تهويد القدس ومحو الخط الأخضر: الاحتلال الإسرائيلي يقر خطط للاستيطان بالقدس الشرقية
بقلم: حسين دعسة

النشرة الدولية –
الدستور المصرية –
في ظل التصعيد في الحرب العدوانية الإسرائيلية على غزة ورفح اقتحامات الضفة الغربية والقدس وجوار بيت المقدس والمسجد الأقصى المبارك والداخل المحتل؛ أقرت دولة الاحتلال الإسرائيلي الصهيوني، مخططات استيطانية موسعة لبناء 1900 وحدة استيطانية بالقدس الشرقية، في وقت استمرار جيش الكابنيت والشاباك، هدم وتجريف منازل الفلسطينيين في الضفة الغربية واماكن من القدس المحتلة.
تحليل ما يحدث، أن السفاح نتنياهو، سمح بطرق إرهابية وعسكرية لشروع مستوطنون إسرائيليون بإقامة بؤر استيطانية عشوائية جديدة، بمحاذاة جدار الفصل العنصري وخط التماس مع أراضي 48، بدعم مباشر من الجيش الإسرائيلي، ما يساهم عمليًا في خلق تواصل جغرافي بين المستوطنات ودولة الاحتلال، ويؤدي إلى محو “الخط الأخضر”.
*منظمة “كيرم نيفوت:منع الفلسطينيين من الاقتراب من الجدار.
مدير عام منظمة “كيرم نيفوت” التي تراقب أنشطة الاستيطان، الباحث” درور أتكيس”، لموقع “زْمان إسرائيل” الإخباري الإسرائيلي، أن الجيش الصهيوني والشاباك؛ لا يكتفي بغضّ الطرف عن هذه البؤر غير القانونية، بل “يخصخص” حراسة الجدار عبر تحميل المستوطنين مسؤولية أمنية فعلية على الأرض، لمنع الفلسطينيين من الاقتراب من الجدار.
“أتكيس”، الذي يدير المنظمة البحثية الإسرائيلية “كيرم نيفوت” التي نقلها الموقع ذاته، إن المستوطنين بدأوا خلال الأسبوع الماضي بإقامة بؤرة استيطانية جديدة جنوب غرب جبل الخليل، قرب قرى فلسطينية محاذية للخط الأخضر. كما أقيمت بؤر أخرى في برية الخليل، غرب أريحا، شمال الأغوار، قرب سلفيت، وغرب رام الله، وغالبيتها في مناطق B الخاضعة إداريًا لللسطة الفلسطينية وأمنيًا للاحتلال، وفق المصدر الذي آثار القضية في دولة الاحتلال والمجتمع الدولي.
من جهة أخرى قالت “الإدارة المدنية” التابعة للجيش الإسرائيلي الصهيوني، أن “أعمال البناء معروفة لوحدتنا، وسيُنفّذ القانون بشأنها وفق سلم الأولويات ومصادقة المستوى السياسي”.
يحدث التوسع في موافقات وقرارات الاستيطان، بعدما دعا أربعة وزراء في حكومة اليمين المتطرف التوراتي التي يقودها السفاح نتنياهو، هم وزير الأمن المتطرف يسرائيل كاتس، وزيرة الاستيطان المجرمة أوريت ستروك، وزير العدل المتطرف ياريف ليفين، ووزير النقب والليل السفاح التشدد يتسحاق فاسرلوف، دعوا إلى فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية، وذلك خلال مشاركتهم في افتتاح حي جديد بمستوطنة “هار براخا”، الأحد الفائت، وفق ما أوردت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية، دون تعليق من الكنيست العنصري.
المتطرف كاتس ، قال إن “الاستيطان هو خط الدفاع عن إسرائيل”، مؤكدًا أن إسرائيل “ستواصل ضرب الإرهاب في شمال السامرة”، مستخدمًا التسمية التوراتية للإشارة إلى الضفة الغربية.
وردّت حركة حماس على هذه التصريحات، ووصفت دعوات الوزراء بأنها “محاولة يائسة لتصفية القضية الفلسطينية”، وأكدت أن تلك التصريحات “تشكل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية”.
وأضافت حركة “كيرم نيفوت” في بيان لها، أن هذه المواقف “تضع المجتمع الدولي أمام مسؤولية التحرك الفوري لمحاسبة الاحتلال”، داعية إلى “تصعيد المقاومة بكل أشكالها حتى إفشال مخططات التهويد والضم”، وهي نتائج خطيرة في كل محاولات السفاح نتنياهو، تنفيذ سياسة التهجير المفروضة من مصر والأردن تحديدا.
*خطة استيطانية بإسم “جنوب شرق غيلو” تحت ستار قانون “أملاك الغائبين”.
عمليا، تدعم دولة الاحتلال الإسرائيلي العنصرية، خطط الاستيطان في القدس الشرقية، والضفة الغربية، من خلال خطة جديدة تحت مسمى “جنوب شرق غيلو” معتمدة في ذلك على ستار إرهابي، صهيوني، يستند إلى قانون “أملاك الغائبين”، فيما يواصل جيشها اعتداءاته على مدن وبلدات الضفة الغربية المحتلة، ويستمر المستوطنون بهجماتهم واقتحاماتهم للبلدات الفلسطينية.
الذي يحدث، في ظل الحرب العدوانية الإسرائيلية على غزة ورفح والضفة الغربية والقدس، وجوار بيت المقدس والمسجد الأقصى المبارك، أن اللجنة الإسرائيلية المحلية للتخطيط والبناء التابعة لبلدية الاحتلال في القدس، ناقشت اليوم، الخطة الجديدة لتوسيع الاستيطان بالقدس الشرقية، في خطوة أولى ضمن مسار المصادقة على المشروع.
وتستهدف الخطة توسيع مستوطنة “غيلو” باتجاه الجنوب الشرقي، على حساب أراضٍ وبيارات زيتون تعود ملكيتها لسكان مدينة بيت جالا الفلسطينية، وتتضمن بناء 1900 وحدة استيطانية جديدة على مساحة 176 دونمًا من الأراضي المفتوحة الواقعة بين شارع الأنفاق والمستوطنة.
ووفقًا للمعطيات المتوافرة، فإن 29% من الأراضي التي تشملها الخطة مصنّفة كملكية خاصة، و12% مملوكة لبلدية الاحتلال والدولة، و15% تحت إدارة “الوصي على أملاك الغائبين”، بينما 44% منها غير مسجلة رسميًا.
واستولت سلطات الاحتلال على جزء كبير من هذه الأراضي عبر تفعيل قانون “أملاك الغائبين”، الذي يتيح مصادرة أملاك الفلسطينيين الذين هُجّروا عام 1948 أو بعده، بحسب ما أفادت جمعية “عير عميم” اليسارية الإسرائيلية المختصة بشؤون القدس المحتلة.
في ذات الوقت، كشف الباحث في جمعية “عير عميم” أفيف تتارسكي، إن “السبب الوحيد الذي يجعل إسرائيل تصنّف أصحاب هذه الأراضي كغائبين، هو أنها ضمّت بياراتهم إلى حدودها، لكنها أبقتهم خارج تلك الحدود كمقيمين في الضفة الغربية بلا حقوق”. وأضاف أن “الاستخدام الواسع لقانون أملاك الغائبين لبناء المستوطنات في القدس الشرقية يُعد من أبرز مظاهر التمييز الذي تمارسه إسرائيل في المدينة” المحتلة.
عمليا، وفق تزامن جبهات الحرب، مع المساعي الاستيطانية، يواصل جيش الاحتلال عدوانه على الضفة الغربية، وفي السياق اقتحمت قواته، اليوم، مدن وبلدات عدة في الضفة الغربية المحتلة. وأسفرت الهجمات عن سقوط شهيد جراء الاختناق بقنابل الغاز التي أطلقتها قوات الاحتلال الإسرائيليّ في بلدة سنجل شمال رام الله بالضفة الغربية المحتلة، بحسب ما أكّدت وزارة الصحة الفلسطينية.
ونفذت قوات الاحتلال عملية عسكرية في نابلس، ضمن حملتها الواسعة شمالي الضفة، فيما شهدت بلدة إذنا غرب الخليل اقتحامًا من جهتيها الشمالية والجنوبية، تخلله إطلاق كثيف للرصاص الحي وقنابل الصوت والغاز السام.
وفي طولكرم، قامت قوات الاحتلال بتجريف شوارع وإغلاق مداخل في المخيم، كما اقتحمت مخيم نور شمس شرقي المدينة، وداهمت منازل الفلسطينيين، وأجبرت ما لا يقل عن 10 عائلات في منطقة جبل النصر على إخلاء منازلها قسرًا.
ووفق تقديرات فلسطينية، فإن نحو 4 آلاف عائلة نزحت من مخيمي طولكرم ونور شمس منذ بدء الحملة العسكرية قبل ثلاثة أشهر، والتي أسفرت حتى الآن عن استشهاد 13 فلسطينيًا، بينهم طفل وامرأتان، إحداهما حامل في شهرها الثامن، إلى جانب إصابة العشرات واعتقال المئات.
في موازاة الاقتحامات العسكرية، صعد المستوطنون من اعتداءاتهم في مدن وقرى الضفة الغربية، إذ قاموا بحماية جيش الاحتلال بتجريف أراض زراعية للفلسطينيين في عدد من المناطق، كما اقتحموا عددًا من منازل الفلسطينيين.
*مجلس حكماء المسلمين يدين الدعوات التحريضية لتفجير الأقصى
الاستيطان الصهيوني، والحرب العدوانية، قرارات تخالف الشريعة القانونية الدولية، اتفاقية جنيف الرابعة، وفي سياق ذلك؛ دان مجلس حكماء المسلمين، الدعوات التحريضية المتطرفة من منظمات استيطانية إسرائيلية والتي تدعو إلى تفجير المسجد الأقصى المبارك وقبة الصخرة.
وبحسب الموقع الرسمي للمجلس، أكد المجلس الذي يترأسه شيخ الأزهر أحمد الطيب، في بيان اليوم الاثنين، رفضه القاطع لمثل هذه الدعوات المتطرفة، التي تمثل استفزازا لمشاعر نحو 2 مليار مسلم حول العالم وتمثل انتهاكا صارخا للقوانين والمواثيق الدولية، كما يدين الانتهاكات بحق المسيحيين في القدس بما في ذلك منع الوصول إلى الكنائس والاعتداءات الجسدية.
ودعا إلى ضرورة توفير الحماية الكافية للمقدسات الدينية ووقف الانتهاكات المستمرة بحق الشعب الفلسطيني وإقرار حقه المشروع في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، وفق بيان نشر في وسائل إعلام عربية واسرائيلية.
*عمليات هدم ممتلكات الفلسطينيين بالضفة والقدس.
سياسة الإبادة والتهجير، تقترن مع ممارسات إرهابية، فقد هدمت قوات الاحتلال الإسرائيلي،، منزلين في بلدة نعلين غرب رام الله.
وأفاد مجلس بلدي نعلين في بيان، بأن جرافات الاحتلال هدمت منزلين بعد اقتحام البلدة ومحاصرة المنزلين، مشيرة إلى أنهما يتكونان من ثلاثة طوابق، بمساحة 200 متر مربع، يقطن فيهما 20 فردا.
كما هدمت جرافات الاحتلال عمارة سكنية في بلدة بيت أمر شمال الخليل.
وقال مجلس بلدي بيت أمر في بيان، إن جرافات الاحتلال شرعت بهدم عمارة سكنية، تقع في منطقة واد الوهادين جنوب بيت أمر، مقابل مستعمرة “كرمي تسور”، المقامة عنوة على أراضي المواطنين، مكونة من سبعة طوابق قيد الإنشاء، تبلغ مساحة كل طابق 210 أمتار مربعة.
يذكر أن سلطات الاحتلال سلّمت اخطارا بهدم العمارة قبل شهرين، وأمهلت صاحبها 60 يوما، ولكن قبل انتهاء المدة، نفذت عملية الهدم، مع الإشارة إلى أنه يوجد 10 منازل في المنطقة ذاتها مهددة بالهدم، بحجة قربها من مستعمرة” كرمي تسور”.
كما هدمت جرافات الاحتلال الإسرائيلي، غرفة زراعية في بلدة رافات شمال القدس المحتلة بذريعة عدم الترخيص من قبل سلطات الاحتلال، وهدمت غرفة زراعية، وبيتا متنقلا “كرفانا”، وردمت بئر مياه في أراضي قرية دير رازح جنوب الخليل.
وجرفت قوات الاحتلال الإسرائيلي، شارعا حيويا في قرية ياسوف شرق مدينة سلفيت.
وذكر رئيس مجلس قروي ياسوف وائل أبو ماضي في بيان إن الشارع المستهدف والذي قام المجلس بتعبيده قبل عامين، يُعد طريقًا زراعيا حيويا يربط القرية بأراضيها الزراعية شرقًا، ويُستخدم بشكل يومي من قبل المزارعين.
كما هدمت قوات الاحتلال الإسرائيلي، غرفة زراعية في أراضي قرية النبي إلياس شرق مدينة قلقيلية مقامة على أرض مساحتها 1700 متر حيث تعمد الاحتلال تجريف الأرض المحيطة بالغرفة الزراعية خلال عملية الهدم.
إلى ذلك، اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم 20 مواطنا فلسطينيا من مناطق مختلفة بالضّفة الغربية، بينهم أطفال، وأسرى سابقون.
وأوضحت هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينيين، ونادي الأسير، الفلسطيني في بيان مشترك، أن عمليات الاعتقال تركزت في محافظة الخليل، فيما توزعت بقيتها على محافظات نابلس، رام الله، سلفيت، بيت لحم، والقدس.
ويذكر أنّ حملات الاعتقال وما يرافقها من عمليات تحقيق ميداني، وما يشنّه الاحتلال على أبناء الشعب الفلسطيني، تأتي كعملية انتقامية تندرج في إطار جريمة (العقاب الجماعي)، حيث شكّلت وما تزال أبرز السّياسات الثّابتة والممنهجة التي يستخدمها الاحتلال، لتقويض أي حالة مقاومة متصاعدة ضده.
*اعتداء شرطة الاحتلال على المسيحيين
في سياق متصل، دانت وزارة الخارجية الأردنية، والمصرية ومن دول عديدة عربية واسلامية ومن منظمات الأمم المتحدة، بأشدّ العبارات، اعتداء شرطة الاحتلال الإسرائيلي على المسيحيين وتقييد وصولهم إلى كنيسة القيامة في مدينة القدس، بمناسبة حلول “سبت النور”.
وأكّد الناطق الرسمي باسم الخارجية الأردنية السفير الدكتور سفيان القضاة، إدانة المملكة ورفضها المطلق للإجراءات الإسرائيلية اللاشرعية التقييدية بحقّ المسيحيين، ومنعهم من الوصول الحر إلى كنيسة القيامة لتأدية شعائرهم الدينية، والتي تأتي بالتزامن مع الاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى المبارك/ الحرم القدسي الشريف، في محاولة لفرض وقائع جديدة في مدينة القدس، بما فيها التقسيم الزماني والمكاني.
ودعا السفير القضاة، المجتمع الدولي إلى تحمّل مسؤولياته القانونية والأخلاقية، وإلزام إسرائيل بوقف انتهاكاتها للمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، واحترام الوضع التاريخي والقانوني فيها، ووقف العدوان الإسرائيلي على غزة بشكل فوري والتصعيد الخطير في الضفة الغربية، وتلبية حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة في إقامة دولته المستقلة ذات السيادة على ترابه الوطني على أساس حل الدولتين.
.. في المقابل، قالت حركة حماس أن: عمليات الهدم التي نفذها جيش الاحتلال الصهيوني اليوم، والتي طالت منازل وأبنية سكنية في محافظتي رام الله والخليل، وسط وجنوب الضفة الغربية المحتلة، الوجه الحقيقي للمخطط الصهيوني الهادف إلى تهويد الأرض، وفرض وقائع الضم بالقوة، ضمن سياسة ممنهجة لتصفية الوجود الفلسطيني.
هذا التصعيد الخطير في الضفة الغربية المحتلة حلقة في مشروع عدواني شامل، ويتطلب من شعبنا وقواه الوطنية والإسلامية، وخاصة في الضفة، الاصطفاف خلف خيار المقاومة الشاملة، دفاعًا عن الأرض والكرامة والحقوق الوطنية الثابتة.
جاء ذلك في وقت صرح فيه وزير مالية الاحتــلال المتطرف سمــويترتش: نعمل للموافقة على خطط لبناء 3600 وحدة إستيطــانية وإقامة 5 مستوطنات في “غــوش عتـصيون، بينما قام عضو الكنيــست السابق، المتطرف الإرهابي يــهودا غلـيك، بقيادة مجموعة سياحية أمريكية خلال اقتــحام المسجد الأقصى ويقدم لها شروحات كاذبة عن “هيكل سليمان المزعوم” ويؤدون خلالها “طــقوسا تلمــودية”
*تغتال “دولة المستوطنات” فكرة حل الدولتين… يضربون كل قرارات الأمم بحائط مجلس الأمن، حيث يكشف تقرير منظمة “بيتسيلم” الحقوقية الإسرائيلية أن سياسة الحكومة الإسرائيلية الحالية “تسعى لخلق واقع لا رجعة فيه”
ومما شهدته الضفة الغربية خلال مارس 2025 نحو 142 انتــهاكًا واسعًا نفذتها أجهزة أمن السلطة الفلسطينية، شملت اعتــقالات سياسية، اختــطافًا، مداهمات، وقمــعًا للحريات.
*وثائق مهمة عن الاستيطان الصهيوني:
*مجلة الدراسات الفلسطينية تبحث في الاستيطان اليهودي في القدس القديمة.
في دراسة موثقة أعدها الباحث
“مايكل دمبر”، ونشرت قبل أكثر من ربع قرن، جرى فيها توثيق مراحل خطيرة تمت ضمن سياسة الاحتلال الإسرائيلي الصهيوني، في الاستيطان والتهجير ومحاولات تصفية القضية الفلسطينية.
تتناول الدراسة الاستيطان اليهودي في القدس القديمة التي مرت بأربع مراحل، مع التركيز على المرحلة الثالثة التي لم يتناولها الباحثون بسبب السرية التي أحيطت بها سياسة الاستيطان التي لم تلق إلاّ دعمًا حكوميًا مستترًا.
*اولا:
تجمع الدراسة ما جاء في بعض الدراسات المتفرقة المتاحة والموجزة، وتقدم تفصيلات غير منشورة عن نشاط جماعات المستوطنين، وترسم الخطوط الكبرى لما يمكن أن ينجم عن الاتجاه العام لسياسات الاستيطان في القدس القديمة. وتستعرض الدراسة الخلفية التاريخية لإقامة اليهود في القدس القديمة ومرحلتي الاستيطان بعد حرب 1967، ثم المرحلة الثالثة للاستيطان، مع التركيز على الاستيطان في الأحياء الإسلامية، بالإضافة إلى تعريف جماعات الاستيطان التي نشطت في المدينة، والنجاحات التي حققتها المرحلة الثالثة.
*ثانيا:
تخلص الدراسة إلى أن مستقبل القدس القديمة يكمن في السوابق التي سجلتها الحكومة الإسرائيلية في سياستها في مدينتي يافا وعكا القديمتين داخل الخط الأخضر حيث طرد الفلسطينيون منهما أو حصروا في نطاق ضيق، وأن المرحلة الثالثة تؤذن بتحول المدينة القديمة من مركز سياسي وثقافي عربي وإسلامي نابض بالحياة إلى بلدة فلسطينية صغيرة داخل مدينة إسرائيلية، أو شيء كموقع أثري يلفت نظر السياح الغربيين.
* ثالثا:
لم تزل سياسة الاستيطان الإسرائيلية في القدس تتجه، منذ سنة 1967، نحو هدف واحد طاغ على ما سواه: توطيد السيطرة الإسرائيلية على القدس الشرقية الفلسطينية للحؤول دون إعادة تقسيم المدينة لاحقًا. وقد استتبع ذلك، من الوجهتين السياسية والوظيفية، التصريحات المتكررة في شأن القدس “الموحّدة” باعتبارها عاصمة “أبدية” لإسرائيل، وكذلك نقل الإدارات الحكومية إلى المدينة وبسط الخدمات البلدية على الأنحاء الفلسطينية منها.
أما من الوجهة الديموغرافية، فقد انطوت هذه السياسة على بذل جهود حثيثة لبناء المساكن وتشجيع استيطان اليهود في القسم الشرقي من المدينة.
*رابعا:
لم يزل الاستيطان اليهودي في القدس القديمة جزءًا جوهريًا من هذه السياسة، فإنه لم يخضع لمثل ما خضعت له المستوطنات الكبرى والمباني السكنية الموجودة في القدس الشرقية والتي تمتد إلى أجزاء في الضفة الغربية، من دراسة وبحث.
وقد تم الاستيطان الإسرائيلي على مراحل أربع في المدينة القديمة، وفق:
*أ:جاءت المرحلة الأولى عقب الاحتلال مباشرة، وأدت إلى تقويض حي المغاربة وإجلاء سكانه الفلسطينيين.
*ب:
بدأت المرحلة الثانية سنة 1968، واستمرت حتى أواخر السبعينات يوم استملكت الحكومة الممتلكات الفلسطينية والإسلامية في الأحياء الواقعة بين حارة الأرمن وحي المغاربة، وأحلت سكانًا من اليهود محل السكان الفلسطينيين.
*ج:
أما المرحلة الثالثة، فبدأت أوائل الثمانينات على يد جماعات من المستوطنين اليهود المتحمسين، بهدف تثبيت الحضور الإسرائيلي في قلب المناطق الفلسطينية من المدينة القديمة، وعلى مقربة من الحرم الشريف.
*د:
أما المرحلة الرابعة، المستمرة إلى اليوم، فقد بدأت سنة 1987 مع احتلال وزير البناء والإسكان أريئيل شارون لمبنى في أحد الأحياء الإسلامية، الأمر الذي شكل مَعْلَمًا بارزًا في دعم بعض وزراء الحكومة المكشوفة للمستوطنين.
*خامسا:
في الدرجة الأولى، بالمرحلة الثالثة التي لم يزل الإهمال نصيبها؛ وسبب ذلك الرئيسي هو السرية التي أُحيطت بها سياسة الاستيطان التي لم تلق إلا دعمًا حكوميًا مستترًا
. وتجمع الدراسة، ما تفرق في الدراسات المتاحة والموجزة جدًا، في أية حال، وتقدم تفاصيل غير منشورة حتى الآن عن أنشطة جماعات المستوطنين. كما أنها ترسم الخطوط الكبرى لما يمكن أن ينجم عن الاتجاه العام لسياسات الاستيطان في القدس القديمة. ومن أجل التوصل إلى صورة متكاملة، نبدأ بعرض الخلفية التاريخية لإقامة اليهود في المدينة القديمة.
*إقامة اليهود في المدينة القديمة
في القسم الأول من القرن التاسع عشر، كان المهاجرون اليهود إلى القدس يتجمعون في المنطقة الجنوبية من المدينة القديمة، في حارة يطلق عليها تقليديًا اسم حارة اليهود. ولم يزل صغر حجم حارة اليهود محل تعليقات من قبل الرحالة الغربيين.
فخلال القسم الأكبر من القرن التاسع عشر حتى سنة 1948، كانت تلك الحارة محاطة بأحياء عربية؛ فكان إلى الغرب منها كاتدرائية الأرمن ومنازلهم المتكوكبة حولها، وكذلك دير السريان ودير الموارنة اللذان يعيش حولهما أبناء تلكما الطائفتين، فضلًا عن أربع حارات صغرى مسماة بأسماء عائلات مسلمة تعيش هناك. وكان إلى الشمال من حارة اليهود طريق باب السلسلة ومنطقة سوق المدينة. أما إلى الشرق، فكانت حارة الشرف الممتدة على طول السفوح المشرفة على حارة المغاربة. وأما إلى الجنوب، فكانت تمتد أسوار المدينة وحارة أخرى للمسلمين تدعى حارة الميدون.
وكانت حارة اليهود، فضلًا عن تركزها في منطقة صغيرة، تتكون من منازل مستأجرة من أصحاب الأملاك العرب الفلسطينيين ومن الأوقاف الإسلامية.
ويبدي بن آرييه صراحة تامة في هذا الشأن، وينسب هذا الواقع إلى نظام إيجار الحَزَكا. وقد وُضع هذا النظام لمنع الملاكين العرب والقيّمين على الأوقاف الإسلامية من استغلال الضغط الشديد على السكن نتيجة استمرار توافد المهاجرن اليهود. وقد منع ذاك النظام اليهود من التنافس فيما بينهم بشأن الإيجارات، وذلك عن طريق فرضه سقفًا معلومًا متفقًا عليه، لكنه جعل الإيجار أيضًا خيارًا ممكنًا.
لذلك لم تكن نسبة شراء العقارات مرتفعة. ويقدر بنفنستي أن نسبة ما كان يمتلكه اليهود من عقارات الحارة لم تكن تتجاوز 20 في المائة سنة 1948.
وقد أضحت الحارة مكتظة بالسكان إلى حد أن بعض المهاجرين الجدد قد اضطر إلى الانتقال إلى منطقة قريبة تقع شمالي حارة اليهود، عبر طريق باب السلسلة وعلى امتداد عقبة الخالدية وعقبة السرايا.
وفي الثمانينات من القرن التاسع عشر، كان عدد اليهود المنتقلين إلى هذه المنطقة من الكثرة بحيث باتت تعرف لدى الجالية اليهودية باسم سوق “الحبرون”، لأن الكثيرين ممن هاجروا إليها قدموا من الجالية اليهودية في الخليل.
كان النمط المعتاد للاستيطان اليهودي في تلك الحقبة يتمثل في إقدام حاخام محترم على بذل الأموال من أجل إقامة كوليل، أي حلقة دراسية، في بعض منازل الجالية أو في إقامة الكوليل بنفسه. وكان الكوليل الصغير يشتمل على كنيس وبعض الوحدات السكنية المحيقة بفناء يتوسطها، بينما كان الكوليل الكبير يضم – فضلًا عن ذلك – مكتبة وبعض قاعات التدريس والدراسة. ففي الستينات من القرن التاسع عشر، مثلًا، اشترى الحاخام فيشل لابين فناءين في حارة الواد، من الأحياء الإسلامية، بينما أُنشىء كوليل رِيسين في حارة باب السلسلة سنة 1871 بفضل ما بذله الحاخام المشهور سعاديا بن يحزقيئيل شور من أموال لإنشائه.
وقد جذبت مناطق أخرى أيضًا الاستيطان اليهودي؛ فاستقرت جالية بولندية صغيرة في منطقة باب حطة إلى الجنوب من باب الزاهرة، وكانت تعرف ببيت وارسُوَا، بينما اشترى الحاخام الثري موشيه فيتنبيرغ دارًا واسعة بالقرب من باب دمشق.
وفي الإجمال، كانت العلاقات العربية – اليهودية ودية، إنْ لم نقل جيدة، وكان ثمة نشاط تجاري واجتماعي ملحوظ، إذ استفاد أصحاب الدور والمتاجر الفلسطينيون من زيادة الدخل التي جاء المهاجرون اليهود بها؛ فمن ذلك أن حمّام العين الواقع في أسفل عقبة الخالدية، والذين كان يديره الوقف الخالدي، كان يحتوي على ميكفأوت، أي حمام يهودي، لرواده من اليهود، وكانت قاعة الاستراحة ملتقى مهمًا للعلاقات الاجتماعية. وكان حمّام الشفا القريب منه يحتوي أيضًا على ميكفأوت. (وكان كلا الحمامين اليهوديين بإشراف الحاخامِين).
في أوائل القرن العشرين، أدى توسع المدينة الجديدة في غربي المدينة القديمة وشماليها إلى تخفيف تدفق اليهود الراغبين في الإقامة في الأحياء الإسلامية. وفي سنة 1929، أدت المشاجرات الطائفية بين الفريقين إلى بداية رحيل اليهود عن الأحياء الإسلامية إلى المدينة الجديدة. كما أن تصاعد التوتر والمشاجرات في الثلاثينات قد سرّع هذه الحركة، إلى أن غادرت الأسرة اليهودية الأخيرة تلك الأحياء في سنة 1936.
أما الأملاك التي اشترتها المؤسسات اليهودية، عدا تلك التي كانت قد استأجرتها، فقد بيعت للفلسطينيين العرب أو أُجِّرت لهم أو هُجرت؛ فمن ذلك أن يشيفا (المدرسة الدينية) توراة حاييم التي كانت في حارة الواد هُجرت سنة 1932.
في سنة 1948، احتل اللاجئون العرب الفلسطينيون من القدس الغربية وأنحاء أخرى من فلسطين الممتلكات الشاغرة التي كانت لليهود. في البداية، خضعت إقامتهم لإدارة الصليب الأحمر الدولي ثم لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين (الأونروا)، ولا سيما أولئك الذين حلوا في ما كان يعرف بحارة اليهود سابقًا.
وفي سنة 1950 وضعت هذه الممتلكات كلها، ومن جملتها تلك التي كانت في أنحاء أخرى من المدينة القديمة، تحت الوصاية الشرعية لـ”الحراسة على أملاك العدو” التابعة للحكومة الأردنية. وكانت مهمة هذه المؤسسة الاستمرار في استيفاء الإيجارات وصيانة الممتلكات، إلى أن يتم التوصل إلى عقد صلح مع إسرائيل. وبعد استيلاء إسرائيل على المدينة القديمة سنة 1967، انتقلت صلاحيات الحراسة إلى “القيّم على أملاك الغائبين” الإسرائيلي، وأُقرت حقوق السكان العرب الفلسطينيين في مساكنهم، أو مُنحوا عقود إيجار ليوقعوها وفقًا لسياسة البلدية في الفصل بين السكان، بدل إعادة تلك المساكن إلى مالكيها أو مستأجريها الأصليين من اليهود.
*المرحلتان الأوليات من الاستيطان
في حقبة ما بعد حرب 1967
بعد احتلال المدينة القديمة في حزيران/يونيو 1967، كان أول ما بادرت السلطات العسكرية الإسرائيلية إليه، تجاه السكان الفلسطينيين، قيامها بتدمير حي المغاربة تدميرًا شبه كامل وطرد السكان المقيمين فيه. وقد تم ذلك من أجل إنشاء ساحة واسعة للمصلّين اليهود أمام الحائط الغربي للحرم الشريف، أي أمام حائط المبكى. وكانت المصادرات وأعمال الهدم قد بدأت حتى قبل أن تضع حرب 1967 أوزارها. فمنذ ما بعد ظهر يوم الأربعاء، السابع من حزيران/يونيو، وهو اليوم الثاني من الحرب، كانت القوات الإسرائيلية قد استولت على المدينة القديمة ورفعت علمها على قبة الصخرة.[ بعد أربعة أيام، أي في الحادي عشر من حزيران/يونيو، وقبل نهاية الحرب، وقبل التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، بدأت قوات إسرائيلية تنسف المنازل في حي المغاربة قبالة الحائط الغربي للحرم الشريف، وتجرف الأنقاض بعيدًا بوساطة الجرافات. وقد مُنح السكان ساعتين أو ثلاث ساعات لمغادرة المكان.
وفي الثاني عشر من حزيران/يونيو، كان الحي قد سوّي بالأرض فَسْحًا للمجال أمام اليهود الراغبين في التعبُّد أمام الحائط. وبلغ عدد المنازل التي هُدمت 135 منزلًا، وعدد من طرد 650 شخصًا.
وكان في جملة المباني التي قُوِّضت مسجد البراق القديم ومسجد الأفضلي، مع ما كان يلحق بهما من زوايا. أما الخانقاه الفخرية الذائعة الصيت والمتكئة على الحائط الغربي للحرم الشريف، فقد هُدمت بعد عامين في أثناء الحفريات التي أجرتها إسرائيل تنقيبًا عن الآثار في تلك الناحية.
وفي تاريخ لاحق، عرضت الحكومة الإسرائيلية على سكان الحي تعويضات يوم استملكت المنطقة كلها من أجل تطوير حارة اليهود الذي نناقشه أدناه. كان عرض التعويض عرضًا فارغًا، لأنه كان قد ثبت أن أملاك الحي كانت أوقافًا لا أملاكًا خاصة بالمقيمين فيها. وكان القيّمون عليها، من إدارة الأوقاف ومن أمناء [زاوية؟] ابي مدين، ملزمين – بموجب الشريعة الإسلامية – بألا يقبلوا أي تغيير في وضع المنطقة، كذاك الذي ينطوي قبول التعويضات عليه.
*جاءت المرحلة الثانية من الاستيطان الإسرائيلي عقب ذلك مباشرة. ففي 18 نيسان/أبريل 1968، أصدر وزير المال الإسرائيلي، بنحاس سابير، أمرًا باستملاك 116 دونمًا من القسم الجنوبي من المدينة القديمة لـ”الأغراض العامة”، كما جاء تعريفها في التنظيمات الصادرة عن السلطات البريطانية سنة 1943.
وكانت الغاية من هذا الأمر تطوير المنطقة القديمة بحيث تؤوي أسرًا يهودية إسرائيلية، وإعادة الحضور الإسرائيلي إلى المدينة القديمة. وقد امتدت حدود المنطقة المصادرة من السور الغربي شرقًا إلى تخوم دير الأرمن غربًا، ومن طريق باب السلسلة شمالًا إلى سور المدينة جنوبًا. وشملت المصادرة 700 من المباني الحجرية لم يكن اليهود يمتلكون منها سوى 105 قبل سنة 1948.
ومن العقارات العربية الفلسطينية المصادرة، كان ثمة 1048 شقة ومسكنًا يقيم فيها 6000 فلسطيني، و437 مشغلًا ومتجرًا يعمل فيها قرابة 700 عامل. وقد صرّح رئيس بلدية القدس السابق محتجًا:
إن العرب من سكان المدينة سيخسرون، بسبب هذه المصادرات الجديدة، ممتلكات لم تزل في أيديهم منذ مئات الأعوام، وسيُطرَد أكثر من 6000 عربي من المدينة ويُشَتَّتون… بينما يحرم ما يزيد على 700 عامل ورب عمل وسائل العيش ويكرهون على تضخيم صفوف المشردين…. كما أن أصحاب العقارات والمرتزقين من الأوقاف، ممن اعتادوا الاعتياش من أجور عقاراتهم وأوقافهم، سيحرمون مورد رزقهم ويجبرون على الانضمام إلى صفوف المعوزين، إنْ لم نقل اللاجئين.
لم يتم طرد السكان الفلسطينيين في يوم واحد كما حدث في حي المغاربة. فقد أُنشئت شركة إسرائيلية لترميم المنطقة المصادرة وتجديدها، باعتبارها حارة اليهود الجديدة. ولما سميت هذه الشركة باسم شركة ترميم وتطوير حارة اليهود، فقد كانت مسؤولة مباشرة أمام رئيس الحكومة و”لجنة شؤون القدس” الوزارية. وقد أخطرت هذه الشركة السكان بأمر الاستملاك، وعرضت عليهم تعويضات للمغادرة ومساعدات برهنيات عقارية على مساكن بديلة. وقد رضي بعض السكان بهذه الشروط، لكن كثيرين آخرين رفضوا. وفي حالات الرفض هذه رُفعت قضايا إلى المحاكم، وقد عقبتها عملية طويلة من المضايقات والإكراه حظيت بنصيبها من التوثيق الجيّد في الصحافة العالمية.
ووجد بعض السكان الذين رفضوا مغادرة منازلهم أن سبل الوصول إليها قد قُطعت، وأن الحفريات قد بوشرت من حولها، وأن الأفنية وجدران المنازل قد قُوِّضت، وأنه قد بات عليهم أن يعيشوا في خضم جلبة الحفر والهدّ وخطر انهيار البنيان. وفي النهاية غادر الفلسطينيون كلهم، إلا نفر قليل جدًا منهم.
ومن أسباب تمادي عملية الطرد على عشرة أعوام ونيف، أن متولِّي الوقف الذُّري ومعظم أصحاب الأملاك الخاصة رفضوا قبول التعويضات، وما تنطوي عليه من اعتراف بتغير في الملكية كانت شركة ترميم وتطوير حارة اليهود ترغب في بتّه بتًا واضحًا. ولأسباب وطنية ودينية لم تكن ممتلكات الأوقاف للبيع، ولم يكن من الممكن قبول التعويضات.
وللتغلب على هذه العقبة، اضطرت الحكومة الإسرائيلية إلى تغيير القانون. وفي سنة 1973، أقر الكنيست تعديلًا لقانون أملاك الغائبين أتاح للحكومة حل قضايا الملكية، وأضفى على أمر الاستملاك غلالة من اللياقة.
وقد نص القانون على أن المقيم في منزل إذا ما كان عليه أن يقبل تعويضًا فإن حقوق الملكية تصفّى كلها وتعترف الحكومة بكون المعاملة تغييرًا صالحًا في الملكية. ويطبق ذلك حتى لو كان من الواضح أن المقيم في المنزل ليس مالك العقار الذي يقيم فيه.
*المرحلة الثالثة
لا بد لمن يريد أن يفهم نجاح المرحلة الثالثة من الاستيطان الإسرائيلي في المدينة القديمة، والموجه نحو قلب الأحياء الإسلامية، أن يطلع على الإطار الديموغرافي وأوضاع الإسكان في المدينة القديمة. فسياسة الحكومة الديموغرافية، في مجمل القدس، تهدف إلى الحفاظ على نسبة سبعة إلى ثلاثة في مصلحة اليهود الإسرائيليين.
وفي مواجهة الزيادات الكبيرة في عدد السكان الفلسطينيين، من جراء ارتفاع نسبة المواليد والهجرة إلى منطقة القدس الإدارية، كان على الحكومة أن توظف موارد طائلة في إنشاء المباني السكنية وفي تشجيع الإسرائيليين والمهاجرين اليهود الجدد على الإقامة في القدس. يضاف إلى ذلك أن الأراضي التي يملكها فلسطينيون كانت تُستملك، وكانت قيود التخطيط تُفرض على استعمال باقي الأراضي الفلسطينية في محاولة لوقف نمو السكان الفلسطينيين. وتجدر الإشارة إلى أن الحدود الإدارية للقدس قد رُسمت بحيث تستثنى مناطق سكن الفلسطينيين من المدينة. وإن ما ينطوي هذا التدبير عليه من تعسف، لأمر يقر به مخططو البلدية الذين يخططون لمدينة “وظيفية” (ذات وظيفة معينة) تمتد من رام الله شمالًا إلى بيت لحم جنوبًا. ففي هذه المساحة الواسعة، لم يكن اليهود الإسرائيليون يشكلون إلا 52 في المائة من السكان. وفي أواسط الثمانينات، خلص المخططون إلى أن السبيل الوحيد لصيانة التوازن الديموغرافي في القدس هو في تخفيض عدد السكان الفلسطينيين، نظرًا إلى عدم وجود هجرة يهودية كثيفة إلى المدينة. ولا بد من تذكر هذا الأمر عند الحديث عن المدينة القديمة.
وقد لاحظ توماس، الذي كتب سنة 1989، “أن الوقائع الديموغرافية في المدينة القديمة تضع الحكومة الإسرائيلية أمام صورة مقلقة”؛ ذلك بأن نسبة الفلسطينيين إلى اليهود الإسرائيليين لم تزل مرتفعة جدًا. ففي سنة 1972، كان 98 في المائة من السكان فلسطينيين. وفي سنة 1981، لم تتراجع النسبة إلا بمعدل 5 في المائة فقط، أي إلى 93 في المائة.
وقد قرر مخططو البلدية أن 20،000 نسمة هو العدد الأمثل للسكان في المدينة القديمة.
*خطط لزيادة السكان الإسرائيليين في حارة اليهود.
ثمة خطط أيضًا لزيادة السكان الإسرائيليين في حارة اليهود الموسعة، ليبلغ عددهم 500 نسمة على الأقل؛ ومعنى هذا ضرورة تخفيض عدد السكان الفلسطينيين تخفيضًا إضافيًا. وقد قدر توماس العدد بنحو 7000 فلسطيني، أي أنه سينبغي لقرابة 40 في المائة من سكان المنطقة المسماة “الحي الإسلامي” مغادرة تلك المنطقة.
إن استمرار أوضاع الإسكان المشجعة على المزيد من هجرة الفلسطينيين يكتسي، على هدي هذه العوامل الديموغرافية، أهمية كبرى. فمما لا شك فيه أن عوامل مثل غموض مستقبل القدس الشرقية والمدينة القديمة من الناحية السياسية على مدى أعوام عديدة، ومثل القيود الإسرائيلية على نشاط التنمية الأردني عن طريق إدارة الأوقاف، إضافة إلى مقاومة الفلسطينيين لكل تعدٍّ إسرائيلي على مسؤولياتهم وصلاحياتهم، قد أدت جميعها إلى إنزال أزمة إسكانية حادة بالأحياء الإسلامية المتبقية في المدينة القديمة؛ إذ بات من الشائع اليوم أن ينظر الفلسطينيون إليها باعتبارها أكواخ القدس؛ فهي الشديدة الازدحام، والمتهدمة، وغير الآمنة في بعض أنحائها، والمفتقرة إلى الخدمات وأسباب الراحة، أضحت وقد هجرتها الطبقات المتوسطة والميسورة منذ زمن وحلّ الفقراء محلها.
وبينما قدمت بلدية القدس الخدمات “الرطبة” كالمياه والمجارير، فضلًا عن الخدمات “الجافة” كخطوط الكهرباء والهاتف، فإن حظرها الفعلي لإنشاء المساكن في “القطاع العربي” قد أدى إلى ازدحام شديد في هذا القطاع. وأدت القيود التخطيطية القاسية على الصيانة والتصليحات إلى عدة تعديلات وتوسيعات غير شرعية، وسيئة البناء، ومفتقرة إلى شروط الأمان. وثمة، فضلًا عن هذه الأوضاع، ثلاثة أمور أخرى تجعل الإقامة في الأحياء الإسلامية، وإدارة الأملاك وصيانتها على الوجه الصحيح، عسيرة.
فالقانون الإسرائيلي يمنع زيادة بدل الإيجار على المأجور إذا كان مأجورًا منذ ما قبل سنة 1967، إلا بما تنص الحكومة الإسرائيلية عليه سنويًا. وقد قصرت هذه الزيادات عن مجاراة التضخم وخلفت آثارًا سلبية في المدينة القديمة، حيث معظم الأملاك قديم جدًا، ويستلزم عناية متواصلة، إنْ لم يستلزم التجديد. وقد نجم عن ذلك أن زادت تكلفة التصليحات، في معظم الأحوال، على إيراد الإيجارات. ولمّا كان قانون الإيجار لسنة 1954 يحظر، أيضًا، تغيير عقد الإيجار أو إخلاء المأجور من أجل زيادة بدل الإيجار، فقد انعدم ما يحفز أصحاب الأملاك على تصليح ممتلكاتهم، أو تجديدها.
ومن الصعوبات الأخرى في وجه الملاكين احتواء عقود الإيجار على بند “السكن والإسكان”، الذي يخول المستأجرين أن يؤجروا بعض العقار الذي استأجروه أو كله لمستأجر آخر. ويؤدي ذلك إلى حرمان المالك من حق إبداء رأيه في المستأجر الثاني الذي قد يسيء استعمال المأجور، كما يشجع المستأجر الأول على النظر إلى المأجور نظرته إلى ملكه الخاص، ولا سيما ذاك المستأجر منذ مدة طويلة. يضاف إلى ذلك نشوء وضع شاذ يدفع فيه المستأجر الأول بدل إيجار إسميًا نظرًا إلى التضخم، ويستطيع فيه تقاضي بدلات إيجار بمستوى سعر السوق من المستأجر الثاني. ومع ذلك، يظل على المالك عبء تكاليف الصيانة.
ومن المشكلات أيضًا مسألة بدل الإخلاء. ومع أن هذا البدل معروف في مدن كبرى أخرى، فإن نظام بدل الإخلاء المعمول به في المدينة القديمة مقيّد ببعض القواعد التي تسبب قلقًا شديدًا للملاكين والمستأجرين الفلسطينيين معًا. فالمستأجر الراغب في ترك المأجور يقترح على المالك مستأجرًا جديدًا، ومبلغًا من المال يبدي المستأجر الجديد الاستعداد لدفعه بدل إخلاء المأجور. فإنْ اتفق على المبلغ اقتسم المبلغ بين المستأجر والمالك، والمعتاد أن تكون النسبة 2 إلى 1 في مصلحة المالك، وذلك تبعًا لطول مدة إقامة المستأجر في المأجور. غير أن قانون الإيجار الإسرائيلي لسنة 1972 يجيز للمستأجر القديم أن يقاضي المالك أمام المحكمة، إذا ما رفض المستأجر الجديد. والجزاءات التي قد تنجرُّ عن ذلك تضعف موقع المالك كثيرًا.
وما يزيد في أسباب القلق أنشطة جماعات المستوطنين اليهود الراغبين في استغلال هذا البند؛ ففي استطاعتهم بذل مبالغ طائلة من المال بدلًا لإخلاء المأجور لا قِبَل للمالك بأن يبذل ما يضارعها. لذلك، يجد الملاكون أنفسهم في مأزق حرج لأن من غير المقبول سياسيًا أن يوافقوا على تأجير مستأجرين إسرائيليين، لكنهم يواجهون تكاليف باهظة إذا ما انقاد المستأجر القديم للإغراء أو الإكراه بالمضايقات.
والاحتلال الإسرائيلي للمدينة القديمة يزيد هذا المأزق تفاقمًا. فالملاكون الفلسطينيون يجتنبون مقاضاة المستأجرين أمام المحاكم الإسرائيلية لفض النزاعات فيما بينهم، وذلك لأن الفلسطينيين قد رفضوا الإقرار بشرعية سيادة القانون الإسرائيلي على المدينة القديمة، ولم يزالوا يُحَثّون على هذا الرفض. وقد مالت حلول هذه النزاعات خارج المحاكم إلى ترجيح كفة المستأجرين، وهذا ما يزيد في إضعاف حوافز المالكين على صيانة أملاكهم في المدينة القديمة، ويقود إلى مزيد من إهمال المباني وتهدمها.
*حضور إسرائيلي ذي شأن على مقربة من الحرم القدسي الشريف.
أهمية الدراسة، أن تقدم المحلل والسياسي، كل المعلومات حول تغير أنماط الاستيطان، استغلالًا لعزم الحكومة المتطرفة على تخفيض عدد السكان الفلسطينيين، ولتردي أحوال السكن، تمكنت جماعات المستوطنين النشيطين من إحراز تقدم ملموس في خططها لإقامة حضور إسرائيلي ذي شأن على مقربة من الحرم الشريف، وفي الأحياء الإسلامية. والواقع أن هذه الجماعات قد تمكنت، برؤوس أموالها الضخمة، من استغلال سوق الإسكان الكاسدة والخاضعة لأوضاع سياسية، من أجل متابعة تحقيق أهدافها الأيديولوجية.
*الاستيطان الإسرائيلي في الأحياء الإسلامية
في إثر نجاح عمليات الاستملاك الحكومية في توسيع حارة اليهود وتطويرها، بدأ البعض من اليهود الإسرائيليين يهتم بالمنازل التي كان يشغلها اليهود سابقًا في الأحياء الإسلامية، وسعى لتنشيط وبعث الوجود اليهودي هناك. فقد فُتحت مكتبة، هي مكتبة بن عزرا، في أسفل طريق الواد، ثم تعرضت في وقت لاحق لمحاولة إحراق.
وقد شهدت أواخر السبعينات إقامة يشيفا في الطبقة الثانية من مبنى يشيفا توراة حاييم، على طريق الواد أيضًا. وقد قام أيضًا بعض اليهود السفاراديم بمحاولات لاحتلال مجمع بيت مغربيم، وهو نزل سابق في عقبة الخالدية كان ينزل يهود شمال أفريقيا فيه، إلا إن هذه المحاولات ظلت مبادرات متقطعة متفرقة لم تسترع إلا القليل من الانتباه، قياسًا بأنشطة جماعات المستوطنين الإسرائيليين في الخليل، وفي أنحاء أخرى من الأراضي المحتلة.
غير أن الثمانينات قد اتسمت، على الضدّ بأنشطة جماعات المستوطنين الإسرائيليين في الخليل، وفي أنحاء أخرى من الأراضي المحتلة.
غير أن الثمانينات قد اتسمت، على الضدّ من ذلك، بظهور عدد من الجماعات الدينية والقومية المتطرفة، المستلهمة من غوش إيمونيم، والمؤلفة من أعضائها الملتزمين إقامة اليهود المكثفة في الأحياء الإسلامية من المدينة القديمة. وينسجم هذا الالتزام مع نظرتهم المسيحانية إلى استبدال قبة الصخرة والمسجد الأقصى بهيكل سليمان في الحرم الشريف. والجماعات الرئيسية الثلاث هي: عطيرت كوهانيم، وتوراة كوهانيم، وحركة إسرائيل الفتاة، التي ألّفت في الثمانينات اتحادًا ماليًا عرف باسم عَطَرا لْيوشْنا، من أجل امتلاك العقارات في الأحياء الإسلامية. وثمة جماعة رابعة، هي شوفو بانيم، وهي أقل تنظيمًا وفعالية لكنها أبرز اجتماعيًا. وحري بنا، قبل أن نخوض أحوال كل من هذه الجماعات على حدة، أن نلم بالإطار السياسي العام لأنشطتها في الأحياء الإسلامية.
أما خمول ذكر الجماعات الرئيسية الثلاث في عقد السبعينات، فيُعزى جزئيًا إلى بداياتها المتواضعة، لكنه يُعزى أيضًا إلى الهيمنة السياسية والأيديولوجية التي كانت لرئيس بلدية القدس، تيدي كوليك.
فقد كان يعتقد أن التعايش بين العرب الفلسطينيين واليهود الإسرائيليين يمكن أن يصان على أكمل وجه بموجب مبدأ “الفسيفساء”، الذي يعترف بتنوع أنماط الحياة ويقر – وهذا أهم – بالفصل السكاني بين مختلف الجماعات الدينية والعرقية.
وقد أتاح مبدأ الفسيفساء الغطاء الفكري لإجلاء الفلسطينيين عن حارة اليهود الموسعة، وإبقائهم خارجها لاحقًا، وخارج غيرها من أنحاء القدس الغربية التي كانوا يمتلكون عقارات فيها. كما كان هذا المبدأ يتسق مع سياسة براغماتية للاحتلال الصهيوني. غير أن ظهور جماعات المستوطنين قد آذن بنهاية هيمنة كوليك الأيديولوجية، وبانحطاط نفوذه السياسي. إن عواقب هذا التحول المهم وما رافقه من سجال داخلي بين موقف صهيونية الإدارة متمثلة في كوليك، وبين موقف صهيونية النشيطين المتمثلة في جماعات المستوطنين، تشكل الخلفية السياسية لهذه المرحلة الثالثة. وقد جاءت نقطة التحول، كما سيبيَّن لاحقًا، مع استيلاء أحزاب “إسرائيل الكبرى”، هتحيا والحزب القومي الديني والليكود، بعد انتخابات سنة 1977 على أربع وزارات وإدارات حساسة، هي: وزارة الأديان، ووزارة البناء والإسكان، ومكتب القيّم على أملاك الغائبين، وإدارة أراضي إسرائيل.
على الرغم من كون حكومة الليكود قد انخرطت بحماسة في دعم الاستيطان في الأراضي المحتلة والقدس الشرقية، أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات، فإن موقف كوليك من الاستيطان اليهودي في الأحياء الإسلامية ظل على حاله بلا تغيير. والحق أنه قد شدّد على ضرورة أن يحتوي بيان قائمته الانتخابية، المسماة “قدس واحدة” على ما يلي:
أنا لا أومن بتغلغل الأفراد (اليهود) في الأحياء الإسلامية، وأعارض ذلك بقوة. فكل يشيفا تقام هناك تستلزم عددًا من رجال الشرطة يفوق عدد الطلاب…. هل تعلمون كم من العقارات مسجل بأسماء العرب في الشطر الغربي من المدينة؟ ماذا يحدث إذا جاؤوا يومًا وطالبوا باستعادتها؟.
إن موقفه العلني الحازم كان يدعمه تطبيق صارم لقوانين التخطيط البلدي حيثما دعت الحاجة. ومن علامات نجاح كوليك، في هذا السجال، ما رمته به جماعات المستوطنين المذكورة من ازدراء.
ومع ذلك، فقد كان في نفوذ كوليك المسيطر موطنا ضعف:
* أولهما، أنه أنقذ الحكومة من اتخاذ موقف واضح من مسألة الاستيطان في الأحياء الإسلامية، وهو ما أدى إلى انعدام أية سياسة لدى الحكومة انعدامًا تامًا. وقد كان هذا عاملًا حاسمًا عندما صار تدخل الحكومة ضروريًا؛
*ثانيهما، أن جماعات المستوطنين قد تمكنت من استغلال كونها تتصرف كمنظمات لا تتوخى الربح، لتنجو غالبًا من رقابة البلدية، وتحصل من فوق رؤوس مسؤولي البلدية على هبات من وزارات الدولة لتنفيذ مشاريع إسكانية. وهكذا، ومع انحسار نفوذ كوليك، وبقاء الحكومة على الحياد، استطاعت جماعات المستوطنين توسيع أنشطتها في الأحياء الإسلامية. وفي مقال افتتاحي في 27 كانون الثاني/يناير 1984، علقت صحيفة Jerusalem Post قائلة:
في السنتين المنصرمتين اضطرب مبدأ الفسيفساء في أكثر المواضع حساسية، في الأحياء الإسلامية من المدينة القديمة. فقد بات يقيم هناك نحو 200 يهودي، معظمهم من طلاب اليشيفا، في مبان كانت ملكًا لليهود في تلك الأحياء….. إن وجودهم في الأحياء الإسلامية يشكل خطرًا كبيرًا على السلام في القدس؛ فهم – على ما قال مسؤول حكومي مؤخرًا – “فتيل الإشعال في برميل البارود”….. إن الحال تدعو إلى قيام الحكومة بعمل وقائي سريع.
استحث عمل الحكومة أخيرًا، في سنة 1984، سلوك شوفو بانيم، إحدى جماعات المستوطنين الذين حلّوا في فناء حياي عولام بُعَيد عقبة الخالدية. وخلافًا للجماعات الأخرى المستلهمة من غوش إيمونيم، ليس لشوفو بانيم أية استراتيجية قومية ملموسة. بل إن طريقة أعضائها في التعبد، وعقائدهم العنصرية المناهضة للعرب، وسلوكهم العنيف، هي التي كونت العامل المخل بالأمن والاستقرار. فقد اعتدوا مرات عدة على المستأجرين الفلسطينيين المقيمين في فناء حياي عولام، وأزعجوا الجيرة بصياحهم في الصلاة والأناشيد طوال الليل. ولم تتمكن البلدية من ممارسة سلطتها التخطيطية واتخاذ الإجراءات الواجبة ضدهم، إلا عندما بنوا بصورة غير شرعية طبقة ثانية في مبناهم، فرتبت ما يلزم لتهديم تلك الطبقة. ولم تتمكن من إقناع الشرطة أو المحاكم بطردهم.
أدى سلوك يشيفا شوفو بانيم، والسجال في شأن الطبقة الثانية غير المرخصة، إلى قلق جماعات المستوطنين الأخرى من تزايد الانتباه لأنشطتها، وهو أمر لا رغبة لها فيه. وما زاد الأمر حدة أن اليشيفا كانت قد استولت على عقار لم تمتلكه هذه الجماعات إلا مؤخرًا. وقد حدت القضية الحكومة على تأليف لجنة وزارة في شأن الاستيطان في الأحياء الإسلامية من المدينة القديمة. وقد ضمت اللجنة ممثلين عن وزارات الإسكان والعدل والداخلية، وعن البلدية والجيش والشرطة، وعالمًا بآثار المنطقة، وممثلين عن مختلف جماعات المستوطنين.
وقد رأس الاجتماعات السيد إفرايم شيلو، منسق الأنشطة المتعلقة بشؤون القدس في وزارة الداخلية.
*عُقدت أربع جلسات سرية لهذه اللجنة، ظلَّت وقائعها في طي الكتمان. وبحسب تقرير ورد في صحيفة “هآرتس” اليومية، تم الاتفاق على القرارات التالية فيما يتعلق بالاستيطان الإسرائيلي في الأحياء الإسلامية، ولم يعارضها إلا ممثل البلدية. وقد اتُّفق على:
*١:
أنْ تُهدم المباني المصنَّفة “خطرة” وفق القوانين البلدية، وألاَ تُرمَّم أو تُجدَّد.
*٢:
أنْ يُعطى استيطان الأُسر الإسرائيلية الأفضلية على إقامة المؤسسات.
ألا يتم استيطان أو ترميم على مقربة من الحرم الشريف.
*٣:
ألا يحدث استيطان في الممتلكات التي أغلقها الجيش الإسرائيلي.
ألا يتم إشغال أو تجديد أية ممتلكات إلا الممتلكات القريبة من حارة اليهود الموسعة.
*٤:
ألا تقدَّم أية معونة حكومية للممتلكات التي لا تقع على مقربة من حارة اليهود الموسعة.
*٥: أنْ يؤلف السيد إفرايم شيلو، ممثل وزارة الداخلية، لجنة متابعة وينسق أعمالها.
إن نقطة الالتقاء البارزة في هذه القرارات هي الطريقة التي يظهر فيها كم من التنازلات قد قُدِّم لمبدأ الاستيطان الإسرائيلي في الأحياء الإسلامية، وهو ما يعدّ تجاهلًا تامًا لسياسة البلدية. وقد كانت هذه التنازلات تعني أن الأهداف العامة لجماعات المستوطنين الإسرائيليين كانت تحظى بتأييد الحكومة.
وبصورة أخص، كانت الموافقة على تقويض المباني “الخطرة” تدبيرًا يهدف إلى تخفيض عدد السكان الفلسطينيين، وينسجم مع السياسات الديموغرافية العامة للحكومة والبلدية. غير أن النقطتين (هـ) و(و) تؤذنان ببداية سياسة الحكومة المستترة لامتلاك العقارات المتاخمة لحارة اليهود الموسعة، أي لمنطقة “سوق الحبرون” في مصطلح المستوطنين. ولعل ذلك يهدف إلى استيعاب تلك العقارات في حارة اليهود. والأرجح أن النقطتين (ج) و(د) قد لُحظنت نزولًا عند إلحاح الجيش والشرطة، تحاشيًا لإمكان الاستفزاز الديني؛ إذ إن العسكريين لمّا كانوا على بيّنة من النظريات المسيحانية التي تعتقدها جماعات المستوطنين، فهم لا يرغبون في التورط في إثارة حساسيات المسلمين من الفلسطينيين. لكن من الممكن أيضًا أن الوزارات قد اضطرت إلى دعم جماعات المستوطنين في مناطق أخرى، من أجل الحصول على تنازلات منها.
كان نجاح هذه اللجنة في تنظيم أنشطة جماعات المستوطنين محدودًا. فقد جرى، خلال هذه المدة، عدد من عمليات امتلاك واحتلال مخالفة لقرارات اللجنة؛ مِنْ ذلك، أن عطيرت كوهانيم قد احتلت، سنة 1985، عقارًا كان يملكه اليهود في طريق باب الحديد على مقربة من الحرم الشريف.
يضاف إلى ذلك، أن لجنة المتابعة لم تؤلَّف قط، وأن شيلو، المعروف بتعاطفه مع المستوطنين – قد استقال من رئاسة اللجنة الأصلية. ويشير وجود هذه الاجتماعات السرية إلى تراجع نفوذ تيدي كوليك، وإلى تنامي الدعم الذي باتت جماعات المستوطنين تتلقاه.
أ) عطيرت كوهانيم: أُسست عطيرت كوهانيم سنة 1978، بعد سلسلة من الحلقات الدراسية التي عقدت في القدس بشأن موضوع هيكل اليهود. كان ذلك خلال فترة استيطان عميق قامت حركات المستوطنين به في إثر الارتباك الأيديولوجي الذي عقب اتفاق كامب ديفيد والانسحاب من صحراء سيناء. وقد نظم الحلقات الدراسية محارب قديم في الجيش الإسرائيلي ويهودي متمسك بالناموس يُدعى متتياهو هاكوهين، وهو مستوطن من مرتفعات الجولان شجعته الاستجابة للحلقات التي عقدها على إقامة يشيفا مستقلة فيما يتعلق بهذا الموضوع. ويقود هذه اليشيفا الحاخام شلومو أفينر، حاخام مستوطنة كيشت في الجولان سابقًا، وحاخام مستوطنة بيت إيل في الضفة الغربية حاليًا. ولقد ولقد وُصفت عطيرت كوهانيم، أو “تاج الكهنة”، التي تستمد أعضاءها من صفوف القوميين – الدينيين، بأنها يشيفا النخبة من غوش إيمونيم.
وتنذر هذه اليشيفا نفسها لدراسة الطقوس الكهنوتية التلمودية التي كانت متبعة في هيكل سليمان، وتقتبس التعاليم الحاخامية التي خلفها العالم حافتس حاييم. فقد كان هذا العالم يعتقد أن على الكهنة في الديانة اليهودية أن يُعِدُّوا لمجيء المسيح بالتأكد من كونهم مستعدين للقيام بطقوس تقديم الأضاحي الحيوانية، وإتمام شعائر الصلاة بحسب أصول الناموس.
في سنة 1983، قدرت صحيفة Jerusalem Post أن اليشيفا كانت تضم نحوًا من خمسين طالبًا. وفي سنة 1990، بلغ عددهم التقديري 200 طالب، يقيم 86 منهم في نزل في طريق باب الحديد، و30 آخرون في شقق متفرقة على امتداد طريق الواد. أما مركز دراستهم الرئيسي فكان في الطبقات العليا من مبنى توراة حاييم السابق في طريق الواد.
في إثر اجتماعات اللجنة الوزارية المذكورة آنفًا، بدأت عطيرت كوهانيم تتلقى دعمًا حكوميًا ضخمًا. وإذ راحت تقدم دروسًا برعاية وزارة المعارف والثقافة، فإنها قد تلقت معونات لكل طالب، وحصلت سنة 1986 على هبة قدرها 250،000 دولار من وزارة الأديان. وفي السنة نفسها، رصدت وزارة البناء والإسكان مبلغ 40،000 دولار آخر للاستمرار في امتلاك الشقق في الأحياء الإسلامية من المدينة القديمة. ويذكر تقرير صحيفة Jerusalem Post أنه لم تتم الموافقة الرسمية على هذه الأموال في الميزانية.
على الرغم من النجاح الذي حققه نشاط عطيرت كوهانيم في مجالي التربية وامتلاك الأراضي، أواسط الثمانينات، فقد سعت باستمرار لتحاشي الظهور للعيان. إذ نأت عن التظاهرات الإعلامية ضد سيطرة المسلمين على الحرم الشريف، والتي نظمتها جماعات مثل أمناء جبل الهيكل، وزعمت المحافظة على علاقات ودية بالفلسطينيين في الأحياء الإسلامية، في حين كانت تضغط من أجل طردهم وتبحث عن مزيد من الأراضي لامتلاكه. وقد اعتمدت في العلن سياسة ليبرالية في قضية الهيكل. ورُوي عن مدير الدروس التي تقدمها عطيرت كوهانيم قوله: “نريد أن نرقى بحياة الجمهور الروحية. فإذا شاء الجمهور أن يكون الهيكل، فسيكون.”
كذلك، استنكر الحاخام شلومو أفينر الوسائل الإرهابية التي يعتمدها نفر من أعضاء غوش إيمونيم الآخرين، لإزالة قبة الصخرة واستبدالها بهيكل لليهود. لكنه أكد أن عطيرت كوهانيم على استعداد للقيام بالشعائر الدينية عندما يُبنى الهيكل. لذلك كانت استراتيجيتها، في أثناء هذه الفترة، بناء ثقافة أيديولوجية من خلال اقتناء الأملاك ومن خلال برنامج تربوي من شأنه أن يجعل إقامة هيكل لليهود في منطقة الحرم إقامة شرعية.
ب) توراة كوهانيم: تعطي المصادر المختلفة تاريخين مختلفين لتأسيس يشيفات توراة كوهانيم؛ فقد نشأت سنة 1979 أو سنة 1982، وتطورت انطلاقًا من الحلقات الدراسية التي نظمها متتياهو هاكوهين. وتشبه عقائدها كثيرًا عقائد عطيرت كوهانيم، ويبدو أن لها الغايتين أنفسهما: دراسة المعارف المتعلقة بهيكل سليمان كما بيّنها حافتس حاييم؛ واقتناء الأملاك في الأحياء الإسلامية من المدينة القديمة. وهي، أيضًا، تنتمي إلى اليمين السياسي القومي – الديني وإلى غوش إيمونيم، لكنها تميل إلى اجتذاب طلاب الهِسْدير، أي الإسرائيليين الناموسيين الذين يمتنعون من تأدية الخدمة العسكرية على أسس دينية معترف بها، بل يدخلون اليشيفا بدل ذلك. وقد كان حاخامهم الأول الحاخام بتروفر، وتلقوا التأييد الرسمي من الحاخام أفيغدور نبنزال، حاخام مدينة القدس القديمة. وفي سنة 1983، قُدر عدد الجماعة بخمسة عشر طالبًا، لكن مع نهاية الثمانينات، كان العدد قد بلغ نحو الخمسين. وتشارك هذه الجماعة جماعة عطيرت كوهانيم في الاتحاد المالي العقاري عَطَرا لْيوشْنا. ويقيم أعضاء منها في عقبة الخالدية حيث أنشأوا لأنفسهم مكتبة، بينما يقيم أعضاء آخرون في شقق قريبة من ميتم ديسكين، وفوق خان الزيت في كوليل غاليسيا.
ج) حركة إسرائيل الفتاة: تتركز جماعة المستوطنين هذه حول الحاخام نحمان كهانا شقيق الحاخام مئير كهانا، زعيم حزب كاخ. وقد سكن هو وزوجته وبعض الطلاب في مبنى كان ملكًا لليهود، يعرف بكوليل جورجيا في طريق الواد. ويضم المبنى كنيسًا صغيرًا، ومكتبة، وعددًا من الغرف للسكن تحيق بفناء مشترك. ويدرِّس الحاخام نحمان كهانا خليطًا من لاهوت إسرائيل الكبرى وبعض المعارف المتعلقة بهيكل سليمان. وتُعدّ هذه الحركة أصغر جماعات المستوطنين، إذ لا يتجاوز عدد أفرادها ثلاثين أو أربعين طالبًا. وفي نيسان/أبريل 1983، أدت مسيرة نظمتها الحركة لإحلال التوراة في كنيس كوليل جورجيا، إلى مجابهة عنيفة مع فلسطينيي الجوار. وفي الأسبوع نفسه، وُجِّهت إلى ابن الحاخام نحمان كهانا تهمة إطلاق النار من بندقية آلية على حشد من الفلسطينيين في المدينة القديمة.
ولدى حركة إسرائيل الفتاة مركز استعلامات صغير في مركز البريد في حارة اليهود. وقد نظمت، أواسط الثمانينات، رحلات سياحية إلى “جبل الهيكل” (الحرم الشريف)، وإلى حارة اليهود الموسعة والمواقع التي تعني اليهود في الأحياء الإسلامية. وقد اشتهر عن هذه الرحلات أنها كانت مصدر إقلاق شديد لراحة الفلسطينيين وحياتهم، وأنها كانت مشحونة بالتعصب القومي العنصري. وتبيع هذه الجماعة، أيضًا، بطاقات بريدية تحمل صورة لموقع الحرم الشريف وقد طبعت فوقه صورة للهيكل اليهودي المنوي إنشاؤه مكان قبة الصخرة.
د) يشيفا شوفو بانيم: إنها الجماعة التي دفعت إلى تأليف اللجنة الوزارية المذكورة أعلاه. ويعتبر أفرادها أنفسهم من أتباع الحاخام نحمان الحسيدي من براتسلاف، وهو زعيم فرع من الحسيدية الأصلية. غير أن سلوكهم المتطرف العنيف يعدُّ شاذًا في نظر الحسيديم البراتسلاف الآخرين. فأعضاء يشيفا شوفو بانيم يؤمنون بتحقيق “الاتصال بالله” وذلك عن طريق التطواف في الساحات والأماكن المكشوفة، صائحين صارخين إعلانًا لأفكارهم ومشاعرهم، ورافعين أصواتهم في الصلوات قارعين الطبول في مبنى اليشيفا. ومن غير الواضح إلى أي مدى تعدُّ عقائدهم مسيحانية، وإنْ كانوا يعتقدون أن من الواجب، في غياب هيكل اليهود، أن يبنى كنيس في المدينة القديمة بحيث يكون أعلى بناء في المنطقة المحيطة به؛ ولذلك حاولوا بناء طبقة ثانية في المبنى الذي احتلوه على مقربة من عقبة الخالدية.
إن كثيرين من أعضاء الحركة هم سجناء مستصلحون ارتدّوا حديثًا إلى اليهودية الناموسية. وليس لهم زعيم حي، وإنْ كانت الجماعة تقر بأنها تتلقى الإرشاد من الحاخام لايزر برلاند. أما العرّاب المالي لهذه الجماعة، فهو مقاول نيويوركي يدعى أبراهام دويك، من أقرب المقربين إلى وزير الدفاع السابق، أريئيل شارون. والمبنى الذي احتلوه، يشيفا حياي عولام، تديره عَطَرا لْيوشْنا. وقد جرى ذلك من دون موافقة الجماعات المؤتمنة على الاتحاد المالي، لكن تم الإقرار باحتلالهم تحاشيًا للمشاحنات المسيئة وخروج المسألة إلى العلانية. ومن المرجح، فيما يبدو، أن يشيفا شوفو بانيم، الجماعة الجديدة المثيرة للخلاف، لم تفلح في الحصول على موطىء قدم في حارة اليهود الموسعة، ولذلك استغلت الفرص التي أتاحتها أنشطة جماعات المستوطنين في الأحياء الإسلامية للحصول على مبنى هناك.
هـ) عَطَرا لْيوشْنا: كانت “جمعية تجديد الاستيطان اليهودي في مدينة القدس القديمة كلها”، أو عَطَرا لْيوشْنا، أهم أداة تحققت بوساطتها، أواسط الثمانينات، أهداف إسرائيل الديموغرافية في الأحياء الإسلامية من المدينة القديمة. وقد تأسست سنة 1979 من أجل “استرجاع وبعث وتجديد الاستيطان اليهودي في تلك الأحياء التي ليست أقل ‘يهودية’ من الحي ‘اليهودي’ نفسه” – على ما جاء في أدبيات الجمعية.[ ومن رعاة الجمعية ومؤسسيها حاخام إسرائيل الرئيسي للسفاراديم، وحاخام المدينة القديمة.
والجمعية مسجلة باعتبارها مؤسسة لا تتوخى الربح، وقد عملت عمل الذراع العقارية لجماعات المستوطنين الثلاث العاملة في الأحياء الإسلامية. وقد اتسمت أوائل ايام الجمعية بمنافسات بين جماعات المستوطنين أدت إلى نزاعات في شأن حقوق كل منها، وحصصها من الممتلكات.
وفي أواخر الثمانينات، بات من الجلي أن عطيرت كوهانيم هي الجماعة المسيطرة داخل عَطَرا لْيوشْنا. ويقع مشروع عَطَرا لْيوشْنا الاستيطاني في خمس مراحل متمايزة:
*تحديد موقع ممتلكات اليهود السابقة.
شراء الممتلكات أو استئجارها.
إخراج المستأجرين الفلسطينيين، المحميين منهم وغير المحميين.
تجديد الممتلكات وإعادة بنائها.
إسكان أُسر مختارة في الوحدات السكنية المجدَّدة.
وقد أُجريت أبحاث كثيرة لتحديد مواقع ممتلكات اليهود السابقة، وقام المحامي والمؤرخ الهاوي شباي زخاريا بتنسيق البحث عن الوثائق، ومقابلة سندات الملكية والإيجار بمواقع محددة في الأحياء الإسلامية، لمصلحة عَطَرا لْيوشْنا. وقد نُشرت نتائج أبحاثه في كتيِّب صغير سنة 1985، بعنوان “المنازل والمؤسسات اليهودية في الحي الإسلامي في المدينة القديمة، القدس”. ثم تابع أبحاثه فيما يتعلق بمواقع أخرى في حارة النصارى.
ما إن تم تحديد مواقع الممتلكات حتى انطلقت عَطَرا لْيوشْنا في تنفيذ القسم التالي من برنامجها – وهو حيازة هذه الممتلكات على نحو ما. وكما لاحظنا سابقًا، فإن مباني اليهود السابقة، سواء أكانت ملكًا أم إيجارًا، قد وضعت بعد سنة 1948 في تصرف “الحراسة الأردنية على أملاك العدو”. وبعد أن ضمت إسرائيل القدس سنة 1967، أقرت الحكومة قانونًا حوّل حق التصرف في هذه الممتلكات إلى “القيّم على أملاك الغائبين” الإسرائيلي.
ومع أن هذه الوصاية قد وضعت مسؤولية العديد من هذه الممتلكات في يد إدارة أراضي إسرائيل، المخوَّلة حق بيع هذه الممتلكات أو تأجيرها لليهود فحسب، فإنه لم يتم أي استعادة فورية من قبل الملاكين أو المستأجرين اليهود السابقين.
كان ثمة أسباب عدة لهذا التأخير. وقد لاحظنا أن الاستيطان ظل، حتى عقد اتفاق كامب ديفيد، متركزًا في أنحاء أخرى من الأراضي المحتلة، وظل نفوذ تيدي كوليك يصرف الكثيرين من الراغبين في الاستيطان عن الاقتراب من الأحياء الإسلامية. كما أنه لم يكن من السهل دائمًا تحديد هوية المالكين أو المستأجرين. إلا إن سبب ذلك الرئيسي هو أن القانون الإسرائيلي لمّا كان يقر حقوق المستأجرين المحميين، وكان الكثيرون من الفلسطينيين المقيمين الآن في تلك الممتلكات اليهودية قد اعتبرتهم هيئة “الحراسة” مستأجرين محميين، فقد اضطر القيّم الإسرائيلي إلى الاعتراف بوضعهم كمحميين أيضًا.
ولذلك، لم يكن في استطاعة المالكين أو المستأجرين اليهود السابقين أن ينتقلوا فورًا إلى ممتلكاتهم ومنازلهم عقب حرب 1967.
وعلى الرغم من ذلك، فقد تطور التعاون بين عَطَرا لْيوشْنا من جهة وبين مكتب القيّم وإدارة أراضي إسرائيل من جهة أخرى، في أواسط الثمانينات، إلى حد أن عَطَرا لْيوشْنا قد نالت الاعتراف الرسمي بأعمالها من قبل إدارة أراضي إسرائيل. فقد أرسل مدير إدارة أراضي إسرائيل في منطقة القدس، يهودا زئيف، كتابًا رسميًا يأذن لعَطَرا لْيوشنا في مفاوضة المستأجرين الفلسطينيين وإدارة الأوقاف، باسم دولة إسرائيل. يضاف إلى ذلك، أن عَطَرا لْيوشْنا قد خُوِّلت القيام بإدارة ممتلكات كانت إدارة أراضي إسرائيل تديرها. وهكذا، استطاعت أن تتصرف تصرف الذراع الرسمية لإدارة أراضي إسرائيل، أي المؤسسة الرسمية، من دون الأصداء السياسية التي قد يستثيرها التدخل المباشر. وبذلك حُرمت البلدية فعلًا أي دور في التخطيط للاستيطان الإسرائيلي في الأحياء الإسلامية. ومن المهم أن نشير إلى أن غايات عَطَرا لْيوشْنا كانت تتخطى الاستيطان في الممتلكات التي كان يقطنها اليهود سابقًا، على وجه التحديد.
كانت عملية إجلاء المستأجرين الفلسطينيين عن المباني التي امتلكتها عَطَرا لْيوشْنا مكلفة وبطيئة؛ فقد كان المستأجرون الفلسطينيون محميين في معظمهم، وشرعيين. لكن أولئك الذين كان من الممكن الطعن في عقودهم لأنهم لم يبيِّنوا إلى من كان عليهم أن يدفعوا بدلات الإيجار، أو لأنهم أولاد مستأجرين محميين، لا مستأجرين محميين هم أنفسهم، فقد أُخرجوا سريعًا. ولم يكن دفع مبالغ تصل إلى 50،000 دولار لشقة مؤلفة من غرفة أو غرفتين، أمرًا استثنائيًا.
وعندما كان المستأجرون يرفضون التعويضات، فقد كانت عيشتهم تُنَغَّص تنغيصًا شديدًا، وربما تعرضت حياتهم للخطر. فالشقق لم تكن تصان صيانة حسنة، الأمر الذي سبّب نشوء أوضاع غير صحية. كما أن المستوطنين أخذوا على عواتقهم مهمة تكدير عيش المستأجرين وتخويفهم. فمن ذلك أن عددًا كبيرًا من منازل المدينة القديمة يحيق بفناء داخلي مشترك. وقد قام المستوطنون الذين حلوا في عدد من منازل الفناء بتغيير بوابته، فحالوا بذلك دون دخول الفلسطينيين الساكنين في منازل الفناء الأخرى. ونجد مثالًا آخر لمدى ما كانت عَطَرا لْيوشْنا مستعدة لفعله، وذلك في قضية وقف الرّْصاص.
كان وقف آل الرّْصاص يدير شؤون عقار صغير في عقبة الخالدية، كما كان البناء الملاصق “بيت مغربيم” في عقبة الخالدية أيضًا؛ وهو نزل يهودي سابق أُسس أواخر التسعينات من القرن الماضي، وهُجر في العشرينات من هذا القرن.
بعد احتلال إسرائيل المدينة القديمة سنة 1967، وضع بيت مغربيم تحت رعاية القيّم على أملاك الغائبين الإسرائيلي. وفي سنة 1981، توصلت عَطَرا لْيوشْنا إلى عقد إيجار مع أصحابه، الجالية المغربية في القدس، خُوِّلت بموجبه حق ترميم المبنى واستعماله مدة 12 عامًا.
في الجانب الغربي من بيت مغربيم يقع عقار مستطيل قليل العرض يمتلكه وقف الرّصاص. وترقى الوقفية إلى سنة 1715 م (1127 هـ). وقد بقيت هذه الملكية مؤجرة إلى السيد أمين الجابر من سنة 1932 حتى وفاته سنة 1983. وفور اطلاع عَطَرا لْيوشْنا على هذه الوفاة، سارعت إلى احتلال المبنى وراحت تجري التعديلات عليه. ولم يُعْلَم متولي الوقف السيد فخري الرّصاص بوفاة السيد جابر إلا بعد أن احتلته عَطَرا لْيوشْنا؛ فأخطر الشرطة بذلك، لكنها ما كانت لتحرك ساكنًا إلا بأمر من المحكمة. وفي هذه الأثناء، شرعت عَطَرا لْيوشْنا في بناء طبقتين إضافيتين فوق مبنى الرّصاص، من دون رخصة من البلدية.
وفي شباط/فبراير 1984، وكَّل السيد فخري الرّصاص المحامي مازن القبطي، فاستحصل على أمر من البلدية بحظر أعمال البناء في المبنى وإلى مسافة ثلاثة أمتار من عقار الرّصاص، بموجب قوانين البلدية. فوافقت عَطَرا لْيوشْنا على إخلاء العقار إنْ استطاع الوقف إثبات ملكيته. وقد تمكن القبطي من إثبات ذلك، لكنه لم يتلق جوابًا من عَطَرا لْيوشْنا. ثم سعى للحصول على أمر بالإخلاء اضطر إلى العمل من أجله مرتين، لأن عَطَرا لْيوشْنا التي كانت تعمل حتى ذلك التاريخ باسم إحدى الجماعات التي تكوّنها، توراة كوهانيم، قد غيرت اسمها إلى عَطَرا لْيوشْنا، الأمر الذي استتبع تغيير الوثائق القانونية كلها. وخلال 1984 – 1986، عُقدت ثماني جلسات للنظر في إجراءات الإخلاء، لكن بلا طائل. وفي كانون الثاني/يناير 1987، استأنفت عَطَرا لْيوشْنا أعمال البناء في عقار وقف الرّصاص، وحاول القبطي عبثًا الحصول على حظر آخر من البلدية، واضطر إلى الحصول على حكم من المحكمة يقضي بحظر البناء. فطعنت عَطَرا لْيوشْنا في الحكم، مدعية أن العمل قد تقدَّم إلى حد بات الكف عنه يشكل خطرًا على حياة الناس، وأن الدعوى المرفوعة ضدها مبنية على أسس سياسية. وفي شباط/فبراير 1987، استؤنفت أعمال البناء على الرغم من أن أمر المحكمة لا يزال صالحًا في انتظار جلسة تحظر الاستمرار في العمل.
في آذار/مارس 1987، استحصل القبطي على “الرأي الرسمي للقيّم على أملاك الغائبين، وفحواه أن نزل “بيت مغربيم” لا يمتد بحيث يشمل عقار الرّصاص فأبطل بذلك مزاعم عَطَرا لْيوشْنا، وهو ما اضطرها إلى إسقاط هذا القسم من دعواها ضد حكم المحكمة. لكنها قدمت التماسًا، في أيار/مايو 1987، للحؤول دون تنفيذ الحكم: فقد ادعت أن على وقف الرّصاص أن يثبت أنه كان يملك العقار مُلكًا قبل الوقفية. وقد اعتقد القبطي أن هذه الحجة الجدية لفقت لسببين اثنين: أ) كانت عَطَرا لْيوشْنا تسعى لكسب الوقت فتتمكن من إنهاء أعمال البناء؛ ب) أرادت أن تنقل الدعوى من محكمة الصلح إلى المحكمة اللوائية التي كانت تأمل بأن تجد فيها آذانًا أصغى لدعواها.
تبين هذه الحالة كيف أن البلدية، على الرغم من اعتراضات كبار موظفيها على أنشطة المستوطنين، لم تقدم دعمًا ذا بال إلى الفلسطينيين متى دخلوا في نزاع مع بعض جماعات المستوطنين. ولقد كان في وسع المستوطنين أن ينتهكوا قوانين البلدية المتعلقة بالبناء، من دون أن يتعرضوا لملاحقة شديدة. يضاف إلى ذلك، أن جماعات المستوطنين كانت قادرة على استغلال قلة الوضوح في بعض وثائق الملكية، وعلى إبقاء أية دعوى مرفوعة أمام المحكمة معلَّقة، وذلك باللجوء إلى سلسلة من الحجج والذرائع. أخيرًا، تبين هذه الحالة كيف أن المحامين الفلسطينيين باعتمادهم المتواصل على مقاربات جديدة اضطروا، في دفاعهم عن قضايا الفلسطينيين، إلى القيام بأبحاث تاريخية ووثائقية مضنية، لم يكن لديهم الوقت ولا التدريب الكافي للنهوض بها، هذا فضلًا عن أن موكليهم كانوا يفتقرون إلى الأموال الكافية لتحمل أعبائها.
خلال هذه الفترة أعدّت عَطَرا لْيوشْنا، وعلى الرغم من ابتعادها عن الظهور، برنامجًا طموحًا للترميم والتجديد. وقد تخطت ميزانيتها لتحديث المباني 1،5 مليون دولار، كما قدمت طلبات للحصول على 1،8 مليون دولار إلى إدارات حكومية عدة. ولقد بوشر العمل في “بيت وارسُوَا” في حارة باب حطّة، وفي ميتم ديسكين، ويشيفا حياي عولام، و”بيت مغربيم” في منطقة عقبة الخالدية، وفي كوليل غاليسيا في طريق الواد، وكوليل غاليسيا على سطح منطقة السوق المركزية. وكان بعض هذه المشاريع مكثفًا؛ فمن ذلك أن كوليل غاليسيا قد صمم بحيث يحتوي على كنيس صغير، ومتاجر، و16 شقة.
ومن أجل تسهيل إنجاز مشروع التحديث هذا، أنشأت عَطَرا لْيوشْنا شركة تعمير وإدارة فرعية سمّتها “بِنْيان يروشلايم”. وقد أشرفت هذه الشركة على أعمال التحديث اليومية، وكان في إمكانها التصرف في الإنفاق وذلك عن طريق استخدام المقاولين؛ فانخفضت التكلفة جراء ذلك انخفاضًا واضحًا.
ولم تستخدم غير العمال اليهود، “إلا إذا لم يكن هناك بد من ذلك.” وقد انطلقت عَطَرا لْيوشْنا في برنامج جمع تبرعات في الولايات المتحدة. وفي سنة 1986 أطلق مديرها، يسرائيلي فويختفانغر، برنامج “لَبِن من أجل القدس” الذي يمكن تخصيص الهبات فيه لمشاريع معيّنة في الأحياء الإسلامية؛ هذا مع كون الهبات محسومة من جملة الدخل الخاضع للضريبة.
إن المرحلة الأخيرة في برنامج عَطَرا لْيوشْنا الاستيطاني هي عمليًا انتقاء الناس اللائقين وإحلالهم في الممتلكات المجدَّدة. وقد منحت الأُسر الأفضلية بين الذين تقدموا إلى ذلك، لكن الشبان العازبين قد منحوا المنازل القصية عن حارة اليهود الموسعة؛ وذلك لأسباب أمنية. وظهر في مواد عَطَرا لْيوشْنا الإعلانية أن الأفضلية تعطى أولًا لأولئك الملتزمين أيديولوجيًا بـ”افتداء” الأحياء الإسلامية. ومن اللافت ان نلحظ أنه على الرغم من التعاون الوثيق بين إدارة أراضي إسرائيل وعَطَرا لْيوشْنا فقد رفضت هذه الأخيرة طلبًا من يهودا زئيف، مدير لواء القدس في إدارة أراضي إسرائيل، بتعيين ممثل عنه في هيئتها لانتقاء المستوطنين.
*نجاحات المرحلة الثالثة
طُبعت نهاية المرحلة الثالثة باحتلال وزير الدفاع السابق أريئيل شارون، في 15 كانون الأول/ديسمبر 1987، المنزل الذي كان يسكنه موشيه فيتنبرغ في طريق الواد.
وقد كانت هذه الخطوة ذروة النشاط التي وسمت الدعم الحكومي المتزايد العلانية لمخططات المستوطنين. أما احتلال دير مار يوحنا في حارة النصارى، بدعم مالي من الحكومة، فكان مرحلة أخرى من إدماج الحكومة لنشاط المستوطنين في سياق سياستها الرسمية.
كانت إنجازات جماعات المستوطنين، خلال المرحلة الثالثة، مهمة واستراتيجية. فقد امتلكوا، في المقام الأول، أكثر من ثلاثين عقارًا، بعضها كبير حقًا ويشتمل على عدة منازل. وكانت هذه المنازل في أطوار متفاوتة من الترميم أو البناء الفعلي. وكان المزيد من المواقع قد تم تحديده في أنحاء مختلفة من المدينة القديمة، وكانت إجراءات اقتناء ثلاثين عقارًا آخر قد شُرع فيها. وهكذا، فإن غاية المستوطنين الأولى في خلق وجود يهودي في الأحياء الإسلامية كانت، في نهاية هذه المرحلة، في طور متقدم من أطوار تحقيقها.
ويوازي ذلك في الأهمية الدعم الذي تلقته جماعات المستوطنين من موظفي الدولة وكبار السياسيين. وقد لحظ هذا المقال تنامي هذا الدعم من مجرد التبني الرسمي من قبل شخصيات بارزة في المؤسسة الدينية، إلى التعاون النشيط من المسؤولين في إدارات الدولة، وإلى المساعدة المالية المباشرة في اقتناء الممتلكات وترميمها وتحديثها. إن ما أرساه المستوطنون من أسس، خلال هذه المدة، قد جعل تقليص الاستيطان الإسرائيلي لاحقًا في الأحياء الإسلامية أمرًا غير ممكن. وأن القبول المتنامي بأهداف المستوطنين، من حيث هي متعارضة مع مبدأ الفسيفساء عند تيدي كوليك، ليعبر – على أوجه عدة – عن الانزلاق نحو اليمين لدى نظام الحكم الإسرائيلي، وتحصين مكاسب المستوطنين أكثر فأكثر.
يضاف إلى ذلك، أن القيمة الاستراتيجية للاستيطان في الأحياء الإسلامية ذات شأن مهم. وقد رأينا أن العقارات القريبة أو الملاصقة لحارة اليهود الموسعة، قد استُهدفت باعتبارها ذات أفضلية على غيرها. فمن كوليل غاليسيا نزولًا إلى عقبة الخالدية حتى طريق الواد، استُرجعت سلسلة من الممتلكات اليهودية السابقة ومن المباني المتاخمة لها، استرجاعًا جزئيًا أو تامًا. وقد بات “ملء الفراغات” انطلاقًا من هذا الموقع أيسر، كما قرَّب إمكان استيعاب هذه المنطقة في حارة اليهود الموسعة. ولقد دعا البروفسور يوفال نئمان، رئيس حزب هتحيا، إلى تجديد امتياز شركة تطوير وإعادة بناء الحي اليهودي، وإلى توسيع عملها ليشمل المدينة القديمة كلها.
وأن نمط إقامة مثل هذه السلسلة من الممتلكات في الأحياء الإسلامية، لما يمكن التماس نظيره في طريق الواد؛ فقد اقتُنيت وسُكنت الممتلكات الممتدة من منزل موشيه فيتنبرغ إلى مكتبة بن عزرا. ومن هذا الموقع، يمكن أن نتوقع انطلاق عملية امتلاك العقارات الملاصقة؛ وهذا ما جرى فعلًا خلال المرحلة الرابعة.
إن ما فعلته هذه “النجاحات” هو وضعها في متناول اليد الخطط الحكومية البعيدة الأجل لتقليص عدد السكان الفلسطينيين داخل المدينة القديمة، والتوصل عبر ذلك إلى تحقيق التوازن الديموغرافي المأمول به في مجمل مدينة القدس. ولقد كثرت المناقشات في شأن ضرورة “التخلص من الأكواخ” والحاجة إلى “مساحات مفتوحة”، إلا إنها فشلت نظرًا إلى حساسية الموضوع من الناحية السياسية. ومع اكتساب نشاط المستوطنين زخمًا لم تتوصل الانتفاضة إلا إلى كبحه، لا إلى إيقافه نهائيًا، فقد نجم بعض العوامل الأخرى ذات الدلالة. إن تطويق المدينة القديمة بالمباني السكنية الإسرائيلية، المتدرج سيؤدي إلى فصل المدينة بالتدريج عن عمقها الطبيعي في الضفة الغربية. ولقد أدت القيود على السفر وأوامر حظر التجول إلى تفاقم هذه التطورات بحيث تعوِّق، في المدى البعيد، دورها كمركز للأعمال والتجارة الفلسطينية. ومن المرجح أن تقابَل الصدامات مع المستوطنين بمزيد من الإجراءات الأمنية الآيلة إلى إغلاق بعض المنازل وطرد الأُسر المقيمة فيها. ولقد أدى توطين المهاجرين السوفيات الواسع النطاق، في القدس الشرقية، إلى تعزيز هذين الاتجاهين. لذلك، يمكن أن يستنتج المرء أن مستقبل مدينة القدس القديمة يكمن في السوابق التي سجلتها الحكومة الإسرائيلية في سياستها في مدينتي يافا وعكا القديمتين داخل إسرائيل نفسها؛ فلقد طُرد الفلسطينيون منهما، أو حُصروا في نطاق ضيق، من أجل تطوير “جماعات فنانين” إسرائيلية أو “مدينة متحف”. وتؤذن المرحلة الثالثة من الاستيطان في المدينة القديمة من القدس بتحول المدينة القديمة من مركز سياسي وثقافي عربي وإسلامي نابض بالحياة، إلى بُلَيْدة فلسطينية صغيرة داخل مدينة إسرائيلية؛ شيء كموقع أثري يلفت أنظار السياح الغربيين.
* على الرغم من أن قانون القدس الأساسي قد أُقر سنة 1980، فإن ذلك لم يتعدّ تثبيت ما كان قد أقره قانون التنظيمات القانونية والإدارية (تعديل)، وقانون التنظيمات القانونية والبلديات (تعديل)، اللذان أُقرا سنة 1967.
.. وفي الواقع المعاش اليوم، أن السفاح نتنياهو، وحكومة اليمين الإسرائيلي المتطرفة، تتعمد في وقائع الحرب العدوانية الإسرائيلية على غزة ورفح والضفة الغربية والقدس والداخل المحتل، إلى تحريك كل قوى الشاباك والمنظمات الصهيونية اليهودية في العالم، من أجل خلط أوراق نتائج الأحداث وأثرها على الأمن القومي والأمن الداخلي الوطني، بالذات صراع سياسات التهجير المقارنة بحرب الإبادة الجماعية.