لبنان بين رئاستين… شهاب وعون
بقلم: حمزة عليان

النشرة الدولية –
لم تتوافر عن فؤاد شهاب الذي تولى رئاسة الجمهورية اللبنانية بين عامي 1958 و1964 سيرة أكاديمية باللغة الإنكليزية أو الفرنسية وحتى العربية، لذلك أقدم الباحث الفرنسي ستيفان مالساين وأستاذ مادة التاريخ بمعهد الدراسات السياسية في باريس على إجراء بحث نشره في كتاب بعنوان «فؤاد شهاب… شخصية منسية من تاريخ لبنان».
وكان الغرض من هذا البحث، في حديث جرى مع المؤلف، معرفة أسباب استمرار مكانة فؤاد شهاب وشعبيته بين اللبنانيين، وهم في حالة من الترقب لعودة شخصية إلى المشهد السياسي تشبه هذا الاسم وتاريخه الإصلاحي.
يعتقد المؤلف أن سيرة فؤاد شهاب لا تختصر بفترة رئاسته الإصلاحية، بل تقدم منظوراً فريداً لدراسة تاريخ لبنان الحديث.
أحد الأسباب لنظرة اللبنانيين إلى مرحلة شهاب أن أغلبيتهم لا يزالون يعتقدون أن أسطورة «سويسرا الشرق» مرتبطة بعهد كميل شمعون (1952 – 1958) عندما طبّقت السرية المصرفية في لبنان أكثر من ارتباطها بفؤاد شهاب، لكن السيرة التي وضعها الباحث الفرنسي تقول إن العصر الذهبي يكمن في أن أول محاولة لشهاب كانت في بناء دولة حديثة قائمة على المؤسسات والعدالة الاجتماعية وتنمية المناطق الريفية، وهذا ما لم يدركه عدد كبير من اللبنانيين.
ترك إرثاً مزدوجاً في السرديات اللبنانية، صورة رئيس أجرى إصلاحات مهمة وحاول تقويض النظام الطائفي، وصورة ثانية لرئيس أرسى نظاماً سلطوياً من خلال ضباط «المكتب الثاني» (جهاز استخبارات)، وهذه الصورة الثانية صاغها خصوم شهاب من السياسيين المسلمين والمسيحيين.
ما يهمنا في هذه القراءة، هو هل يمكن أن نرى فؤاد شهاب جديداً أو آخر في وضعنا الراهن؟ يجيب الباحث الفرنسي عن السؤال بأن شهاب كان يحتقر بوضوح الطائفية السياسية و«أكلة الجبنة»، كما يسميهم، فالرجل لم تكن السلطة تغريه أو يسعى للاحتفاظ بها، وقد حاول رسم صورة رئيس صادق مع نفسه ومع شعبه، أراد أن يقدم نموذجاً مضاداً للطبقة السياسية الحاكمة، وعمل على ممارسة دوره وصلاحياته وفق الدستور، وبعيداً عن الانتماء الطائفي… لذلك فالمقارنة بين رئاسة شهاب والحاضر غير مجدية، فالسياقات مختلفة، وعليه يجب عدم الاقتراب من هذا الخطأ… وليس من الحكمة الحديث عن شهاب جديد في عام 2025 مقابل الرئيس الحالي المنتخب جوزيف عون، كما فعل البعض، وإن كان ثمّة تشابه بينهما بكونهما كانا قائدين سابقين للجيش.. والشبه ينتهي عند هذا الحد فقط، وربما بكونهما قادرين على إنقاذ لبنان.
عام 1958 انتُخب شهاب رئيساً دون وجود جيوش أجنبية وميليشيات، وانتخب في مجلس نواب دون حضور سفراء أجانب أتوا لتقديم الدعم.
في عام 1958 كانت هناك بيئة إقليمية أكثر استقراراً مما هي عليه اليوم، وفي حينه شكلت حكومة رفعت شعار «لا غالب ولا مغلوب».
شهاب اتبع سياسة خارجية قائمة على الحياد الصارم، حيث وفّرت للبنان نحو 6 سنوات من الاستقرار، اليوم هناك برنامج إصلاحي عناوينه معروفة، لكنه يواجه عقبات وضغوطاً كبيرة تحدّ من تنفيذه.
الخلاصة التي انتهى إليها الباحث حول ما إذا كان الرئيس جوزيف عون يسير على خطى فؤاد شهاب، أن شهاب كان لديه مطلق الحرية في تنفيذ برنامج إصلاحي دون ضغوط إقليمية ودولية ومن دون أن يضطر للتعامل مع وجود قوة عسكرية مثل حزب الله وبأنه دولة داخل الدولة، ولم يكن شهاب في مواجهة جيش إسرائيلي، ينتهك سيادة الأراضي اللبنانية بصورة يومية… ربما هناك مساعٍ لتشكيل أسطورة عن جوزيف عون تشبه فؤاد شهاب، لكن الواقع يقول عكس ذلك… إذن لننتظر ونرَ.