دراسة فلسفية رمزية عن “الربع تون” واللوحات التشكيلية الموسيقية بالألوان التجريدية للفنان والموسيقار نصير شمة

الناقدة : دنيا صاحب

ربع التون هو مفهوم موسيقي يجسد الفواصل الدقيقة بين النغمات في الموسيقى الشرقية، وهو تعبير عن الفروق الصوتية التي تسهم في تنوع وتوسع أفق التعبير الموسيقي. هذا المفهوم، رغم ارتباطه بالزمان والمكان من خلال الصوت، يمكن أن يجد علاقة وثيقة مع الأبعاد اللونية في اللوحات التشكيلية الموسيقية التي ابتكرها الفنان نصير شمة، التي تتميز بتقنيات متقدمة ورمزية عميقة تعكس التداخل بين الموسيقى واللون والفكر. إن ربط هذا المفهوم الموسيقي باللوحات التشكيلية التجريدية لشمة يمكن أن يفتح أبواباً جديدة للتأمل الفلسفي في العلاقة بين الفنون، وعلم الفيزياء والفلك.

الربع التون واللوحات التشكيلية الموسيقية

اللوحات التشكيلية التي يبتكرها الفنان نصير شمة تتسم بتركيزها على الألوان التجريدية، وهي ألوان معبرة تتشابك مع الموسيقى في تناغم يحاكي الأبعاد الصوتية. يمكن فهم هذه اللوحات على أنها “مقامات لونية” تتنقل عبر فضاء الألوان كما تنتقل النغمات في الموسيقى. وبما أن الربع تون يعبر عن تغيرات طيفية دقيقة بين النغمات، فإن الألوان في لوحات شمة كذلك تعكس تحولات دقيقة بين درجات اللون، مثلما يتحول الصوت من نغمة إلى أخرى.

الربط مع علم الفيزياء

من وجهة نظر فيزيائية، يمكن تفسير الربع تون كنوع من الترددات الصوتية الدقيقة التي تقع بين النغمات العادية. في الفيزياء، يتم تحويل الصوت إلى موجات تنتقل عبر الوسط، وهذه الموجات يمكن أن تتداخل مع بعضها البعض أو تكون في توافُق. وبالمثل، في لوحات الفنان نصير شمة، يمكن رؤية التفاعل بين الألوان كنوع من التداخل الضوئي، حيث تتواجد درجات اللون بدرجات دقيقة تعكس ترددات الضوء التي تنبعث من كل لون.

عندما تلتقي النغمات الموسيقية عبر الربع تون في تناغم دقيق، يتكون نوع من التوافق بين الموجات الصوتية التي تمثل الحالة الطبيعية للموسيقى. في اللوحات التشكيلية، يشكل كل لون تردداً خاصاً يعكس أبعاداً فلسفية في المعنى الجمالي، تماماً كما يترتب تداخل النغمات لتنتج موسيقى تكون كل نغمة فيها جزءاً لا يتجزأ من الكل.

الربط مع علم الفلك

أما في علاقة ربع التون مع علم الفلك، فثمة دلالة رمزية يمكن استخراجها من فكرة أن الفلك هو علم دراسة الحركات الدقيقة للأجرام السماوية، مثلما يدرس الموسيقي الحركات الدقيقة للنغمات. كل نغمة في الموسيقى تمثل نقطة في الزمن، وكل حركة فلكية تمثل لحظة فريدة في الكون. في هذا السياق، يمكن اعتبار ربع التون نقطة تنقلية أو لحظة فلكية مشابهة للحركة الدقيقة للكواكب والنجوم في السماء مثل ( مجرة درب التبانة ) ، كما أن الألوان التجريدية في لوحات نصير شمة قد تمثل محاكاة لهذه الحركات السماوية، حيث تتداخل الألوان بطرق مشابهة لتداخل النجوم والأجرام السماوية في السماء، وتشكل مجموعة من الأبعاد الفضائية التي تتوازن في تناغم فني عميق.

الرمزية الصوفية في الربع تون والألوان التجريدية

النظرة الرمزية لربع التون في الفلسفة الصوفية يمكن أن تكون محوراً مهماً في ربطه بفلسفة الفنان نصير شمة. في الصوفية، يعتبر العدد والنسب الدقيقة أساسيين لفهم الأسرار الكونية. ربع التون في الموسيقى الشرقية يتوافق مع هذه الرؤية الرمزية الدقيقة للحقيقة المتناهية في صغرها. وتمامًا كما نجد في رمزية الألوان التجريدية في لوحات شمة، حيث ينسجم اللون مع النفس البشرية في مسعى للوصول إلى الكمال الروحي، يتناغم الصوت مع الوجود الكوني في محاولة للوصول إلى التجلي.

تتمثل الرمزية في أن كلا من الربع تون والألوان التجريدية يمثلان المستوى الروحي الذي يتجاوز الظاهر، حيث أن الصوت واللون يعبران عن طاقات غير مرئية تلامس أبعاداً أعلى من الإدراك العقلي. فبينما يكون الربع تون نقطة الإتصال بين النغمات التي تحرك الروح، تمثل الألوان في لوحات شمة تلك اللحظات المضيئة التي توصل الإنسان إلى فهم أعمق للكون.

إن الجمع بين الربع تون في الموسيقى واللوحات التشكيلية التجريدية للفنان نصير شمة يمثل تفاعلًا جمالياً معقداً يعبر عن وحدة الكينونة. من خلال الربط بين هذه الفنون وعلم الفيزياء والفلك، يمكن استكشاف كيف أن الفنون ترتبط مع بعضها البعض في شبكة من الترددات والأنماط التي تتداخل مع الطبيعة الكونية. إن هذا البحث يسلط الضوء على علاقة التناغم بين الصوت واللون، بين الزمن والمكان، وبين العقل والروح، مما يشكل منظومة متكاملة تكشف لنا عن أبعاد جديدة من الفهم الجمالي والفلسفي للأشياء.

زر الذهاب إلى الأعلى