سوريا والثورة المضادة.. التشكيك والشيطنة!
بقلم: رجا طلب

النشرة الدولية –

ستدخل الثورة السورية التاريخ من عدة مزايا وأبواب أولها أن أياماً معدودة وباسلحة يدوية بسيطة مكنت الثوار من اسقاط نظام كان من المفترض انه احد اقوى الانظمة في المنطقة حيث اتضح لاحقا ان نظام آل الاسد كان نظاما قويا وصلبا على شعبه فقط (عشرات ولربما مئات المعتقلات والسجون والمسالخ البشرية جرى ويجري اكتشافها بعد هروب بشار الاسد وسقوط النظام في الثامن من الشهر الجاري).

 

أما الباب الآخر فهو ان غياب هذا النظام شكل حالة ملفتة جدا من الارتياح ليس لدول الاقليم فقط بل لدى اغلبية دول العالم حتى ان الدول التى كانت تسانده مثل روسيا وايران تخلت عنه وتركته يحتضر بلا اي مساعدة تذكر.

 

رغم كل ما سبق فان الوضع الجديد في سوريا يواجه عدة تحديات من ابرزها هو تحدي «الثورة المضادة والتشكيك او احداث الفوضى» بعد النجاح السريع الذي حققه الثوار بقيادة احمد الشرع في ضبط الامن وتوفير الاحتياجات الاساسية للجماهير في عموم المدن السورية بعد اكثر من عقد من الحرمان الممنهج من الكهرباء والخبز والديزل وغاز الطبخ وغيرها من الاحتياجات الاساسية التى كان يمنعها النظام متعمدا وذلك لاذلال الناس واشعارهم بان رغيف الخبز او جرة الغاز التى يحصل عليها المواطن السوري هي «منّة» من النظام وليست حقا مشروعا له.

 

بعد اقل من اسبوع بدأت الثورة المضادة تطل برأسها ليس في الشارع السوري بل في وسائل التواصل الاجتماعي في سوريا وفي العالم العربي وجرى خلال تلك الحملة المضادة التي يبدو انها مبرمجة التركيز على اسئلة او قضايا يمكن القول ان بعضها (حق يراد به باطل) ومن ابرزها التركيز على شخص احمد الشرع حيث وصل الامر لدى بعض الجهات المتضررة من التغيير حد وصف الشرع بايلي كوهين الجديد في اغتيال واضح لشخصيته (وكوهين هو الجاسوس الاسرائيلي الذي اخترق الدولة السورية باسم كامل امين ثابت واعدم بعد اكتشاف أمره بساحة المرجة عام 1965)، وبعضه? اخذ يشكك حتى في اصول الشرع والبعض الآخر اخذ يجزم بانه داعشي سيأخذ سوريا الى الدمار وشلالات الدم، اما المفصل الخطير فهو تفسير التصريحات التى صدرت من بعض المسؤولين الجدد الذين لا يعتبرون المواجهة او الحرب مع اسرائيل هي الاولوية معتبرين تلك التصريحات بمثابة مؤشر على ان الحكام الجدد لسوريا دعاة تطبيع متجاهلين هؤلاء جملة من الحقائق و هي ما يلي:

 

  • من الحقائق المثبتة تاريخيا ان حافظ الاسد الذي كان وزيرا للدفاع في سوريا سنة 1967 هو من اصدر الاوامر للجيش السوري للانسحاب من هضبة الجولان التي قال عنها اغلبية الخبراء العسكريين حول العالم ان سقوطها بيد الجيش الاسرائيلي من الناحية العسكرية هو امر مستحيل لولا انها سلمت تسليما، ومن المفارقات الغريبة انه ورغم هذا الفشل لحافظ الاسد وضياع الجولان منه ينجح في الانقلاب على شريكه ورفيقه في الحزب وابن طائفته صلاح شديد تحت مسمى (الحركة التصحيحية) ويتولى حكم سوريا في 22 شباط 1971.

 

  • من المفارقات ايضا ان مشاركة سوريا بقيادة حافظ الاسد في حرب اكتوبر 1973 كانت هزيلة ورخوة وضعيفة، فبعد ان حقق الجيش السوري في الساعات الاولى للحرب تقدما كبيرا على جبهة الجولان واخترقت قواته (خط الون) ووصلت مشارف بحيرة طبريا، عجزت هذه القوات (امر مستغرب) عن الاحتفاظ بالاراضي التى حررتها وليس هذا فحسب بل تقدمت القوات الاسرائيلية ووصلت الى مشارف دمشق بشكل مفاجئ ومثير للجدل، وسارع هنري كيسنجر وزير الخارجية الاميركي وقتذاك الى التدخل لحفظ ماء وجه حافظ الاسد وانجز اتفاقية فك الارتباط بين سوريا واسرائيل والتى بمو?بها توقفت الحرب واحتفظت اسرائيل بمعظم الجولان واعادت مدينة القنيطرة لسوريا كجائزة ترضية.

 

  • منذ اتفاقية فك الاشتباك عام 1974 حتى سقوط نظام بشار الاسد لم يطلق نظام آل الاسد رصاصة واحدة على دولة الاحتلال طول خمسة عقود متواصلة وبالمقابل قام نظام حافظ الاسد بالتحالف مع القوات الانعزالية اللبنانية المتحالفة مع اسرائيل وقتل قرابة الخمسة آلاف من الفلسطينيين العزل في تل الزعتر (1976) كما انه امتنع عن دعم فصائل منظمة التحرير عام 1982 في بيروت التى حاصرها ارييل شارون.

 

يبقى المعيار في ظل الجدل حول الثورة في سوريا هو سقف الحرية والعدالة والنمو متعدد الاوجه وليس الشعارات التى ثبت انها لم تكن الا سمفونية اكاذيب يعزفها النظام ببلاهة وخاصة تلك المتعلقة بفلسطين وشعبها.

زر الذهاب إلى الأعلى