وداع البابا فرنسيس: جنازة يحضرها الغني والفقير، وتتسع للملك والعامل
بقلم: رنا حداد

النشرة الدولية –
في مشهد نادر يتجاوز كل الفوارق، اجتمع العالم ليودّع البابا فرنسيس: الأغنياء والفقراء، الملوك والعمّال، المشاهير والمجهولون.
ليست مشاهد جنازته بروتوكولية صامتة، بل لوحة إنسانية حية، تليق برجل عاش من أجل الإنسان أولًا، ولم يجعل الإيمان يومًا سجينًا للطقوس الجافة.
على مدار سنوات حبريته، لم يكلّ البابا فرنسيس من التذكير بأن الكنيسة ليست متحفًا للمقدسات، بل “مستشفى ميداني” لشفاء الجروح. كان يُصّر دائمًا في عظاته، كما ترجمنا مرارًا، أن الكلمة التي لا تلامس قلب السامع، لا جدوى منها. قال ذات مرة:
“إذا لم تهزّ عظاتكم ضمائر الناس، فلا تضيعوا وقتهم. فليكن وعظكم كجرحٍ يُشعر الناس أنهم أحياء، لا كخطابٍ يُنسى قبل أن يصل إلى الآذان.”
ومن تجربتي الشخصية في العمل على نصوصه وخطبه، كان البابا فرنسيس يلح دائمًا على رجال الدين: لا تكرار بلا روح، لا شعارات مستهلكة، لا خوف من قول الحق بجرأة وصدق. بلغة بسيطة وعميقة، دعاهم لأن يكونوا شهودًا أكثر منهم خطباء. ففي واحدة من رسائله القلبية إليهم قال:
“الناس لا يحتاجون كلمات كبيرة، بل قلوبًا كبيرة.”
كان يؤمن أن السلوك اليومي للإنسان أبلغ من ألف قداس. ولذلك لم يتردد في انتقاد الكنيسة عندما تتجمّد في قوالب شكلية:
“الكنيسة التي تنغلق على طقوسها تُخسر رسالتها… نحن مدعوون لنحمل رحمة الله، لا لنحبسها خلف جدران الطقوس.”
مشهد جنازته كان وفاءً كما أراد دائمًا أن يرى العالم: عائلة بشرية واحدة، تحت ظل محبة لا تعرف التصنيف أو الاستبعاد. لم يسأل أحد عن هوية الآخر أو مرتبته؛ ففي هذا الوداع، لم يكن هنالك أغنياء وفقراء، بل بشر يشيّعون رجلًا أحبهم كما هم.
رحيل البابا فرنسيس ليس فقط غياب قائد ديني؛ إنه غياب ضمير عالمي كان يذكّرنا بثمن الإنسان، بغض النظر عن دينه أو لونه أو مكانته. في زمن ازدادت فيه الإنقسامات، رفع صوته دفاعًا عن الوحدة، عن الفقراء، عن اللاجئين، عن الأرض نفسها التي نسكنها ونسيء إليها.
سيظل إرثه موجودًا في كل ابتسامة يمنحها غني لفقير، في كل كلمة صدق تُقال بلا خوف، في كل مبادرة لإزالة الحواجز بين البشر