البساطة التي نفتقدها
بقلم: أسرار جوهر حيات

النشرة الدولية –

كمجتمع عربي – خليجي، تربينا على عادات وسلوكيات اجتماعية معينة، أبرزها «مواجيبنا» الاجتماعية، التي تميزنا بها منذ القدم، فالمجتمع الكويتي معروف بترابطه الاجتماعي، وتزاوره في المناسبات، وفي سواها، حتى أصبحت الدواوين، والجمعات، والتزاور، سمة جبل عليها أهل الكويت منذ القدم، كان أساسها ولبها التقدير، وتبادل المحبة.. وتميزت بالبساطة.

ومع تطور المجتمع، تطورت بلا شك هذه العادات الاجتماعية وسلوكيات التواصل الاجتماعي، فالمجتمع، ورغم زيادة عدد الكويتيين سنة بعد أخرى، حافظ على هذه السمة في التزاور والتواصل، إلا أن هذه السلوكيات، بدأت تفقد وبالتدريج بساطتها، حتى تخلت عنها نهائياً بعد عقود من الزمن، وأصبحت – في الغالب – مناسبات «للتفاخر» أكثر من كونها تواصلا اجتماعيا مبنيا على التقدير والبساطة. فعلى سبيل المثال لا الحصر، يتميز شهر رمضان في المجتمع الكويتي، بسلوكيات اجتماعية، تنم عن سعادة وابتهاج بهذا الشهر الفضيل، تبدأ حتى قبل دخول الشهر، وتستمر حتى العيد، وهي مناسبات وعادات مثل تجمع قريش، زيارات التهنئة بدخول الشهر الفضيل، إرسال نقصة رمضانية، والغبقات، الا ان هذه العادات الجميلة التي تربينا عليها ببساطة ومحبة، بدأت تصبح عبئاً اجتماعياً، واقتصادياً على الكثير من الأسر.

فتخلت جمعات قريش أو الغبقات عن البساطة حتى أصبحت أشبه بحفلات استقبال فاخرة، تكلف صاحبة الدعوة ذاتها من جهة، وتكلف المدعوات من جهة أخرى، فما عاد الطعام الذي يقدم للضيوف، بسيطاً كما السابق، ولا الديكور الرمضاني البسيط، بل أصبحت «البوفيهات» المقدمة في الغبقات وحفلات قريش، تضم أطباقا عالمية، ومتنوعة، وطاولات ممتدة من الأطعمة الفاخرة والمكلفة الى جانب أركان قهوة وعصائر وغيرها من أمور، الى جانب الديكورات والتجهيزات الفخمة التي جعلت المناسبة تتخلى عن بساطتها وتصبح مجالاً للمنافسة بالتفاخر لمن تتغلب على الأخرى ببوفيه غبقتها أو ديكورها.

ومن جهة أخرى الحضور لم يعد بدراعة بسيطة، بل أصبحت هذه المناسبات أشبه باستعراض أزياء باهظة الثمن، زوراً تسمى «دراعة رمضانية» قد تتجاوز أسعارها مئات الدنانير، الى جانب ارتداء حلي واكسسوارات من ماركات عالمية، مما يشكل عبئاً اقتصاديا فعليا على الحضور، خاصة ان أغلبهن يفضل عدم تكرار ذات الزي لأكثر من غبقة!.

والعلة ليست في الغبقات فقط، بل انها مجرد مثال من أمثلة عدة، كالأعراس وحفلات عقد القران وحفلات مستحدثة جديدة كحفلات تعارف أسر الزوجين واستقبالات الزواج والولادة وغيرها، وجميعها تدل على ان التطور الذي شهدته مناسباتنا الاجتماعية الجميلة، افقدها بساطتها، وأصبحت تثقل كاهل الأسر الكويتية سواء من جانب اقتصادي او حتى اجتماعي، فهذه المناسبات أصبحت متعددة وكثيرة وأحياناً «ملزمة» الحضور، في حين أن هذا الوقت والجهد اللذين يهدران بـ«عزائم» للتفاخر يمكن استغلالهما في اعمال مفيدة أخرى.

عاداتنا الاجتماعية وتواصلنا الذي تربينا عليه، جميل ببساطته، فزيارة خاطفة بلا تكلف للتهنئة بدخول رمضان أو عيد أو أي مناسبة أخرى، لصديق أو جارٍ أو قريب، بلا سابق موعد وبلا تحضيرات كثيرة، قد تحمل معها لحظات أجمل، وترسم ذكريات أروع، وتقوي روابط اجتماعية أكثر من العزائم والولائم المكلفة، فهذه البساطة التي نفتقدها هي ما ميزت مجتمعنا وجعلته مترابطاً على مر السنين، فكل أسرة كويتية مرتبطة بالأخرى، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.

زر الذهاب إلى الأعلى