هل تملك طهران أوراقا لاستيعاب ترمب؟
بقلم: وليد فارس
خطط واشنطن تجاه إيران تتلخص في رأيين لا ثالث لهما، اتفاق نووي جديد أو حرب تنهي نظامها
النشرة الدولية –
في النقاشات الواشنطونية حول خطط إدارة ترمب تجاه إيران، تتلخص التحليلات في أن الرئيس الأميركي الجديد له رأيان لا ثالث لهما، فإما أن يوقع على اتفاق نووي جديد تقدم فيه طهران على تنازلات جديدة، أو تشن أميركا هجمات تنهي عبرها النظام نهائياً. إلا أن ما يمكن أن يحدث قد لا يكون بهذه البساطة وليس بهذا الوضوح والمفاجآت قد تكون متعددة على طريق الحلول.
وما زاد الأمور تعقيداً التطورات الكبرى التي حدثت في المشرق منذ إطلاق حملة ترمب الانتخابية وأثرت في الموقف الأميركي مع بداية عهد ترمب الثاني، وأهم تلك التطورات اثنان، الأول الحرب الإيرانية- الإسرائيلية التي اندلعت منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) عام 2023، والثاني هو الانقلاب العسكري على بشار الأسد خلال ديسمبر (كانون الأول) 2024، وهذان التطوران والحروب التي نتجت منهما وضعت البيت الأبيض الجديد أمام ملفات أكثر تعقيداً.
الحروب التي انفجرت في النقب وانتقلت إلى غزة، فجنوب لبنان، إلى سوريا والعراق إلى اليمن، فإيران نفسها عدلت في ميزان القوى، وغيرت الواقع على الأرض ولم تنتهِ عملياً، على رغم إعلانات وقف إطلاق النار. فالجبهات الإسرائيلية مع ميليشيات النظام الخميني ما زالت حامية على رغم التهدئة، والالتزام الأميركي مع إسرائيل مستمر من بايدن إلى ترمب، ودخول واشنطن إلى المواجهة سيناريو لا يزال قائماً، وإن حصل فسيضع إدارة ترمب في موقع الخيارات الصعبة مع إيران، وسنرى لماذا.
المحور الثاني الذي فاجأ اللاعبين الإقليميين كان الانتفاضة التي قادتها ميليشيات “هيئة تحرير الشام”، وريثة “جبهة النصرة” وتنظيم “القاعدة”، ضد نظام الأسد فأسقطته وسيطرت على العاصمة والمدن الكبرى وصولاً إلى حدود الأردن والعراق، مما قطع الممر الإستراتيجي بين إيران والمتوسط.
وفي ظل هذه الأعاصير، كيف ستتمحور سياسات إدارة دونالد ترمب تجاه إيران الآن بعد أن دخل وزراؤه إلى المباني الفيدرالية السيادية من خارجية ودفاع وأمن قومي؟ وكيف ستتحرك الإدارة الجديدة تحت علم “ماغا” MAGAإزاء الإمامة الخمينية وسط زلازل تتوسع في المنطقة؟ ولعل القارئ قد يتساءل هل سيغير ترمب سياسته المتشددة تجاه إيران بعد أن عاد للبيت الأبيض؟ ما هي البدائل؟. فلننظر إلى احتمالات السيناريوهات.
الرئيس ترمب سيجمع اتجاهين في أجندة واحدة، فالأول سيكون محاولة جدية للحوار مع إيران والتفاوض مع قيادتها للتوصل إلى “اتفاق نووي جديد”، وبالطبع سيسعى ترمب إلى صفقة تنهي السلاح النووي في إيران ومشروع اقتصادي كهدية إلى الحكومة الإيرانية إذا وافقت، ولكن الداخل الأميركي سيشدد على التزام إيراني بعدم استهداف إسرائيل، وهنا التحدي الكبير أمام النظام سيكون مفترق طرق. فإما أن يقبل الخمينيون بصفقة كهذه أو أن يماطلوا لكسب الوقت،
وإذا قبل النظام بذلك وقدم تنازلات، فقد يفتح ذلك باب انتفاضة داخلية، وإذا ماطل كثيراً فقد يفتح باباً لضربة إسرائيلية على النظام. وبعض المفاوضين في معسكر الرئيس يعتقدون بأن البيت الأبيض قادر على خوض المفاوضات مع طهران وكسب المعركة الدبلوماسية والضغط على إيران حتى الانحسار عسكرياً، وآخرون في أوساط الإدارة لا يثقون بالملالي ويقترحون التقدم على خطين موازيين، خط التفاوض من ناحية وخط المحاصرة الميدانية من ناحية أخرى، أي الاستعداد لضربة واسعة، مع أو من دون الإسرائيليين، وهذا الفريق سيكون مستعداً للضغط العسكري، بينما سيحاول مفاوضون ووسطاء أن يفرضوا اتفاقاً بديلاً لصفقة أوباما عام 2015، ولكن الألغام متعددة ومن أهمها الوضع في سوريا والوضع مع “حزب الله” وانفجار ممكن في اليمن، والأهم احتمال اندلاع ثورة واسعة داخل إيران، إذ إن أيّاً من انفجارات كهذه من الممكن أن يطيح بخيار المفاوضات الأميركية- الإيرانية ويطلق المواجهة الكبرى في المنطقة.
من هذا التقييم يمكننا أن نرى أوراقاً قد تستعملها طهران في الرقص مع “المارد ترمب”، الأولى إنتاج اتفاق أوسع مع حركة “حماس” يطيح الهدف الإسرائيلي بفكفكة هذه الميليشيات، والثانية الطلب من “حزب الله” أن يمتنع عن فتح جبهة الجنوب اللبناني والإمساك بأكبر قسط من السلطة في لبنان، وثالث ورقة التفاوض حول اليمن لتصبح إيران “عرابة” لتسوية مشكلة الحوثيين، والرابعة إيجاد اتفاق حول العراق ونفطه، والورقة الخامسة إقناع الإدارة الأميركية بالحل الدبلوماسي وإيقاف الضربة الإسرائيلية على إيران.
هكذا قد تنجو طهران من أربعة أعوام ترمب بفضل سلسلة الاتفاقات، فتعطيه انتصارات بينما تهيئ لوثبتها النووية، ولكن جزءاً من حلقات ترمب القريبة منه يعرف هذه الخطط، وقد يقنع الرئيس بخطط بديلة تفاجئ إستراتيجية إيران، سنرى.