غزة بين الانتصار والانكسار.. هل من ياسر عرفات جديد!
بقلم: رجا طلب

النشرة الدولية –
مقدمة:
قد يجلب لي هذا المقال اتهامات كثيرة وقاسية ولكن مهمتنا في هذه المهنة والاعلام بعامة ان نكون صادقين مع انفسنا ومع الناس وليس كما تفعل بعض الفضائيات العربية منذ 18 شهرا من العدوان على غزة، فمنها من هول ويهول الاحداث وكأن غزة على اعتاب النصر المظفر، ومنها من هولت الامور بالاتجاه المعاكس ومنذ اليوم الاول للحرب وكأن اسرائيل قدر لا يرد.
المقال:
بعد حصار مرير لجيش الاحتلال لبيروت عام 1982 بقيادة ارييل شارون لمدة 82 يوماً وقصف جوي وبري وبحري اوقع اكثر من 17 الف شهيد وعشرات الآلاف من الجرحى وباستخدام القنابل العنقودية والفراغية التي كانت تستخدم لاول مرة في الشرق الاوسط وافق ياسر عرفات على الخروج من بيروت بعد ان استمع لمطالب القيادات اللبنانية بالخروج الى خارج لبنان لينقذ ما تبقى من بيروت وليوقف قتل المدنيين، لكن عرفات وبعقليته الشعبوية وحفاظا على هيبة الصمود الاسطوري للمقاتلين الفلسطينيين واللبنانيين رفض شرط شارون خروج المقاتلين من بيروت رافعين رايا? الاستسلام البيضاء واصر بالمقابل على خروجهم بلباسهم العسكري واسلحتهم الفردية، وفعلا كان مشهد الخروج من بيروت مشهدا لا ينسى خلده التاريخ وحوله عرفات بذكائه وهو في الباخرة «اتلانتس اليونانية» من مشهد انكسار الى مشهد للانتصار وقال وهو يرفع شارة النصر مقولته التاريخية (خرجنا من بيروت ولكننا لم نخرج من المعركة) ومقولته الشهيرة (يا جبل ما يهزك ريح).
اوجه الشبه بين بيروت 82 وغزة 2025 كثيرة ولكن في غزة كان القتل افظع وابشع والدمار اعمق واكبر والالم اكثر وجعا والجوع اكثر وحشية ورائحته تحتاج لتوصيف ليس موجودا في قاموسي الى الآن، واليوم وبعد ان ثبت ان الاحتلال يصر على الابادة الجماعية للغزيين بالسلاح او بالجوع وبعد ان بات واضحا ان حماس تحديدا استنزفت للدرجة التى لم تعد فيها قادرة على «ايذاء المحتل» ولا حتى بالحد الادنى منه وان الناس في غزة اصبحوا يتمنون الموت على يوميات القتل والجوع والدماء، يبرز هنا السؤال «الممنوع والمحرم» ماذا بعد؟
وما الذي يمكن ان تبادر له حماس طالما ان الاحتلال لم يعد يعير وزنا لاي جهة دولية ولا اي وزن للرأي العام العالمي، وان نتنياهو مصمم على ابادة غزة والعالم يتفرج.
اعتقد ان هذا السؤال برسم قيادة حماس وتحديدا من هم في الداخل، وهنا اود تقديم مقترح اجتهادي للمقاومة والحركة، والمقترح هو:
اولا: الافراج عن الاسرى الاسرائيليين وقتلاهم مقابل الافراج عن كامل الاسرى الفلسطينيين لدى الاحتلال.
ثانيا: القبول بخروج القيادات البارزة من الصف الاول لحماس الى الخارج مقابل ضمانات دولية مكتوبة وتحديدا ضمانات اميركية بوقف الحرب واعادة الحياة للقطاع وخروج قوات الاحتلال والبدء بالاعمار باشراف دولي.
ثالثا: تشكيل لجنة فلسطينية–عربية لادارة القطاع وباشراف دولي على ان ترسم هذه اللجنة خارطة طريق لابقاء القطاع تحت السيطرة الفلسطينية ومنع اقامة اي مستوطنات فيه والدفع ببدء مسار سياسي يغٌطى بقرار من مجلس الامن الدولي لتنفيذ حل الدولتين.
رابعا: كل ما سبق ولكي لا تظهر حماس بمظهر «المنكسر» يمكن ان تضع هذا المقترح في اطار خطاب تقدمه للشعب الفلسطيني بعامة واهل غزة بخاصة يبنى على اساس حرص الحركة والمقاومة على وقف حرب الابادة ونزيف الدم في هذه المعركة التى بات فيها اللحم والعظم والدم الغزي هم السلاح المقاوم المتبقي لدى الحركة، وان المسؤولية الاخلاقية لها تتطلب الاعتراف بان الانتصار الواقعي والذي هو في متناول اليد هو انقاذ الغزيين وغزة بعد صمود اسطوري سوف يسجله التاريخ بكل تقدير واحترام، وان نهاية معركة طوفان الاقصى لا تعني نهاية الصراع مع الاحتل?ل التي بدأها عز الدين القسام عام 1935.
في التاريخ ليس كل انكسار هو هزيمة، بل الكثير من الانكسارات العسكرية كانت محطات اعادت تشكيل القوة وبناءها ومن ابرز الامثلة على ذلك قبول الخميني بقرار مجلس الامن رقم (598) الذي وصفه الخميني في اغسطس عام 1988 كمن يتجرع كأس السم، وقرار الانسحاب المفاجئ ليهود بارك من جنوبي لبنان عام 2000.
(الانكسار ليس هزيمة لمن يريد المقاومة والكثير من الانتصارات تحولت الى هزائم بسبب غباء المنتصر).
وسؤالي: هل من ياسر عرفات جديد؟