990 التي كانت مكرسة لدعم الانتفاضة الفلسطينية التي اندلعت عام 1987 وزيادة الدعم المالي لتعزيز صمود الاردن في وجه حكومة اسحاق شامير.
ففي تلك القمة التى شاركت بتغطيتها كصحفي من صحيفة الوطن الكويتية تعرفت على عدد من الصحفيين اللبنانيين الذين جاءوا للتغطية من باريس ولندن وقلة من لبنان واستمعت على هامشها الى قصص تروي دموية نظام حافظ الاسد، ولكن بحكم بعدي عن ذلك الواقع اعتقدت ان كثيرا مما قيل لي ولغيري من الزملاء العرب في ردهات فندق الرشيد كان مبالغا فيه.
اليوم وبعد اربعة وثلاثين عاما من قمة بغداد اعترف بأن ما قيل عن نظام حافظ الاسد كان لا شيء يذكر عن مدى العنف المستخدم لتطويع الانسان السوري لكي يصبح «عبدا» في نظام قائم على اساس طائفي مقيت.
افتضحت وحشية آل الاسد بشكل كامل بعد سقوط النظام وهروب بشار الاسد، فدخل العالم عبر الاعلام الحي والمباشر الى السجون والمعتقلات وشاهد طرق التنكيل والتعذيب البربري التي كانت تُمارس في تلك المعتقلات الموحشة والمقززة والتي بالكاد كان يمكن ان تصلح لعيش بعض الانواع من الحيوانات الاليفة، وشخصيا استذكرت كتاب (ميشيل سورا–سوريا الدولة المتوحشة) الذي صدر عام 2017 والكتاب هو عبارة عن مجموعة من المقالات لهذا الكاتب الفرنسي الذي قتله نظام حافظ الاسد بسببها (ماري سورا زوجة ميشيل هي من عنونت الكتاب «سوريا المتوحشة”)، ففي تلك المقالات تناول الكاتب وعلى مدى اكثر من عقد من الزمان طبيعة النظام في سوريا وممارساته حيث استحضر بشكل خاص «مآسي مدينة حماة وحلب وجسر الشغور» التي نُكل بها وبسكانها ابشع تنكيل، وسورا في مقالاته تلك ناقش وبعمق طبيعة التركيبة الطائفية العلوية للنظام وكيف سيطرت هذه الطائفة القادمة من الساحل السوري وقراه الفقيرة الى دمشق وحلب وحمص وحماه وكيف «ريف» النظام هذه الحواضر وعمل على نشر ثقافة «التشبيح فيها» وارجعها حضاريا سنين طويلة للوراء، وكيف نجح العنف والافراط في القهر والاستبداد من احكام السيطرة على سوريا كلها وباختصار فقد خلصت مقالات ميشيل سورا الى ان حافظ الاسد نجح في صناعة دولة للطائفة العلوية اسمها دولة آل الاسد.
بحكم هذا التاريخ الدموي البشع فان التحدي الاكبر للحكام الجدد ليس تفكيك الدولة البوليسية الطائفية فحسب بل هو بناء نظام سياسي دستوري مدني ومتحضر يعيد الاعتبار للانسان ويحرره من عقد الخوف والخنوع والاستزلام التي عاشها منذ عام 1970 الى يوم الهروب في الثامن من ديسمير.