التواصي بالحق

النشرة الدولية –

التواصي بالحق نجاة من الخسران، كما أخبر الله تعالى في سورة العصر، هذه السورة العظيمة التي قال عنها الإمام الشافعي رحمه الله: «‌لو ‌تدبّر ‌الناس ‌هذه ‌السورة لوسعتهم»، أي لكفتهم لتطبيق شرع الله تعالى، لاشتمالها على ما يجب للحق سبحانه، وما يجب للخلق.

فمما يجب للحق الإيمان به سبحانه وتعالى، والعمل الصالح الذي يرضيه جل شأنه، ومما يجب للخلق التواصي بالحق والتواصي بالصبر، ومعنى التواصي: أن يوصي بعضهم بعضاً على اتباع الحق واجتناب الباطل. واتباع الحق يشمل الحق الديني والدنيوي، والتواصي به ليس فقط أن يقول الإنسان: أوصيك بكذا وكذا، بل أن يدلّه على الحق ويعينه عليه، ويحذّره من مخالفة الحق أوالتنكر له، فإن أبى أطرَه على الحق أطراً، إما بولايته إن كانت له ولاية، أو دلالة بمن له الولاية على إقامة الحق، كما ورد في السنن من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، أن النبي الله صلى الله عليه وسلم كان يحدث عن بني إسرائيل وكيف كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه، قال: وكان متكئاً فجلس، فقال: «لا، حتى تأخذوا على يد الظالم فتأطروه على الحق أطرَاً».

والمراد بالحق كل ما يجب على الإنسان فعله أو يحرم فعله، فالتواصي بإقامة الشعائر الدينية والحفاظ عليها من الحق، والتواصي بأداء الحقوق لأصحابها من الحق، والتواصي بما يصلح الأسر ويحفظ الكيانات من الحق، والتواصي بإقامة العدل من الحق، والتواصي بأداء الأمانات إلى أهلها وعدم خيانتها من الحق، والتواصي بمكارم الأخلاق من الحق، والتواصي بما يحفظ أمن المجتمع من الحق، والتواصي بالنصح لولي الأمر وعامة المؤمنين وخاصتهم من الحق، والتواصي بالآداب العامة من الحق. وهكذا فكل ما شرعه الله أداء أو تركاً هو من الحق، فإن حرص المسلم على أدائه كان ناجياً من الخسارة التي كتبت على الإنسان إن لم يقم بالمستثنيات الأربعة في سورة العصر.

وهذا التواصي سهل المنال ليس فيه كلفة ولا مشقة، فالرجل يتواصى به مع أهله وعياله، والأم كذلك، ومع جيرانه ومع من يعرف ومن لا يعرف إذا رأى ما يقتضي التواصي إما حثاً على الخير، أو نهياً عن الشر، وإذا استشعر كل واحد ما له من الأجر على هذا التواصي فأداه كما يجب عليه، عندئذ سينعم المجتمع كله بالسعادة والأمن والطمأنينة، وإلا خسر خسراناً مبيناً.

وما نراه من التفكك الأسري ومن النزاعات الدنيوية هو من التفريط في هذا التواصي.

*كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي

زر الذهاب إلى الأعلى