“الحلم والموسيقى: فلسفة الإيقاع في لحن غرناطة”

بقلم الباحثة والناقدة دنيا صاحب – العراق
المقدمة:
مقطوعة “غرناطة” للموسيقار نصير شمة والعازف الإسباني كارلوس بينيانا تُعد تجسيداً حياً للتلاقح الثقافي بين الموسيقى العربية والإسبانية. تحمل هذه المقطوعة رمزية فلسفية تعكس الحوار الحضاري عبرالموسيقى، مستعيدةً عبق الأندلس وسحر غرناطة بوصفها مركزاً للإتقاء الثقافي في العصور الوسطى. يستند هذا البحث إلى دراسة تحليلية وأكاديمية معمقة لإستكشاف المقطوعة وأسلوب العزف الثنائي لكل من نصير شمة وكارلوس بينيانا.
أولاً: الإطار الفلسفي للمقطوعة
1. الأندلس كإطار رمزي
تجسّد المقطوعة حنيناً إلى الأندلس، بوصفها رمزاً للإبداع والازدهار في التاريخ العربي الإسلامي.”
تعكس الألحان فلسفة الإنصهار الثقافي بين الشرق والغرب، حيث يُعيد نصير شمة صياغة ذكريات تلك الحقبة باستخدام الموسيقى لغةً عالمية.
2. الرومانسية الموسيقية
أسلوب نصير شمة يحمل طابعاً رومانسياً يعبر عن مشاعر ، الحب والأمل ، الحنين ، الشوق.
بينما يُبرز كارلوس بينيانا
الحسية والدفء المشاعر في التقاليد الإسبانية الفلامنكو. هذه المزاوجة تُبرز التوازن بين العقل والعاطفة، وهي فلسفة جوهرية في الموسيقى الأندلسية.
ثانياً : التحليل الموسيقي
1. الإيقاعات والمقامات المستخدمة:
تبدأ المقطوعة بمقام النهوند، الذي يرمز إلى الشجن والعمق العاطفي، ثم تنتقل إلى الحجاز، الحامل المسة الإسبانية ذات طابع شرقي. تُظهر التبدلات المقامية ببراعة في التنقل بين الكلاسيكية العربية،والتقاليد الإسبانية. ينهي العمل بمقام العجم الذي يعكس إصالة التراث الإسلامي ، وكأن المقطوعة تروي قصة تبدأ من مدينة الأحلام، غرناطة، حيث تتناغم الأوتار مع أنفاس التاريخ، ويغني اللحن أصداء الماضي المجيد. كل نغمة فيها تفتح باباً إلى ماضٍ مزدهر، وتدعونا للسير عبر طرقاتها المليئة بالذكريات، حيث كانت الأندلس معقلاً للإبداع والفكر. المقطوعة تحمل في طياتها روحاً مفعمة بالحنين إلى ذلك الزمن الذي شهد ازدهاراً ثقافياً وفنياً لم يسبق له مثيل. لحنها يعكس التلاقي بين الشرق والغرب، بين العراقة والتجديد، ليجسد صورة حية لتاريخٍ أثّر في الحضارات الإنسانية على مر العصور. في تلك الحقبة، كانت الأندلس محط أنظار العلماء والحكماء والفلاسفة والفنانين والشعراء من جميع أنحاء العالم، حيث ارتفعت فيها قيمة العلم والمعرفة، وأصبحت مهداً للفلسفة، والفلك، والطب، والرياضيات. كما أضاءت سماء الأندلس شمس الأدب والشعر، حيث ازدهر الشعر الأندلسي بنغماته الرقيقة وصوره الجمالية، وظل تأثيره باقياً حتى اليوم. في قلب غرناطة، حيث قصر الحمراء الذي يعد رمزاً للعمارة الإسلامية الفاخرة، ينعكس في كل تفاصيله تأثير الثقافة الممزوجة بعراقة الحضارة العربية الإسلامية وثرائها.
الإيقاعات:
الإيقاع الأساسي يتمحور حول ميزان ثنائي(6/8) مشابه لإيقاع الرومبا الإسبانية، مما يُبرز التفاعل بين الجمل الموسيقية المرسلة والموقّعة.استخدام نصير شمة للضربات المقامية يدعم الهيكل العربي، بينما تُضيف لمسات بينيانا قوة وحيوية الفلامنكو.
2. أسلوب العزف الثنائي
يُظهر العازفان تفاهماً استثنائياً، حيث يعمل نصير شمة على تقديم الجملة الموسيقية الرئيسة بلغة عاطفية رومانسية هادئة ، بينما يتبع بينيانا بأسلوب يُثري الحوار الموسيقي.
تبادل الأدوار بين العود والغيتار يعكس تكاملاً عضوياً موسيقيًا وفنيًا، حيث يندمج الصوتان ليشكلا لغة موسيقية واحدة تتناغم فيها الثقافات الشرقية والغربية.
شمة: يميل إلى استخدام العزف الحر والتقاسيم الإرتجالية.
بينيانا: يعزز البناء بإيقاعات ديناميكية مستوحاة من الفلامنكو.
3. تداخل الألوان الصوتية
تقنية تريمولو التي يستخدمها نصير شمة تضيف بُعداً شعرياً يُبرز تأثيراً رومانسياً – كارلوس بينيانا يُبرز نغمات حادة وقوية تُظهر عمق الغيتار الإسباني، مع تأثيرات مثل الـرأسغوادو
والـبيكادو لتجسيد الروح الفلامنكية.
ثالثاً: تحليل أسلوب نصير شمة الرومانسي
البُعد العاطفي :
أسلوب شمة يعتمد على استدعاء المشاعر من خلال نغمات طويلة ومرسلة، مما يتيح للمستمع الغوص في أعماق الألحان. يُبرز هذا الأسلوب تأثره بمدارس الموسيقى الكلاسيكية والرومانسية.
التقنيات الفنية:
يعتمد نصير شمة على استخدام الأصابع بإتقان لإخراج نغمات دقيقة ومعبّرة.
استخدام السكتات الموسيقية بين الجمل يمنح المستمع لحظات تأملية تزيد من العمق العاطفي.
الرؤية الفلسفية:
رؤيته للعزف ليست مجرد تقنية بل وسيلة لتوصيل رسائل إنسانية، حيث تُصبح الموسيقى في أنامله لغة عالمية لنشر لغة الحب والتفاهم والسلام.
رابعاً : التفاعل بين نصير شمة وكارلوس بينيانا
يظهر التفاعل بين العازفين كحوار موسيقي متكامل، حيث لا يسعى أي منهما للهيمنة بل لتحقيق التفاهم الموسيقي التناغم بالعزف الثنائي.
شمة: يقدم البعد السردي للألحان.
بينيانا: يضيف إيقاعات نابضة وحيوية تُعزز البناء الموسيقي.
الانسجام الثقافي: حيث يوحدان ثقافتين موسيقيتين مختلفتين في عمل واحد، يُجسد العازفان مبدأ “الوحدة في التنوع” مما يُبرز القيم المشتركة.
مقطوعة “غرناطة” ليست مجرد قطعة موسيقية بل هي عمل فلسفي يروي قصة الأندلس بأسلوب فني حديث متقن. عبر هذا التعاون، يُبرز نصير شمة وكارلوس بينيانا القدرة الفريدة للموسيقى على تجاوز الحدود الثقافية والجغرافية. إن أسلوب شمة الرومانسي وإبداع بينيانا الإيقاعي يقدمان تجربة موسيقية لا تُنسى، تُظهر كيف يمكن للموسيقى أن تكون وسيلة للتواصل الإنساني العابر للزمان والمكان.
الجزء 2 ( التكملة)
المقدمة:
“غرناطة” ليست مجرد مقطوعة موسيقية، بل هي سرد موسيقي متكامل يروي فصولاً من التاريخ المشترك بين الشرق والغرب. تتجلى فيها عبقرية نصير شمة، أحد أبرز عازفي العود في العالم العربي،
وابتكار كارلوس بينيانا، أحد أعمدة الفلامنكو الإسباني. يعتمد هذا البحث على تحليل مفصل للإيقاعات، النغمات، أساليب العزف، وديناميكية التفاعل بين الآلتين (العود والغيتار) ، مع تسليط الضوء على الرمزية الثقافية والفنية للمقطوعة.
أولاً: الإيقاعات في المقطوعة
1. الإيقاعات الأساسية
المقطوعة تُبنى على قاعدة إيقاعية مستوحاة من إيقاعات الرومبا والفلامنكو الإسبانية الممزوجة بالإيقاعات الشرقية.
الإيقاع الأساسي: ميزان (6/8) الذي يُعرف بإيقاعه الديناميكي وانسيابيته، وهو شائع في تقاليد الموسيقى الإسبانية مثل الرومبا.
تناغم بين إيقاعات السماعي العرب، (8 / 10) وإيقاعات البوليرياس الإسبانية ( 12/8) مما يخلق تنوعاً إيقاعياً يُثري العمل ويعزز التنقل العاطفي.
2. دور الإيقاع في الحوار الموسيقي
العود يبدأ بإيقاع حر (تقاسيم) يُبرز الجانب التأملي، ثم يتدخل الغيتار ليضفي حساً ديناميكياً.
الحوار الإيقاعي يُبرز التباين بين مرونة العود وإيقاعية الغيتار، حيث يعتمد العود على تغييرات دقيقة في السرعة والتأثيرات الصوتية، بينما يضيف الغيتار بنية رصينة وداعمة أثناء العزف الثنائي.
ثانياً: النغمات والمقامات في المقطوعة
1. المقامات الشرقية المستخدمة
مقام النهوند : يُهيمن على البداية ليُبرز طابعاً عاطفياً شجياً، وهو قريب في طبيعته من السلم المينور الغربي، مما يُسهل الحوار الموسيقي بين العود والغيتار.
مقام الحجاز : يُستخدم في الجزء الأوسط ليعكس الطابع الأندلسي التقليدي، حيث يُبرز التداخل بين الشرق والغرب.
مقام السيكاه : يُظهر قدرة نصير شمة على استخدام لمسات محلية تعزز الهوية العربية للمقطوعة.
مقام العجم : يختتم العمل، وهو مقام يحمل طابعاً تفاؤلياً ويُبرز الوحدة بين الثقافتين.
2. النغمات والكواليس الصوتية
العود يُبرز النغمات المرسلة باستخدام تقنية التريمولو، حيث تعكس هذه التقنية إحساساً بالرومانسية
والتأمل – الغيتار يُركز على التنويع الصوتي باستخدام تقنيات مثل :
البيكادو : لإنتاج نغمات واضحة وقوية.
رأسغوادو : لتعزيز الإيقاع.
الأرباجيو : لإضفاء حس جمالي يعكس الطابع العاطفي.
ثالثاً : أساليب العزف على العود والغيتار
1. أسلوب نصير شمة على العود
تقنية الأصابع: يعتمد نصير شمة على توظيف أصابع يده اليمنى بمهارة عالية، حيث ينساب العزف بين الأوتار بسلاسة، مع تنقلات دقيقة وسريعة على سلم الأوتار. يتميز بأسلوبه الفريد في العزف، حيث تتناغم أصابع يده اليمنى في حركة سلسة بين الصعود والنزول، مما يمنحه القدرة على التحكم الدقيق في الديناميكيات والنغمات المختلفة.
أما يده اليسرى، فهي تُستخدم بشكل بارع للتنقل بين الأوتار والنغمات المتنوعة، بدءاً من العزف البطيء وصولاً إلى السريع. تعكس أصابعه اليسرى قدرة فائقة على التحكم في الانتقالات السريعة والدقيقة بين النغمات، مما يزيد من مرونة أدائه.
كذلك، يستخدم نصير شمة تقنيات متقدمة مثل التريمولو (التكرار السريع لوتريين أو أكثر) والسكتات (الوقف المؤقت للنغمة) بإتقان، مما يضيف بعداً موسيقياً غنياً يعزز التعبير الفني في كل مقطوعة.
استخدام التريمولو والسكتات الصوتية:
تقنية التريمولو تُستخدم لإضفاء طابع عازف حالم وهادئ، حيث تخلق حركة متواصلة بين الأوتار تُثير في المستمع شعورًا بالصفاء والسكينة، مما يعزز الجانب العاطفي في العزف.
أما السكتات الصوتية، فهي تمنح الموسيقى أبعادًا درامية، حيث تُبرز مشاعر متنوعة مثل الحب، الرومانسية، والشجن، وتُعبّر عن مشاعر الإنسان العميقة من حنين، شوق، وأمل. كما تتيح السكتات مساحة للموسيقى للتنفس، مما يُساهم في نقل روح الحضارة الإسلامية وأصالتها، ويُعزز الارتباط بالمشاعر الإنسانية الأصيلة، كالتفاؤل والفوز والانتصار، ويعكس التجدد المستمر للحياة.
1- الرؤية السردية لنصير شمة:
عزف نصير شمة لا يقتصر على تقديم نغمات فحسب، بل يُجسد قصة موسيقية تتناغم مع مشاعر الحنين والشوق، وتُعبّر عن الاحتفاء بالهوية الثقافية. من خلال موسيقاه، ينقل رسائل عميقة تعكس ارتباطه العاطفي بالتراث والحضارة، مُستفيدًا من مهاراته التقنية العالية لإيصال رسائل إنسانية وروحية تتخطى الحدود الزمانية والمكانية.
أسلوب كارلوس بينيانا على الغيتار:
1. الإيقاع والديناميكية: يُركّز كارلوس بينيانا على استخدام تقنية رأسغوادو(Rasgueado)، وهي تقنية إيقاعية تُضيف قوة وحيوية للأداء، مما يُعطي إيقاعات المقطوعة طابعاً ديناميكيًا نشطاً.
كما يُعزز ديناميكية العمل من خلال استخدام إيقاعات بوليرياس الرشيقة، التي تُضفي تنوعاً وتوازناً على الأداء الموسيقي، مما يُساهم في إبراز الطاقة العاطفية والإيقاعية للقطعة بشكل رائع.
التنويع الصوتي:
يُبرز التنقل بين تقنيات البيكادو والأرباجيو (Arpeggio) الحساسية والجمال في عزف كارلوس بينيانا، حيث يُظهر تنوعًا صوتيًا يُثري الأداء الموسيقي. كما يُضيف إدخال زخارف موسيقية مستوحاة من الفلامنكو عمقًا إضافيًا للتكوين الموسيقي، مما يثري النغمة العامة للمقطوعة ويُعزز من جاذبيتها السمعية.
الحوار مع العود:
يتفاعل كارلوس بينيانا مع آلة العود بأسلوب تكاملي، حيث لا يسعى للتنافس معها، بل يُكمل عزفها. هذا التفاعل يُظهر وحدة وتجانسًا بين أسلوب العزف على العود والغيتار، مما يُخلق تناغمًا موسيقيًا يجسد التعاون الفني بين العازفين على الآلتين.
رابعاً: الحوار الموسيقي بين العود والغيتار
1. التكامل بين الآلتين
يُمثل العود الجانب التأملي والحر في المقطوعة، حيث يقدم الأساس الميلودي الذي يحدد الإطار العاطفي للموسيقى. بينما يُكمل الغيتار هذا الأساس بإضافة بُعد إيقاعي وصوتي قوي، مما يُبرز الطبيعة التعاونية للمقطوعة ويُعزز من تأثيرها العام.
2. التبادل الجمالي
يركز العود على تقديم الجملة الموسيقية بأسلوب غنائي وجمالي، معبراً عن عمق العاطفة والحنين. بينما يضيف الكيتار زخارف موسيقية وإيقاعات تُضفي طابعاً احتفالياً وحيويًا. المزج بين تقاسيم العود وجمل الغيتار الإيقاعية يعكس حواراً ثقافياً غنياـ، عابراً لحدود الزمان والمكان، مما يعزز من وحدة العمل الموسيقي وتكامله.
خامساً : الرمزية الثقافية والفنية
المقطوعة كجسر حضاري:”غرناطة” ليست مجرد مقطوعة بل هي رمز للتفاهم بين الشرق والغرب، حيث تستعيد عبق الأندلس كمركز للتلاقح الثقافي.
البُعد الإنساني :
العمل يُبرز قدرة الموسيقى على تجاوز الحواجز الثقافية واللغات ، مع التركيز على القيم الإنسانية
المشتركة “غرناطة” هي شهادة حية على براعة نصير شمة وكارلوس بينيانا في تقديم تجربة موسيقية تجمع بين التقاليد الشرقية والغربية. من خلال الإيقاعات الممزوجة، النغمات العاطفية، وأساليب العزف المتكاملة، تُبرز المقطوعة تلاحماً حضارياً نادراً يُعيد إحياء روح الأندلس، ويُجسد الفن بوصفه وسيلة لتوحيد الإنسانية.
سادساً: الأسلوب الرومانسي في العزف
فيما يلي تحليل فلسفي وبحث موسيقي معمق حول هذا الأسلوب الفريد:
1. العاطفة الرومانسية العميقة والتعبير الحسي بالنغمات الموسيقية يتميز أسلوب نصير شمة في “غرناطة” بالتعبير العميق عن المشاعر الإنسانية، مما يعكس سمات الرومانسية في الموسيقى. تظهر العاطفة في تنقله بين النغمات بأسلوب سلس، معززاً الإحساس بالحنين والإنتماء الثقافي للحضارة الشرقية.
2. استخدام الديناميكيات الصوتية
يستخدم شمة التباين بين الأصوات العالية والمنخفضة بأسلوب يعكس درامية المشهد الموسيقي. يتنقل بين هدوء ناعم وتصاعد سلس بنغمات موسيقية تحمل انفعالات متباينة، ما يعكس الطابع الرومانسي.
3. الإبداع الحر
رغم أن المقطوعة مبنية على قواعد موسيقية كلاسيكية، إلا أن شمة يُظهر مرونة في تفسير ألوان الألحان والعزف الارتجالي، وهو ما يُعد جزءاً أساسياً من الروح الرومانسية.
التحليل الفلسفي:
1. الارتباط بالمكان والذاكرة الثقافية
“غرناطة” ليست مجرد اسم لمقطوعة موسيقية، بل هي رمز للحضارة الإسلامية من شرق إلى غرب، ومن بغداد مهد الحضارات، ملهمة الفنون، مركز العلوم وملتقى الثقافات. تلتقي الأزمان في غرناطة حيث تتناثر عبق الذكريات بين جدران قصر الحمراء، وتهمس الرياح بأنغام من تراث الماضي العريق، تروي قصصاً من عزٍ وثراء، وتخفي بين طياتها أرواحاً صوفية كانت تزهر في كل ركن من أركانها. عزف شمة يعيد بناء الذاكرة الجماعية للمدينة المفقودة، مما يجعل المقطوعة تأملاً فلسفياً في فكرة الزمن والإنتماء.
2. الثنائية بين الماضي والحاضر
من الناحية الرومانسية، تعكس “غرناطة” مشاعر الحنين للماضي العريق، لكن أسلوب شمة يعبر أيضاً عن أمل مستقبلي في استعادة الروح الثقافية لهذه الحقبة.
3. التفاعل بين الفرد والجماعة
يعبر عزف نصير شمة عن تجربة شخصية تتفاعل مع الروح الجماعية، حيث يتجاوز أسلوبه في العزف حدود الذاتية الفردية ليخلق حالة تأملية عامة، تلامس الهوية الثقافية والانتماء الإنساني. فهو يعزز فكرة توحيد البشر بروح إنسانية واحدة تتجاوز الفروق، وتجمعهم في أفق مشترك من الهوية الإنسانية، قائمة على التآخي ، والتعاون المشترك، والتبادل الثقافي. كما يسهم في نشر السلام بين المجتمعات البشرية، وترسيخ قيم التعايش والتناغم السلمي، حيث تسود المحبة والاحترام والتفاهم بين شعوب العالم، ويعم الاستقرار والعدالة.
العناصر الموسيقية الداعمة للأسلوب الرومانسي:
1. المقامات الموسيقية
استخدام مقامات مثل النهوند والحجاز يضيف بعدا عاطفياً قوياً للمقطوعة. النهوند يعكس الشجن والشوق والحنين، بينما الحجاز يضفي طابعاً روحانياً.
2. الإيقاعات
الإيقاعات المستخدمة ليست متسارعة فقط، بل تحمل هدوءاً وتأملاـ، مما يعزز الطابع الرومانسي ويخلق جواً من الانسجام العاطفي الذي يعبر عن عمق الأحاسيس الإنسانية وتجدد الروح في رحلة بين لحظات السكينة والشغف.
3. التنقل بين الجمل الموسيقية
الإنتقالات السلسة والمتدرجة بين الجمل الموسيقية تعكس التأمل الفلسفي في دورة الحياة واستمرارها وتجددها، مما يعبر عن روح التعاون والتواصل الثقافي المشترك بين الشعوب. هذه التدرجات تبرز التوازن بين الأمل والتحديات، وتسلط الضوء على الوحدة الإنسانية التي تنبثق من تنوع الثقافات، حيث يسهم كل لحن وكل إيقاع في بناء جسور من الحوار الثقافي المتبادل بلغة السلام بين الأمم والشعوب.
النتيجة:
أسلوب نصير شمة في “غرناطة” ليس مجرد أداء موسيقي، بل هو فلسفة عميقة تستحضر الماضي وتعبر عن مشاعر إنسانية صادقة تتعلق بالحاضر والمستقبل. يدمج شمة ببراعة الرومانسية بالفكر الفلسفي، حيث يعكس في عزفه ثنائية الزمان والمكان، والحب والأمل، والفرد والجماعة. وهذا التناغم بين الأبعاد المختلفة يجعل المقطوعة أكثر من مجرد تجربة فنية؛ إنها رحلة عاطفية وفكرية تتجاوز الحدود الصوتية. وفي سياق شعري يأسر الأرواح ويحفز الأحلام، تمضي الكلمات في حب الأوطان، متماهيةً مع الألحان التي تشرق كأشعة شمس جديدة على لحن “غرناطة”، لتعبّر عن رسالة موسيقية إنسانية تحمل بين نغماتها دعوة للسلام والوحدة الإنسانية.
(في سياقٍ شعريٍّ يأسرُ الأرواحَ، ويحاكي الأحلامَ،
تمضي الكلماتُ في حبٍّ يتماهى مع الألحان، ليُشرقَ لحنُ غرناطة)
بين الحبِّ والأحلامِ، لحنُ غرناطة
في سُباتِ الحنينِ، ينثالُ وترٌ،
يهمسُ للروحِ سِرَّ السَّفَرِ.
عُودٌ يبوحُ بذكرياتِ الحبِّ،
وغيتارٌ يشدو بنبضِ السَّهرِ.
غرناطةُ، يا سيِّدةَ الجمالِ،
بين أصابعِ النغمِ وحُلُمِ الخيالِ.
أنفاسُ الريحِ تُقبِّلُ وترَ الروحِ،
فينيرُ السماءَ طيفُ الهلالِ.
هناك، حيثُ يجري لحنُ الأملِ،
يُداعبُ صمتَ التاريخِ العتيقِ،
ويحاكي خيوطَ الفجرِ الجديدِ.
في كلِّ رنينٍ نغمةٌ وإيقاعٌ،
تزهرُ حدائقُ الأندلسِ سحر الجنان،
وتتراقصُ أجنحةُ الطيورِ.
نصيرُ شمة، فارسُ الأحلامِ،
يُشرقُ بالألحانِ في رونقِ الأيامِ.
شاعرُ الأنوارِ بفيضِ الأوتارِ،
يسافرُ في حنينِ العودِ كبحَّارِ.
يكتبُ للروحِ قصيدةَ العشَّاقِ،
ويَسكبُ في قلبِ الليلِ ضياءً.
ينسجُ للإيقاعِ عباءةَ النهارِ،
يبني جسراً بين شرقٍ وغربٍ،
ويُعيدُ ذكرياتِ تراثِ الديارِ.
وكارلوس بينيانا، عازفُ الغيتارِ،
يعزف لحناً من لؤلؤةِ التاريخِ،
نبضاتِ قلبِ الأندلسِ أسرار الجمال،
ويبعثُ الذاكرةَ في كلِّ وترٍ من أوتارِ الخيال.
في لحنِ غرناطة، وُلِدَت العيونُ،
رأتِ الشروقَ يُقبِّلُ شاطئَ الحنونِ.
الأرضُ غنَّت، والسماءُ رقصت،
فتاهَ الزمانُ بين عاشقٍ وفنانٍ.
يا وترينِ، بينكما سرُّ المدى،
سرُّ الشوقِ، الفرحِ، والغِنَى.
أأندلسُ العشقِ, أعودُ إليكِ؟
أم أذوبُ في هذا اللحنِ أبداً؟
لحنُ غرناطة… حلمٌ لا ينتهي،
يحاكي الأرواحَ, ويُعيدُ للتاريخِ
غناءَه, بشوق العشاق.
النص الشعري : للشاعرة دنيا صاحب