المستقبل غير المؤكد لوقف إطلاق النار في غزة
بقلم: ميل غورتوف
النشرة الدولية –
(بيس فويس) –
جلب وقف إطلاق النار بين إسرائيل و”حماس” قدرًا من الارتياح للإسرائيليين والفلسطينيين. لكن الجميع يدرك أن ما سيأتي بعد ذلك هو السؤال الحقيقي –بمعنى ما الذي سيأتي تاليًا على افتراض أن تبادل الأسرى والرهائن يسير كما هو متفق عليه. وهذا افتراض كبير. هل سيستمر وقف إطلاق النار؟ هل ستتحرر غزة من قوات الاحتلال الإسرائيلي؟ ثمة الكثير من الأسباب التي تدعو للقلق، بما فيها ما يلي:
• قد تتعثر مبادلة الأسرى بالرهائن بسبب الأعداد، خاصة على الجانب الفلسطيني. ثمة ما يصل إلى 10.000 سجين فلسطيني محتجزون في مراكز الاحتجاز التابعة لجيش الدفاع الإسرائيلي، بالإضافة إلى سجون أخرى. ولم يتم توجيه اتهامات أو إصدار أحكام على العديد من السجناء، بمن فيهم الأطفال. وربما تكون الأسئلة عن ما هو العدد الفعلي للسجناء لدى إسرائيل، وأين هم، وما إذا كانت إسرائيل ستطلق سراحهم، عقبات محتملة.
• يقف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بشكل كامل وراء المرحلة الأولى من الاتفاق فقط –وقف إطلاق النار وتبادل أولي للأسرى مقابل الرهائن. وتدعو المرحلة الثانية إلى وقف دائم للأعمال العدائية والانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية من قطاع غزة. ولكن، وفقًا ليوسي فوكس، رئيس موظفي نتنياهو، فإن الصفقة:
”تتضمن خيار استئناف القتال في نهاية المرحلة الأولى إذا لم تتطور المفاوضات حول المرحلة الثانية بطريقة تعِد بتحقيق أهداف الحرب: القضاء على ’حماس‘ عسكريًا ومدنيًا وإطلاق سراح جميع الرهائن” الإسرائيليين.
دعونا نتذكر أن نتنياهو لم يلتزم أبدًا بأي شيء أقل من تحقيق الانتصار الكامل على “حماس”.
• حتى لو تم التوصل إلى اتفاق على المرحلة 2، سوف يكمن الشيطان في التفاصيل. كتب إيفو دالدر، المسؤول السابق في مؤسسة الشؤون الخارجية الأميركية:
”من سيحكم المنطقة؟ من سيدفع لإعادة بناء مشهد تحول إلى أنقاض؟ من سيطعم الناس، ويسكنهم، ويضعهم في المدارس، ويوفر لهم الوظائف، ويعالج أمراضهم وجروحهم وصدماتهم العاطفية؟ ويواجه المجرمين الذين يتربصون بالضعفاء والمستضعفين”؟
• يمكن أن يكون حكم غزة مصدرًا لصراع آخر، هذه المرة بين السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية و”حماس”. على الرغم من أن “حماس” قد أضعِفت بشكل كبير، فإن خلاياها ما تزال تسيطر على السلطة، ومن المحتمل أن ترفض محاولة تبذلها السلطة الفلسطينية للحكم في القطاع. كتبت إحدى مجموعات الخبراء في شؤون الشرق الأوسط:
”صرح مكتب رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، في 17 كانون الثاني (يناير) بأن السلطة الفلسطينية تتمتع بالولاية القضائية القانونية والسياسية على قطاع غزة باعتبارها السلطة الحاكمة المعترف بها في الأراضي الفلسطينية، وأنها مستعدة لنشر فرق إدارية وأمنية في قطاع غزة. ولا يكلف اتفاق وقف إطلاق النار السلطة الفلسطينية بحكم القطاع، كما أن وقف إطلاق النار لا يناقش موضوع الحكم بعد الحرب بأي طريقة. وقد صرح رئيس وزراء السلطة الفلسطينية، محمد مصطفى، بشكل منفصل في 18 كانون الثاني (يناير) بأن لدى السلطة الفلسطينية ’خطة مائة يوم‘ لما بعد دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ”.
أما الحقيقة التي يستبعدها هذا التعليق فهي معارضة نتنياهو منذ وقت طويل لحكم السلطة الفلسطينية في غزة.
• في الواقع، كانت “حماس” عاكفة على إعادة بناء صفوفها وزيادة أعدادها، حتى مع أن قوتها التنظيمية قد أُضعِفت بشكل خطير. وقد أفادت المخابرات الأميركية الآن أن “حماس” جندت حوالي 15.000 شخص -حتى في الوقت الذي يقال فيه إنها فقدت 20.000 مقاتل. وقالت إسرائيل مرارًا أنها يجب عدم السماح لـ”حماس” بالنهوض مرة أخرى. ويبدو أن هذا الهدف غير قابل للتحقيق.
• لم يتم تناول جهود إسرائيل لإعادة رسم الخطوط في الضفة الغربية، وجنوب لبنان وسورية في الاتفاق. سوف يصر اليمين المتطرف على عدم انسحاب الجيش الإسرائيلي من أي من تلك الأراضي المحتلة لأسباب أمنية. وإذا بقي الجيش الإسرائيلي هناك، فنحن محكومون بأن نرى المزيد من العنف –من “حزب الله”، والميليشيات السورية، والمستوطنين الإسرائيليين. ويطالب “حزب الله” الجيش الإسرائيلي باستكمال انسحابه من لبنان وفقًا لاتفاق وقف إطلاق النار الذي تم إبرامه في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي لمدة 60 يومًا. وقد انتهت صلاحية هذا الاتفاق الآن. ويقول الجيش الإسرائيلي أنه لن يلتزم بالموعد النهائي.
• يمكن أن يؤدي العنف المستمر في الضفة الغربية، بشكل أساسي من طرف المستوطنين الهائجين وبدعم من وزير نتنياهو اليميني المتطرف، بتسلئيل سموتريتش، إلى إحباط التقدم في مفاوضات غزة. ويعارض اليمين المتطرف في إسرائيل بشدة وقف إطلاق النار ويبحث بالتأكيد عن طرق لتخريبه. وقد ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” في 21 كانون الثاني (يناير) أنه في الضفة الغربية، “اجتاح المستوطنون عدة قرى وعاثوا فيها فسادًا… حيث أحرقوا المنازل والمحلات وخربوا المركبات…”. ووصفت إحدى جماعات حقوق الإنسان الإسرائيلية الهجمات بأنها “مذابح” تهدف إلى تقويض اتفاق وقف إطلاق النار في غزة. وفي الواقع، كان عنف المستوطنين جاريًا منذ شهور.
باختصار، قد لا يصل اتفاق وقف إطلاق النار إلى أكثر من المرحلة الأولى، بحيث يترك الجيش الإسرائيلي منتشرًا في غزة، وكذلك في جنوب لبنان؛ و”حماس” مستمرة في التجنيد بنشاط؛ والسكان الفلسطينيين غير قادرين على استئناف حياتهم بأي شيء يشبه الأمن والعيش المعقول.
أين إدارة ترامب في كل هذا؟ سوف تدعم إدارته استمرار الاحتلال الإسرائيلي، وقمع السكان الفلسطينيين، وعرقلة الحكم الذاتي الفلسطيني، ودعم نتنياهو إذا قرر استئناف الحرب مع “حماس”. بالنسبة لترامب، غزة هي “موقع دمار”، ولذلك “نحن فقط سننظف هذا الشيء برمته”. وقد طلب من مصر (برئاسة أحد الرجال الأقوياء المفضلين لديه)، والأردن استقبال المزيد من الفلسطينيين –الذين يفترض أنهم أولئك الذين ينجون من عملية التنظيف.
إن تعيين ترامب لسفراء مؤيدين لإسرائيل بحماس (في الواقع بإيمان ديني عميق) في الأمم المتحدة وتل أبيب؛ وإبطال عقوبات بايدن على المستوطنين العنيفين في الضفة الغربية؛ وأمره للبنتاغون بالإفراج عن قنابل تزن الواحدة منها 2.000 رطل وتسليمها لإسرائيل؛ وإعفاءه إسرائيل من قرار وقف جميع المساعدات الخارجية، هي كلها أمور توضح أن تحقيق تسوية عادلة ومعزّزة للسلام للصراع الإسرائيلي الفلسطيني ستكون مستحيلة في ظل هذه الإدارة.
على العكس من ذلك، يدعم ترامب التطهير العرقي في غزة، وكذلك أي إجراء إسرائيلي يمكن أن يزيل الشرق الأوسط من أجندته. أمام الخسائر البشرية، فلا تعني له شيئًا.
*ميل غورتوف Mel Gurtov: أستاذ فخري للعلوم السياسية في جامعة ولاية بورتلاند، ورئيس تحرير “منظور آسيوي” Asian Perspective، وهي مجلة فصلية للشؤون الدولية، وينشر مدوناته في موقع Human Interest.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: The Limited Future of the Ceasefire in Gaza